الإسلام والجنس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

لم يتجاهل الإسلام أي قضية تتعلق بنشاط الإنسان. فكل جوانب حياتنا تلقت في دين الله تعالى تقييمًا من حيث الفائدة أو الضرر بالنسبة للإنسان. ومن هذه القضايا هو التعامل بين الجنسين. لذلك تعطى ثقافة العلاقة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك العلاقات الجنسية، أهمية كبيرة في الإسلام.

الحياة الجنسية كجزء لا يتجزأ من وجود الإنسان لها صدى واسع في القوانين والأخلاق الإسلامية. يُعتبر الاقتراب الجنسي في الإسلام ليس فقط كحاجةٍ طبيعية مميزة لمعظم الكائنات الحية؛ بل هو مرتبط بشكل وثيق بالقيم الروحية: مثل النية الطيبة، وذكر الله تعالى، والثقافة والأخلاق، وهي التي تتميز بها البشر فقط. هذه القيم ترفع أي فعل لمستوى العبادة التي يكافأ الإنسان عليها، والتي توجد فقط في الإسلام.

قال الله عز وجل﴿وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلًا مِن قَبلِكَ وَجَعَلنا لَهُم أَزواجًا وَذُرِّيَّةً[الرعد:38]. قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح، وتنهى عن التبتل، وهو ترك النكاح، وهذه سنة المرسلين، كما نصت عليه هذه الآية، والسنة واردة بمعناها.

قال الإمام الغزالي رحمه الله: النكاح سبب دفع غائلة الشهوة، فإن الشهوة إذا غلبت، ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش.

وبالنسبة للشباب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ".

يرى الإسلام القرب بين الزوجين كفعل يُرضي الله، ولهم فيها أجر من عند الله. وهذا يُظهر واحدة من رحمات الله تجاه الأمة المسلمة. في الحديث الذي أخرجه أبو ذر عن النبي قال: "وفي بُضْعِ أَحَدِكُم صدقةٌ. قالوا: يا رسولَ اللهِ آياتي أحَدُنا شَهْوَتَهُ وَيكونُ له فيها أجْرٌ؟ قال: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الحرامِ ألَيْسَ كان يكونُ عليْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَها فِي الْحَلَالِ يكونُ لَهُ أجرٌ".

ومن أحاديث النبي محمد أن الجماع يجب أن يبدأ بالتسمية بالله. ففي *حصن المسلم* يُذكر دعاء خاص ينبغي للزوجين قراءته قبل البدء بالعلاقة الحميمة: "بِسْمِ اللهِ، اللّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا" وقال رسول الله: "فإن قُدِّر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا".

يُعطي الإسلام الفرصة للشخص لتنويع حياته الجنسية دون الخروج عن حدود المباح. في هذا الدين تم حل مشكلة طُرحت في كتاب لـ بوب بيركوفيتز بعنوان *هو لم يعد يستطيع*. يعتقد المؤلف أن السبب الرئيسي لرفض الرجل ممارسة الحب هو *الجنس الروتيني* و*غياب الجديدية*. وفي القرآن الكريم يقول: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ). وروى البخاري وأهل السنن عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها، جاء الولد أحول، فنزلت الآية.

في الوقت نفسه، يَحظر الإسلام بشكلٍ قاطع إتيان الزوجة في الدبر. قال رسول الله: "مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم". وهذا مرتبط بأن ذلك يتعارض مع الطبيعة البشرية وتثير الاشمئزاز لدى الشخص العاقل، وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تحرم المرأة من الاستمتاع بالعلاقة الطبيعية مع الشريك.

كما يُولي الإسلام اهتمامًا كبيرًا للنظافة الشخصية بعد العلاقة الزوجية. فمن الأفضل للرجل أن يقوم بالوضوء قبل أن يقترب منها مجددًا. قال النبي: "إذا أتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يعودَ فلْيتوضَّأْ". الوضوء بين المرات ليس واجبًا ولكنه مستحب. وإذا كان بالإمكان القيام بالغسل الكامل، فهذا أفضل.

في كتب الفقه، يتم شرح الحالات التي يتطلب فيها القيام بالغُسل بشكل مفصل:

أولًا: عندما تتم ملامسة الأعضاء التناسلية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جَلَس بَيْنَ شُعَبِها الأربَعِ ومَسَّ الخِتانُ الخِتانَ؛ فقد وَجَب الغُسْلُ". ويجب الغُسل سواء حدث الإنزال أم لا.

ثانيًا: في حالة حدوث الإنزال، سواء كان هناك ملامسة للأعضاء التناسلية أم لا.

يمكن للإنسان تأخير الغسل حتى صلاة الفجر. ولكن من الأفضل القيام بالوضوء قبل النوم، كما في سؤال عمر للنبي: "هلْ يَنَامُ أحَدُنَا وهو جُنُبٌ؟ قالَ: نَعَمْ، لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ، حتَّى يَغْتَسِلَ إذَا شَاءَ".

ومن الحرام أن يتقرب الرجل من زوجته أثناء الحيض. وفي القرآن: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

ووفقًا للسنة، فمن يقترب من زوجته أثناء حالة الحيض يجب عليه دفع الصدقة كتكفير عن ذلك. ولكن الحيض لا يمنع من الحياة الزوجية بشكل كامل. فخلال هذه الفترة يمكن للزوجين التمتع بالمداعبات، دون ممارسة الجماع.

ويجوز العزل ولو كان تركه أفضل، وذلك إذا دعت الحاجة إليه، أما حبوب منع الحمل فإنها تجوز إذا دعت إليها الحاجة مثل كون المرأة تحمل بسرعة أو يضرها الحمل، لتسلم من الضرر، وذلك يكون بإشراف الطبيب وبدون ضرر على الزوجة.

والدليل على ذلك هو حديث جابر بن عبدالله: "كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا القرآن" وفي لفظ آخر:"وبلغ ذلك النبي ﷺ فلم ينهنا، عليه الصلاة والسلام".

وفي الختام، يُحظر على الزوجين كشف أسرار حياتهما الزوجية. ويعتبر هذا الفعل من أدنى الأفعال في الإسلام. فعن أبي سعيدٍ الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply