الإباحية والإسلام: معركة الحياء والوعي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

عندما استسلمت القدس للمسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حاول الروم استعادة نفوذهم بكل الوسائل. فظهرت نساء نصف عاريات في طرق المسلمين، بهدف إغوائهم وإبعادهم عن دينهم. ولكن المسلمين كانوا ثابتين في إيمانهم، فلم ينجروا وراء هذه السبل المغرية، معتقدين أن كل خير يأتي من الله.

على طول خط تاريخ الإسلام كانت قوةُ المسلمين دائمًا في إيمانهم وحيائهم. قال صلى الله عليه وسلم:"الإِيمَانُ بضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً، والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ". البخاري.

وهو ليس حكرًا على المسلمين فقط بل هو فطرة إنسانية. فقد اتبعت نساءٌ غير مسلماتٍ في مصر طريق المسلمات في ارتداء النقاب. وفي السعودية يُلاحظ أن العائلات غير المسلمة تتأثر بالعادات المحلية، حيث يتساءل الأطفال عن سبب عدم ارتداء الأمهات للعباءة. وفي قرية مسلمة بالهند كان الرجال يحترمون المرأة المنتقبة بتوجيه أنظارهم بعيدًا عنها.

هذه الأمثلة تؤكد أن الحياء هو قيمةٌ إنسانيةٌ عامة، وليس مقتصرًا على دينٍ أو ثقافةٍ معينة.

  • صورةٌ مؤلمةٌ لزماننا الحالي:

من المحزن أن نرى كيف فقد المسلمين في أيامنا هذه قيمة الحياء تحت تأثير الفساد والانحلال الأخلاقي الذي اجتاح حياتنا من خلال وسائل الإعلام والإنترنت.

لقد ذهبت الأيام التي كان فيها النظر إلى المرأة المحتشمة فِعلًا غير لائق. كان الرجل يتجنب النظر إلى منزل جاره المفتوح لئلا يرى شيئًا غير مناسب!

اليوم ينظر الرجال بتمعن إلى كل تفصيل في المرأة، من رأسها إلى قدميها. الأطفال، وحتى الكبار، يتبعون أزياءًا تُعتبر غير أخلاقية، لأن الموضة الحديثة لا تعتبر الحياء قيمةً مهمًة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فافْعَلْ ما شِئْتَ". وقال أيضًا:"الحياءُ من الإيمانِ، والإيمانُ في الجنةِ، والبَذاءُ من الجفاءِ، والجفاءُ في النارِ".

تشكو النساء أيضًا من تحرش بعض الرجال، حتى في وسائل النقل العامة. وتظهر البحوث على الإنترنت والدراسات مدى انتشار هذه المشكلات في أنحاء مختلفة من العالم.

فما الذي يحدث في عالمنا اليوم؟ تخيل أن يحدث هذا مع أمك أو أختك أو زوجتك! فكيف نفسر هذا التدهور المروع في الأمة الإسلامية؟

قال الله تعالى:}يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ{. الأعراف:27.

  • إدمان المواد الإباحية... حتى بين المسلمين؟!

لقد نجحت وسائل الإعلام في تقويض قيمة الحياء بين المسلمين، محولةً الكثيرين إلى مدمنين على المواد الإباحية. هذا الإدمان مثله مثل إدمان المخدرات، يتطلب جرعات متزايدة لتلبية الرغبات. وهكذا يصبح الإنسان أسيرًا لشهواته، يتصرف بشكل غير مسيطر.

هذا الفساد قد يقود البعض إلى الجريمة. وككل المدمنين، يشعرون بالندم والفراغ العميق ثم إلى تدهور الإنسان وتضليله.

فكيف سنقابل الله في اليوم الآخر، بعد أن أعطانا عمرًا طويلًا وعقلًا للتمييز بين الخير والشر؟

  • كيف نتغلب على هذا الإدمان؟

إذا كنت قد سقطت في هذا الفخ وتسعى للخروج منه، فعليك أن تعلم أن تقوية الإيمان هو السبيل الأمثل للتخلص من هذا المستنقع:

  1. استغفر الله دائمًا، فهو الرحيم الغفور.
  2. تذكر أن فتنة المرأة هي من أكبر الفتن. لذا يجب على الرجل ألا ينظر إلى المرأة التي ليست محرمًا له، والعكس صحيح. قال الله تعالى:}قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{.النور:30.
  3. تجنب الحديث العابر مع الجنس الآخر إذا لم يكن هناك حاجة.
  4. احذف الصور والمحتويات المشينة واستخدم فلاتر البحث لتجنب المحتوى الغير لائق.
  5. اتقِ الله وتصرف وكأنه يراقبك في كل لحظة. تذكر دائمًا الجنة والنار.
  6. عليك بكثرة النوافل، ففي الحديث القدسي:"وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحبُّه".
  7. إقرأ القرآن والكتب الإسلامية وخصوصًا كتب الرقائق يوميًا لتطهير قلبك.
  8. اختر أصدقاء صالحين وابتعد عن الأماكن التي تدعو إلى الفساد. فالصحبة الصالحة خير معين.
  9. عندما تشعر بالضعف، توجه فورًا بالدعاء إلى الله واطلب منه الدعم والثبات.

إذن فالتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في هذا العصر، وخاصةً موضوع الإباحية وتأثيراتها السلبية، تتجلى أمامنا بأهمية العودة إلى ديننا الحنيف بعيدًا عن البدع لاستقاء الهداية والتوجيه.

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الحياءَ والإيمانَ قُرنا جميعًا فإذا رُفع أحدُهما؛ رُفع الآخرُ".

وقال ابن القيِّم رحمه الله: (خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء).

إذن فلنتأمل في هذه العبارات ونعمل على تطبيقها في حياتنا، لنكون قدوةً حسنةً في هذا العصر المليء بالتحديات. ولنتذكر دائمًا أن الله مع الذين يتقون والذين هم محسنون.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply