من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

عاتكة بنت زَيْد بن عَمْرو بن نُفَيل بن عبدالعُزَّى بن رِيَاح بن عبداللّه بن قُرْط بن رِزاح بن عَدِيّ بن كَعْب، هي من نسب قرش ومن فخذ العدويين. وهي أخت سعيد بن زيد، من العشرة المبشرين بالجنة. وبالإضافة إلى أنها شاعرة متميزة، فهي بنت عم عمر بن الخطاب.

كانت ذات خلق بارع، وصاحبة عقل راجح ورأي سديد، تزوج بها عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. أغرم بها حتى شغلته عن أداء عمله، فأمره والده أبو بكر بتطليقها. فقال في ذلك يُعبر عن ألمه وحزنه:

يقولون طلقها وخيم مكانهـا   مقيمًا تمني النفس أحلامُ نائم

وإن فراقي أهل بيتي جميعهم             على كره منى لإحدى العظائم

أراني وأهلي عالعجول تروحت   إلى بوها قبل العشاء الروائم.

فلما رأى أبو بكر رضي الله عنه منه ذلك، أصر على طلاقه منها فطلقها، فاشتاقت لها نفسه، فسمعه أبو بكر رضي الله عنهما يقول الأبيات الآتية:

أعـاتـك لا أنـسـاك مـا ذر شـارقٌ   ومـا نـاح قـمـري الحـمـام المـطـوق

أعــاتــك قــلبــي كــل يـوم وليـلة   لديـك بـمـا تـخـفـي النـفـوس مـعـلقلهـــا

خـــلقٌ جــزلٌ ورأيٌ ومــنــطــقٌ             وخــلقٌ مــصــونٌ فــي حــيــاءٍ ومـصـدق

فـلم أر مـثـلي طـلق اليـوم مـثلها   ولا مـثـلهـا فـي غـيـر جرمٍ تطلق

فلما رأى أبو بكر رضي الله عنه منه قوله ذلك، شعر بالأسى وأمره بمراجعتها، فارتجعها وألقى قصيدةً أخرى:

أعاتك قد طلقت في غير ريبة   وروجعت للأمر الذي هو كائن

كذلك أمر الله غاد ورائح   على الناس فيه ألفة وتباين

وما زال قلبي للتفرق طائرًا   وقلبي لما قد قرب الله ساكن

فإنك مما زين الله وجهه   وليس لوجه زانه الله شائن

فشارك عبدالله بن أبي بكرٍ رضي الله عنهما غزوة الطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأصيب بسهم خلال الغزوة مما أدى إلى استشهاده في المدينة.

وبعد موته، قيل أن زيد بن الخطاب تقدم لخطبتها، ولكن هناك ممن يقولون أنها لم تتزوج زيد.

وكان عبدالله بن أبي بكر قد خصص لها جزءًا من ماله لها كي لا تتزوج بعد وفاته. فقالت بعد موته معبرة عن حزنها ترثيه:

رزئت بخير الناس بعد نبيهم   وبعد أبي بكر وما كان قصرًا

فآليت لا تنفك عيني حزينة   عليك، ولا ينفك جلدي أغبرًا

فلله عينا من رأي مثله فتىً   أكر وأحمى في الهياج وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها   إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرًا

فأرسل إليها عمر بن الخطاب يعرض عليها الزواج، وقد سمع بالمال الذي خصصه لها عبدالله، وأنها قررت ألا تتزوج بعده، فقال لها عمر: قد حرمت ما أحل الله، فردي إلى أهله ماله. فوافقت وتزوجها عمر بن الخطاب بشرط أن لا يضربها، وألا يمنعها من الخروج للمسجد، ولذلك كان لا يمنعها وهي لا تمتنع إلا أن يصرح وهو لا يصرح، وعند استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عبرت عاتكة عن حزنها بقولها:

عين جودي بعبرة ونحيب   لا تملي على الجواد النجيب

فجعتني المنون بالفارس المع   لم بوم الهيام والتثويب

قل لأهل الضراء والبؤس موتوا   قد سقته المنون كأس شعوب 

تقدم الزبير بن العوام رضي الله عنه لخطبتها، فاشترطت عليه نفس ما اشترطت على عمر رضي الله عنهم، فوافق، ولما تزوجها وضع لها حيلة ليضمن عدم خروجها إلى المسجد، وفي أحد الأيام عندما مرت من أمامه ضربها بيده على عجيزتها. فلما رجعت إلى البيت حزينة، قالت:*إنا لله وإنا إليه راجعون، فسد الناس وإنما هو زوجها*. ولم تعد تخرج إلى المسجد بعد ذلك الحادث.

ولما استشهاد الزبير بن العوام في معركة الجمل، قالت ترثيه:

غدر بن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد

يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشًا وعش الجنان لا اليد

كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا بن فقع القردد

ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله فيما مضى ممن يروح ويغتدي

والله ربك إن قتلت لمسلمًا حلت عليك عقوبة المتعمد

فيقال خطبها بعده علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فقالت يا بن عم رسول الله إني لأضن بك عن القتل.

ثم قيل أنه تزوجها الحسن بن علي رضي الله عنه ومات عنها وكان آخر أزواجها.

فكان أهل المدينة يقولون:*من أراد الشهادة، فليتزوج عاتكة* وذلك لأن جميع من تزوجها قُتل شهيدًا: عبدالله بن أبي بكر، زيد -على أحد الأقوال-، عمر بن الخطاب، والزبير بن العوام. رحمهم الله جميعًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply