صلاة العيدين


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

يوجد في الإسلام عيدان، ومعنى كلمة عيد هو كل يومٍ فيه جمعٌ عام معتاد بالسنة أو بعود شهرٍ أو أسبوعٍ أو نحو ذلك، وتميز المسلمين بأعياد خاصة بهم وهما عيد الفطرِ: وهو أول يومٍ من شوال، والثاني هو عيد الأضحى: وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، ولا يوجد للمسلم عيد غير هذان العيدان إلا يوم الجمعة.

وفعن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "قدْ أبْدَلكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما؛ يومَ الفِطرِ والأضحى"رواه أبو داود (1134)، والنسائي (3/179)، وأحمد (3/250) (13647) وصحَّحه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) (1134).

وهذه الأعياد هي من شعائر الله التي تختص بها أمة الأسلام دون غيرها ولذلك يجب إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها وكل الأعياد الباقية محرمة كعيد رأس السنة وعيد الشجرة وعيد الميلاد والأم وغيرها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أبدلكم الله تعالى خيرًا منها": يقصد اتركوا ما دون ذلك؛ فهما خير لكم من شعائر الجاهلية، وهذا كأنه نهي عن الاحتفال بالأعياد الجاهلية، وتوجيه للمسلمين إلى شعائر الإسلام.

قال ابنُ حزم: (صلاة العيدين: هما عيد الفِطر من رمضان، وهو: أوَّل يومٍ من شوال، ويوم الأضحى: وهو اليوم العاشرُ من ذي الحجَّة، ليس للمسلمين عيد غيرهما، إلَّا يوم الجمعة. وثلاثة أيام بعد يوم الأضحى; لأنَّ الله تعالى لم يجعل لهم عيدًا غير ما ذَكرْنا، ولا رسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ولا خلافَ بين أهل الإسلام في ذلك، ولا يَحرُم العمل، ولا البيع في شيءٍ من هذه الأيَّام: لأنَّ الله تعالى لم يمنع من ذلك، ولا رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا خلافَ أيضًا بين أهل الإسلامِ في هذا) (المحلى) (5/81).

وهي مشروعة بالإجماع بينما قد اختلف أهل العلم في حُكمها على ثلاثة أقوال:

أولها: أنها واجبةٌ على الأعيان، وهذا مذهب الحنفية وقال به ابنُ حبيبٍ من المالِكيَّة في (مواهب الجليل) للحطَّاب (2/568). واختاره ابنُ تيميَّة: (ولهذا رجَّحنا أنَّ صلاةَ العيد واجبةٌ على الأعيان، كقول أبي حنيفة وغيرِه، وهو أحد أقوال الشافعي، وأحد القولين في مذهب أحمد) (مجموع الفتاوى) (23/161، 162). وابن القيم والصنعاني والشوكاني وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله جميعًا.

قال الشيخ ابن عثيمين: (الذي أرى أن صلاة العيد فرض عين، وأنه لا يجوز للرجال أن يَدَعوها، بل عليهم حضورها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها بل أمر النساء العواتق وذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيّض أن يخرجن إلى صلاة العيد ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها). مجموع الفتاوى (16/214).

وقال الشيخ ابن باز: (وهذا القول أظهر في الأدلة، وأقرب إلى الصواب). مجموع الفتاوى (13/7).

ثانيها: أنها سنة مؤكدة وهو مذهب المالكية: (الكافي) لابن عبد البَرِّ (1/263)، و(حاشية العدوي على كفاية الطالب الربَّاني) (1/388). والشافعية: (المجموع) للنووي (5/2)، و(مغني المحتاج) للشربيني (1/310). وقول للحنفية: (مجمع الأنهر) لشيخي زاده (1/172). وهو قولُ عامَّة أهلِ العِلمِ من السَّلفِ والخَلفِ.

قال في (حاشية الصَّاوي على الشَّرح الصغير)-المالكي-: (صلاة العيديْنِ): أيْ عيد الفِطْرِ وعيد الأضحى، (سُنَّة مؤكَّدة) تلي الوتْرَ في التَّأكيد، وليسَ أحدُهُما أوكَدَ من الآخَر (في حقِّ مأمور الجُمُعة) وهو الذَّكَر البالغُ الحرُّ المقيم ببلد الجُمُعة أو النَّائي على كفرسخ منه، لا لصبيٍّ وامرأةٍ وعبدٍ ومسافرٍ لَم ينوِ إقامةً تقطَعُ حكمَ السفر. وقال النووي –الشافعي- في (الروضة): (هي سُنَّة على الصَّحيح المنصوص، وعلى الثَّاني فرضُ كفاية، فإنِ اتَّفق أهلُ بلدٍ على تَرْكِها قُوتِلوا إن قُلْنا فرض كفاية، وإن قُلْنا سنَّة لم يُقاتلوا على الأصحّ) انتهى.

ثالث الأقوال: أنها صلاة فرض كفاية، وهو مذهب الحنابلة: (الإقناع) للحجاوي (1/ 199)، ويُنظر: (المغني) لابن قدامة (2/272). وقول عند الحنفية: (البناية) للعيني (3/95)، (بدائع الصنائع) للكاساني (1/275). وقول للمالكية: (حاشية الصاوي على الشرح الصغير) (1/523)، (حاشية الدسوقي) (1/396). وقول عند الشافعية: (تحفة المحتاج) للهيتمي (3/39)، (مغني المحتاج) للشربيني (1/310). وعلى ذلك قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (صلاةُ العيدين: الفطر والأضحى، كلٌّ منهما فرضُ كفاية، وقال بعضُ أهل العلم: إنَّهما فرضُ عينٍ كالجمعة؛ فلا ينبغي للمؤمن تركها) (فتاوى اللَّجنة الدَّائمة- المجموعة الأولى) (8/284).

واحتجوا أنها فرض كفاية على حديث طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ نجدٍ، ثائر الرأس، نَسمَع دويَّ صوته ولا نَفْقَهُ ما يقولُ، حتى دنا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هو يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فقال: هل عليَّ غيرُهنَّ؟ قال: لا؛ إلَّا أنْ تطوَّع، وصيامُ شهرِ رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلَّا أن تطوَّع، وذكر له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الزكاةَ؛ فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تطوَّع، قال، فأدْبَر الرجلُ، وهو يقول: واللهِ لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ منه! فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أفْلَحَ إنْ صَدَق". رواه البخاري (2678)، ومسلم (11).

ففي قوله: "إلا أن تطوع"، استثناء من قوله لا، أي لا فرض عليك غيرها، ومن أنها لا يشرّع لها الأذان، فلم تجب على الأعيان كصلاة الجنازة، أيضًا لو أنها وجبت لوجبت خطبتها ووجب استماعها كالجمعة، وهي صلاة يتوالى فيها التكبير في القيام فكانت فرض كفاية كصلاة الجنازة.

وهو القول الراجح، ولأنها من أعلام الدين الظاهرة، فكانت واجبة كالجمعة، ولو لم تجب لما وجب قتال تاركيها، كسائر السنن، يحققه أن القتال عقوبة لا تتوجه إلى تارك مندوب، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء.

وقت صلاة العيد: وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، ولكن يسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، لما روّي عن النبي صلاة الله عليه وسلم كان يصلي صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح، وصلاة الفطر إذا ارتفعت قيد رمحين، ولأن الناس في عيد الفطر بحاجة إلى امتداد الوقت، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر، وأما عيد الأضحى فإن المشروع المبادرة بذبح الأضحية، وهذا لا يحصل إلا إذا قدمت الصلاة في أول الوقت.

وتكون في الصحراء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كبُر البلد فإنه ينبغي أن ينقل المصلى إلى الصحراء، وإذا لم ينقل فلا حرج، لأن كونها في الصحراء ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الاستحباب. والرسول كان يخرج إلى الصحراء في صلاة العيد مع أنه أخبر أن الصلاة في مسجده "خير من ألف صلاة" ومع ذلك يدع الصلاة في مسجده ليخرج إلى المصلى فيصلي فيه، وعلى هذا فالسنة أن يخرج الناس إلى الصحراء؛ لأجل أن يقيموا هذه الصلاة التي تعتبر شعيرة من شعائر الإسلام، إلا أن الحرمين منذ أزمنة طويلة، وصلاة العيد تصلى في نفس المسجد الحرام، وفي نفس المسجد النبوي، وقد جرى المسلمون على هذا منذ أمد بعيد.

وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن حكم إقامة الصلاة في المساجد فأجاب بأنها تكره إلا لعذر، لأن السنة إقامتها في الصحراء، ولولا أن الخروج أمر مقصود لما فعله، ولا كلف الناس الخروج إليه؛ ولأن الصلاة في المساجد يفوت إظهار هذه الشعيرة وإبرازها.

وسئل أيضًا ما الحكم لو لم يعمل الناس بالعيد إلا بعد زوال الشمس فأجاب رحمه الله بأنهم إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس فإنهم يفطرون في عيد الفطر ويخرجون إلى الصلاة من الغد.

ويسن الخروج للصلاة يكون ماشيًا إلا إذا كان يحتاج إلى الركوب فلا بأس أن يركب. ولا تشرع في حق المسافر كما الجمعة، لكن إذا كان المسافر في البلد الذي تقام فيه صلاة العيد فإنه يؤمر بالصلاة مع المسلمين.

من السنن أيضًا الذهاب من طريق والرجوع من طريق آخر، سئل ابن عثيمين رحمه الله عن الحكمة من ذلك فأجاب أنها بدايةً إقتداءً بنبينا صلى الله عليه وسلم، ومن الحكم أيضًا إظهار الشعائر في جميع أسواق البلد، أيضًا لما فيه من تفقد لأهل السوسق من الفقراء وغيرهم، وقالوا من الحكم أيضًا أن الطريقين تشهدان له يوم القيامة.

وما يفعله الناس من المعانقة أو التعانق والرسائل بعد صلاة العيدين لا نعلم لها أصلًا وإن كان الناس قد تعارفوا عليها، وإلا تركها أولى، بينما كان السلف يهنئ بعضهم بعضًا: تقبل الله منا ومنك، فإذا قابله صافحه، وقال: تقبل الله منا ومنك وعيدك مبارك.

من السنن أيضًا التبكير إلى المصلى للمأموم دون الإمام والغسل والتنظف والتطيب، والأكل قبل الخروج في عيد الفطر وبعد الرجوع في عيد الأضحى من أضحيته إن كان له واحدة.

صفة صلاة العيد: قال عمر رضي الله عنه: "صلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان تمام غيرُ قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى". رواه النسائي (1420) وابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح النسائي.

وعن أبي سعيد قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة". رواه البخاري (956).

وكيفيتها فيكبر في الركعة الأولى سبعًا من غير تكبيرة الإحرام، ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الأعلى أو سورة ق. وفي الركعة الثانية يكبر خمسًا ويقرأ بسورة الغاشية أو بسورة القمر، فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بـ }هل أتاك حديث الغاشية{فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية.

 وبعد الصلاة يخطب الإمام خطبة يذكر فيها الناس ويعظهم، وينبغي أن يخص شيئًا من الخطبة إلى النساء يأمرهن بما ينبغي أن يقمن به، وينهاهن عن ما ينبغي أن يتجنبنه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. بذا قال ابن عثيمين رحمه الله وكذا فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء.

من أحكامها أن الصلاة قبل الخطبة، لحديث جابر بن عبدالله قال: "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ". رواه البخاري (958) ومسلم (885).

أما بالنسبة لتحية المسجد ولزومها فلو كانت صلاة العيد في المصلى فيجلس الحاضرون من غير تحية، أما إذا أقيمت في المسجد فلا يجلس حتى يؤدي تحية المسجد.

ولو فاتت صلاة العيد فهل على المسلم أن يقضيها فالصحيح أنها لا تقضى ومن فاتته سقطت عنه، وذلك بخلاف الجمعة التي إذا فاتت يصلي الظهر، بينما صلاة العيد هي صلاة اجتماع إن أدرك الإنسان فيها الاجتماع وإلا سقطت عنه. وهو قول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.

ونهاية فإذا صادف يوم العيد يوم الجمعة فالأفضل على من صلى صلاة العيد أن يصلي الجمعة؛ لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة والعيد، ولكنه رخّص للناس ممن حضر صلاة العيد أنه إن شاء صلى الجمعة ومن شاء صلى ظهرًا، فإذا صلى الجمعة مع الناس؛ كان أفضل حتى يحصل له فضل الجمعة، وسماع الخطبة، وإن صلى الظهر، ولم يصل الجمعة يوم العيد؛ لأنه قد صلى العيد؛ جاز ذلك على الصحيح، كما جاءت به السنة عن النبي أنه رخص لمن حضر العيد بترك الجمعة.

والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply