بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مسألة: دفع الجهات الخيرية بجزء من التبرعات، للشركات التسويقية في جمع التبرعات لها:
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... نود التكرم بالجواب عن حكم ما تأخذه الشركات التسويقية، من الجهات الخيرية، بحمع التبرعات لها.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..حياكم الله..
أولًا: لا يخفى أن التسويق وجمع التبرعات، صار اليوم علمًا متخصصًا، وفنًا مستقلًا، ذا أوصاف واسعة، له طرقه وأساليبه ومناهجه والمتخصصين فيه، مما لا تتمكن الجهات الخيرية القيام به وحدها، بل تحتاج إلى من يعينها في ذلك؛ فالحاجة إليه لا تقل عن الحاجة للعاملين على الزكاة، الذين جاء النص بإعطائهم جزء من الزكاة، وهو يقرب من القربات التي جاء فيها قوله عليه الصلاة والسلام: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"؛ فتعليم العلم، وقراءة القرآن مما يحفظ به الدين، وجمع التبرعات وسيلة لحفظ العلم، الذي هو وسيلة لحفظ الدين في أصله أو كماله، أو وسيلة لحفظ البدن، في ضرورياته، أو حاجياته، أو تحسينياته.
ثانيًا: إذا ثبتت الحاجة، وعجز الجهات الخيرية عن القيام بهذا العمل؛ لأنها غير متخصصة فيه، ولا تملك مقومات وأساليب جمع التبرعات؛ فلها حلتان:
الأولى: إما أن تقيم عقد إجارة، مع الشركات التسويقية للتسويق لها، بشرطين:
أ -كون الأعمال محددة واضحة، والأجرة كذلك، وهذا ربما يكون مناسبًا للشركة وللجهة الخيرية في الأعمال المعروفة، التي تدخل دخلًا ثابتًا؛ فتكون الأجرة محدد قدرها، والعمل محدد للشركة. ويحتمل جواز كون الأجرة بالنسبة بين الطرفين؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، ولهم شطر ثمرها"، صحيح البخاري (2331)، صحيح مسلم (1551)؛ فجعل لهم عليه الصلاة والسلام نسبة 50% من المنتج.
ب -كون الأجرة التي تأخذها الشركات التسويقية كأجرة المثل، أي مثل المعتاد، لا تكون فيه زيادة، ولا مبالغة في ذلك، وهذا يقرره ويقدره أهل الخبرة؛ ولهذا نص الفقهاء على أن أجرة العامل على الزكاة؛ كأجرة المثل؛ فبحسب العمل الذي تبذله الشركة التسويقية تكون أجرتها، فتختلف العقود بحسب ما يبذل فيها من عمل.
ثانيًا: كون الأعمال واسعة غير محددة؛ فتكون صيغ العقود بين الجهة الخيرية والشركة التسويقية على نسبة مما تحصله، والعقد هنا لا يكون عقد إجارة، بل عقد جعالة، وعقد الجعالة أوسع من عقد الإجارة؛ لأن الإجارة يشترط فيها تعيين:قدر العمل، وقدر الأجرة؛ فهذه تمضي على عقد الإجارة.
أما إذا لم تتمكن الجهتان المتعاقدتان من تحديد قدر العمل؛ لأن بعض الأعمال التسويقية واسعة غير محددة، لا تعلم طرفا البداية والنهاية فيه؛ فالأولى العدول بها عن الإجارة إلى الجعالة؛ لأن الجعالة تجوز مع جهالة العمل، وأجاز بعض الفقهاء كون الجعل جزء مشاعا محدد النسبة مما يحصل عليه العامل، وهذا اعتمادا على حديث ابن عمر السابق في معاملته عليه الصلاة والسلام أهل خيبر؛ فإذا جاز في الإجارة ففي الجعالة أولى، قال السيوطي رحمه الله في بيان ما افترقت فيه الإجارة عن الجعالة: *افترقا في أمرين: أحدهما: تعيين العامل في الإجارة، دون الجعالة، والآخر: العلم بمقدار العمل معتبر في الإجارة دون الجعالة *الأشباه والنظائر.
ولكن يجب ألا يكون مطلقا بأي نسبة، بل يكون بنسبة إلى حد معين يُرعى فيه قدر العمل، ولا تأخذ الشركة أكثر من هذا الحد مهما زاد المبلغ؛ فمثلا يتفق مع الشركة أن لها 10% من أصل المبالغ المتحصلة، حتى 500 ألف، وما زاد فيبقى دون زيادة أو تكون نسبة تناقصية كل مائة ألف ينقص 2% ؛ لأن عمل الشركة التسويقية، لا يزيد بزيادة هذه المبالغ؛ فالعمل واحد بالنسبة للشركة.
ثالثًا: المال المدفوع للشركة التسويقية، هل يؤخذ من المبلغ المتحصل من المتبرع؟
هذا فيه نظر؛ فقد يؤخذ من المبلغ المتحصل، إذا أطلق المتبرع تبرعه ولم يقيده بجهة بعينها؛ فإن أطلاقه للتبرع يشمل الوسيط للجهة الخيرية الذي تسبب بإيصال هذا المبلغ للعمل الخيري.
وقد تدفعه الجهة الخيرية من أعمالها الإدارية، لا من المبالغ المتحصلة، إذا قيد المتبرع التبرع لمسجد، أو كفالة يتيم، أو سقي الماء؛ لأن دفعه للشركة التسويقية يخالف شرط المتبرع.
ويحتمل جواز أخذه من المتبرع، حتى حال تقييد المتبرع تبرعه؛ لأن ما يأخذه الوسيط داخل في التبرع ذاته.
يدل لذلك: أن الله فرض سهما للعاملين على تحصيل الزكاة، بقوله تعالى:}والعاملين عليها{.
وهذا أصل في أمرين:
- جواز أخذ أجرة لما يتم تحصيله للأعمال الخيرية؛ لأنه لما جاز في الزكاة، وهي من الفرائض ويدفع جزء من هذه الفريضة للعامل، مقابل عمله، ويكون داخلا في الزكاة المدفوعة؛ فيجوز دفع ذلك في صدقة التطوع، بل هي أولى؛ لأن التطوعات أوسع من الفرائض كما هي القاعدة في العبادات...
- أن المتبرع الذي يذهب بعض ماله للشركة التسويقية، يكون داخلًا في التبرع للجهة الخاصة التي تبرع لها من بناء مسجد، أو حفر بئر، أو كفالة يتيم... إلخ؛ لأن هذا مما لا تتم الصدقة إلا به؛ فيأخذ حكم الصدقة ذاتها؛ لأن للوسائل أحكام المقاصد، كما أن من دفع للعامل زكاة ماله، يكون زكى زكاة صحيحة، مع أن أصل الزكاة لسد حاجة الفقير، لكن لما كانت الزكاة لا تصل للفقير إلا بجهد العامل عليها، صارت أجرة العامل جزء من الزكاة؛ لأنه لولا دفع هذا الجزء من الزكاة، لما وصل للفقير المال. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد