الحفظ النموذجي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

عِلم النمذَجة.

قبل أن ندخلَ في طريقة الحفظِ النموذجي. من المهم أن نتعرفَ على ما يُسمى بعلم النمذجة. وهو علمٌ يقومُ على مُراقبة مجموعةٍ من الأشخاصِ المميزين في مجالهم، (حفظُ القرآن مثلًا) بغرض معرفةِ كيفَ يؤدونَ ذلك العمل بتلك الطريقةِ المميزة.

فيتمُ مراقبتُهم وتحليلُ تصرفاتِهم من كُلِّ الجهاتِ الممكنة، كالناحية النفسيةِ والعقليةِ وآلياتِ أداءِ المهارةِ. وذلك من أجلِ تصميمِ نموذجٍ مثاليٍ للمهارات والإجراءاتِ والسلوكياتِ والأعمالِ المشتركةِ بينهم. لكي يحتذِي بهذا النموذجِ المصمَّمِ ويسيرُ على مِنواله من أرادَ الوصولَ لنفس النتيجةِ من المتدربينَ الجدد.

إنها القاعدة التي تحدثنا عنها سابقًا: ما هو مُمكنٌ لغيرك مُمكنٌ لك إذا بذلت نفس الأسباب. فعلمُ النمذَجةِ يحاولُ معرفةَ هذه الأسبابِ من خلال تصميمِ نموذجٍ مثاليٍّ تتجسَّدُ فيه كلُّ المهاراتِ والإجراءاتِ والأعمالِ اللازمةِ للوصول إلى نفس النتيجةِ.

وفيما يتعلقُ بالحفظ النموذجي فقد قامَ الدكتور يحيى الغوثاني وفقه الله وهو مدربٌ متمكنٌ في علم النمذَجة بدراسة ومراقبةِ مجموعةٍ مُتميزةٍ من الحفاظ، وحدَّدَ من خلال أدائِهم المهاراتِ والإجراءاتِ والأعمالِ المتعلقةِ بالحفظ. ثم صمَّمَ من خلال تلك المعلوماتِ التي جمعها عنهم، طريقةً نموذجيةً للحفظ، وكذلك صمَّمَ مواصفاتِ البيئةِ النموذجيةِ للحفظ، وكذلك بين كيف يُهيئُ الحافظُ نفسهُ للحفظ النموذجي، بما في ذلك تحديد العوامل المساعدة على تسهيل وتقويةِ الحفظ. بحيث يأخذُ بها الحافظُ الجديدُ فتجعلهُ أقربَ إلى الحفظ النموذجي، والذي يتميزُ بأنهُ أسهلُ جُهدًا، وأقوى تركيزًا، وأرسخُ حِفظًا. ثم طبقَ ذلك كله على مجموعةٍ من الحفاظ الجدد، فكانت النتائجُ مُشجعةً للغاية.

مع التنبيه الـمُهمِ على أن أيَّ مهارةٍ جديدةٍ أو طريقةٍ جديدةٍ تحتاجُ إلى فترٍة كافيةٍ من التطبيقِ والممارسةِ إلى أن يتعودَ الانسانُ عليها، وتصبحَ مألوفةً تمامًا له، ثمَّ بعدَ ذلك يبدأُ في الاستفادةِ الفعليةِ من هذه الطريقة. ولو ضربنا مثالًا بالكتابة على لوحة المفاتيح. فهناك طُرقٌ تقليديةٌ تستخدِمُ أصبعًا أو أصبعين ورغمَ أنَّ الكتابةَ بهذه الطريقةِ تؤدي الغرضَ لكنها بطيئةٌ ومُجهِدةٌ. والطريقةُ النموذجيةُ للكتابة على لوحة المفاتيح هي باستخدام الاصابعِ العشرة. وهي طريقةٌ سريعةٌ وفعَّالةٌ وسهلةٌ جدًا لمن تدرَّبَ عليها جيدًا حتى يُتقنها ويتعوَّدَ عليها ويألفها تمامًا. كما قال الأوائل: من ثبت نبت. ومن جدَّ وجد. ومن صبرَ ظفر. ومن سارَ على الدرب وصل.

وهكذا طريقةُ الحفظِ النموذجي التي سنوضحها في الدروس القادمةِ بإذن الله. فهي طريقةٌ سهلةٌ وفعالةٌ جدًا في الحفظ. لأنها تُجبرُ الحافظَ على أن يضلَّ مُنتبهًا مُركزًا طوالَ الوقتِ. وبذلك تتغلبُ هذه الطريقةُ على أكبر مُعوقاتِ الحفظِ لدى الكثيرين وهو التشتتُ وضعفُ التركيز. لكن هذه الطريقة (كما ذكرنا) لن تُصبحَ سهلةً وفعالةً ولن تُعطي النتائجَ المأمولة إلا بعد ممارستها وتطبيقها لفترةٍ كافيةٍ وإلى أن تتقنها وتتعوَّدَ عليها وتصبحَ مألوفةً تمامًا عندك. وذلك مثلما يفعلُ من يتعلَّمُ قيادةَ الدراجةِ أو السباحةِ أو أي طريقةٍ جديدة، فهو لن يستفيدَ منها حتى يتجاوزَ مرحلةَ التعلُّم ويألفها تمامًا إلى درجة الاتقان.

فالنصيحةُ المهمَّةُ هنا: هي الصبرُ على ممارسة هذه الطريقةِ الجديدةِ في الحفظ فترةً كافيةً من الزمن حتى تتعوَّدَ عليها وتألفها تمامًا.

تهيئةُ البيئةِ النموذجيةِ للحفظ:

حيث أن الحافظ سيبقى في مكانِ الحفظِ فتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ. فلا بدَّ أن تكونَ البيئةُ مُعينةٌ على راحة الحافظِ ليستمرَ على نشاطه وحيويتهِ وتركيزهِ فترةً طويلة، تمكنهُ من أداءِ مًهمتهِ على أكمل وجهٍ. وذلك بأنْ يكونَ المكانُ المُخصصُ للحفظ مكانًا هادئًا، خاليًا من أيِ مُشتتاتٍ بصريِةٍ أو سمعيةٍ أو نفسيةٍ. وأن يكونَ مكانًا مُريحًا للجسم والنفسِ، وأن يكونَ مكانًا جيدَ الإضاءةِ، جيدَ التهويةِ، وأن تكونَ درجةُ الحرارةِ مُناسبةً ومُعتدلة، وحبذا لو أمكنَ استخدامُ أجهزةِ تنقيةِ وترطيبِ الهواءِ إذا كانَ الجو متأثرًا بشيءٍ من مُلوثاتِ البيئة، كعوادِمِ الدُّخانِ ونحوها.

وهذه الاجهزة مُتوفرةٌ بكثرةٍ وثبتت فعاليتها. والدليلُ أنَّ من يخرجُون خارج البنيانِ حيثُ الأجواءُ الطبيعيةُ النقية، والهواءُ العليلُ، يؤكدونَ أن قُدرتهم على الحفظ والمراجعةِ تتضاعفُ مرتين أو ثلاثًا. بل إنَّ من يخرجون إلى فناء المنزلِ أو سطوحهِ في أوقات اعتدالِ الجو وصفائهِ يذكرونَ مثل ذلك. وهذا الأجهزةُ لها مُفعولٌ مُشابهٌ لذلك.

هذا ما يتعلق بالمكان. أما ما يتعلقُ بالزمان. فأنسبُ الأوقاتِ ما يُعينُ على جودةِ الحفظِ وترسيخه، كالأوقات الهادئةِ، والتي يكونُ الجو فيها صافيًا بدرجةٍ أكبر. وكذلك ما يكونُ بعد أوقات النومِ والراحة، وحينَ يكونُ الجسمُ قد أخذَ كفايتهُ من النومِ والراحةِ، وهضمَت المعِدةُ ما بها من طعامٍ.

وهكذا سنجدُ أنَّ أفضلَ الأوقاتِ هو وقتُ السَّحرِ وما قبلَ الفجرِ، وهو الثلثُ الأخيرُ من الليل. حيث بركةُ التنزلُ الإلهي، وحيثُ الهدوءُ والصفاء، وحيثُ ترتفعُ نسبةُ الأوزون وهو الاكسجين المُشبع، والذي يزيدُ من نشاط العقلِ وعطائهِ. ثم يأتي وقتُ ما بعد الفجرِ وأولُ النهارِ. فإن لم يتيسر شيءٌ من ذلك، فليكن بعد أن يأخذَ الجسمُ كفايتَهُ من النوم والراحةِ، وبعد هضمِ الطعام، لأن المعِدة الملآى تسببُ الخمولَ وضعفَ التركيز.

يقول الامام ابن الجوزي رحمه الله: *ينبغي لمن يريدُ الحفظَ أن يتشاغلَ به في وقتِ جمعِ الهمِّ (يعني حينما يكونُ تركيزهُ عاليًا)، ومتى رأى نفسهُ مشغولَ القلبِ ترك الحفظَ، ويحفظُ قدرَ ما يمكنهُ دون تكلُّفٍ، فإن القليلَ يثبُتُ والكثيرُ لا يحصُل. وقد مُدِحَ الحفظُ في السَّحَرِ لموضِعِ جمعِ الهمِّ، وفي أوقات البُكورِ وأولِ النهار، وفي هدوء الليلِ، ولا ينبغي أن يحفظَ على شاطئ نهرٍ، ولا بحضرةِ خُضرةٍ لئلا ينشغلَ قلبهُ ويتشتت*.

ومن الأمور المتعلقةِ ببيئةِ الحفظِ أن يُخِصصَ نُسخةً ثابتةً من القرآن يحفَظُ منها. ولا يُغيرَها. لأنَّ ممَّا يُساعدُ على رسوخ الآية في الذاكرة ربطُها بمكانِها في الصفحة. فإذا تغيرت النُسخةُ تغيرَ مكانُ الآية فربما تشوشت الذاكرةُ بذلك. ولذلك نوصي بأن يثبُتَ الحافظ على نُسخةٍ واحدةٍ من القرآن حتى يختمَ بإذن الله.

إذن فلا بدَّ أن يكونَ المكانُ المخصصُ للحفظ مكانًا هادئًا، خاليًا من عوامِلِ التَّشتُتِ. وأنَّ يكونَ مكانًا مُريحًا للجسم والنفسِ، وأنَّ يكونَ مكانًا جيدَ الإضاءةِ، جيدَ التهويةِ، وأن تكونَ درجةُ الحرارةِ مُناسبةً. وأنَّ يختارَ وقتًا مُناسبًا للحفظـ، وأنَّ يكونَ الجسمُ قد أخذَ كفايتَهُ من النوم والراحةِ وهضمِ الطعامِ. وأنَّ يختارَ نُسخةً ثابتةً من القرآن الكريمِ يحفظُ منها. ثمَّ ليثبُت على هذه الاختياراتِ قدرَ الإمكانِ. فلا يُغيرَ المكانَ ولا الزمانَ ولا النُّسخةَ. فلِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا. إلا إذا كانَ مُضطرا مُكرها. ِ

التهيئة النفسيةُ للحفظ:

وبعد أن هيئنا بيئةً نموذجيةً للحفظ. آن الأوانُ لمعرفة كيفَ نُهيئُ أنفسنا للحفظ. كيف نهيئُ عقولنا وقلوبنا وأجسادنا لجلسة الحفظِ. وذلك على النحو التالي:

أولًا: الاهتمامُ بنظافة البدنِ وطهارتهِ ورائحتهِ. ويمكنُ استشعارَ أهميةِ ذلك إذا عقدنا مُقارنةُ بين شخصينِ يذهبانِ لخُطبة وصلاةِ الجمعة، في نفس الوقتِ ونفسِ المسجدِ. إلا أنَّ أحدهما اغتسلَ وتطهرَ، ولبسَ ثيابًا نظيفةً وتَطيبَ وتجمَّلَ، والآخر لم يفعل من ذلك شيئًا. فأيهُما الذي سيفهمُ ويستوعِبُ ويستفيدُ أكثرَ من دروس الخطبة. لا شكَّ أن الذي تهيئ بدنيًا وتجمّلَ وتعطَّر هو الذي سيستفيدُ أكثر. ولا شكَّ أن اللائقَ بمن يجلسُ بين يدي القرآن الكريمِ أن يكونَ في أفضلِ هيئةٍ ممكنة.

وثانيًا: الجلوسُ الصحيح. وذلك بأن يجلسَ الحافظُ جلسةً صِحيَّةً. وهي الجلسةُ التي يشعرُ الجالسُ فيها بالجدِّية وعدمِ التهاونِ. ويكونُ فيها الظهرَ والرقبةَ والرأسَ كُلها عمودِيةً مُستقيمة. وهذا الأمر مُهمٌ جدًا لأنَّ الجلسةَ المائلةَ والقريبةَ من الاضطجاعِ تُوحي للعقل بعدم الجديةِ وتُسببُ التراخيَ والكسل، وضعفَ التركيزِ وتجلِبُ النومَ. نعم قد يُسمحُ بشيءٍ من ذلك في المراجعة المتقدمةِ، أما الحفظُ الجديدُ والمراجعاتُ الأولى فلا بدَّ فيها من الجدِّية والجلوس جلسةً صِحيّةً مُعتدلة.

وثالثًا: تحديدُ الهدفِ من الجلسة بدقةٍ. فلذلك فوائدُ عديدةٌ منها:

- يهيئُ النفسَ والعقلَ لبذل الجُهدِ اللازم، حتى إكمالِ المُهمَّةِ.

- يرفعُ مُستوى الجديةِ والتركيز، ويقضي على الحيرةِ والتردُّدِ (من أين أبدأ، وما الذي سأفعلهُ الآن).

- يُعطي شُعورًا إيجابيًا مُحفزًا، حين يرى الانسانُ نفسهُ وهو يتقدمُ بثباتٍ لإكمال مهمته.

إذن فلا بدَّ من تحديد الهدفِ من جلسة التحفيظِ بدقةٍ، فعلى سبيل المثالِ:

سأحفظُ في هذه الجلسةِ نصفَ صفحةٍ حفظًا جديدًا، وسأراجعُ عشرَ صفحاتٍ مما حفظتهُ سابقًا.

ورابعًا: التنفسُ العميق: فلكي يعملَ الدماغُ بكفاءةٍ عاليةٍ فهو يحتاجُ إلى أمرين اساسين، السكرُ الأُحادي، والاُكسجين. والغالبيةُ من الناس يعانون من زيادة الأولِ ونقصِ الثاني. أي من زيادة السكرِ الأُحادي، ونقصِ الاُكسجين الواصِل للدماغ. وللحصول على حفظٍ نموذجيٍ فينبغي أن نُقلَّلَ من السكرُ والنشويات، وأن نزيدَ من استنشاق الاُكسجين وذلك عن طريق التنفسِ العميقِ.

والتنفسُ العميقُ: هو أن تسحبَ عن طريق الأنف كميةً كبيرةً من الهواء تجعلهُ يصِلُ إلى أسفل الرئتينِ، وتجعلُ الصدرَ يرتفعُ بوضوحٍ. ثم اكتمَ النفسَ لبضع ثوانٍ، وعندما تطلقُ الزفيرَ حاول أن تُخرجَ أكبرَ كميةٍ منهُ لكي تُفسِحَ أكبرَ مجالٍ للهواء الجديد (النقيِ). ولهذا التنفُسِ العميقِ فوائدُ عديدةٌ، فهو يمنحُ الدماغَ ما يحتاجهُ من الاُكسجين. ويضاعفُ القدرةَ على الحفظ والتَّذكرِ، ويزيدُ من طاقة الجسمِ ونشاطهِ وحيويتهِ. يقولُ الدكتور يحيى الغوثاني مُتحدثًا عن مردود التنفسِ العميقِ على الحفظ: *ستلاحظون من خلال التجربةِ كيف سيتضاعفُ حِفظكم للقرآن على الأقل ثلاثَ مراتٍ*.

وخامسًا: تجديدُ الإخلاصِ للهِ تبارك وتعالى، فهو شرطُ القبولِ. وكذلك تكرارُ الاستعانةُ به جلَّ وعلا على إنجاز الحفظِ وتثبيتهِ، وذلك بأن يدعو المسلمُ بخشوعٍ وتضرعٍ والحاح: اللهم أعني ووفقني ويسِّر لي حفظَ كتابك. ويكرِّرُ ذلك باستمرار. فإذا كان المسلمُ يستعينُ بالله جل وعلا في كلِّ ركعةٍ يُصليها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فمن باب أولى أن يستعين به تبارك وتعالى على حفظ كتابهِ الكريمِ.

وسادسًا: أن يظلَ الحافظُ في حالةٍ نفسيةٍ جيدة، ومعنوياتٍ مُرتفِعة، وأن يَشعُرَ بالراحة والرضا تجاه نفسهِ وما يقومُ به. وذلك بالمحافظة على أوراده من الأذكار، خُصوصًا أذكارَ الصباحِ والمساءِ، كما يُمكنُه أن يُحدِّثَ نفسهُ ويُرسِل لها رسائلَ إيجابيةٍ مُشجِعة، ترفعُ معنوياتها، وتُحفِزُها على أداء مُهمتها، وإتمامِها على أحسن وجهٍ، وقد وُجِدَ لذلك أثرٌ إيجابي ملموسٌ. فالشاعِرُ يقولُ: والنفسُ راغبةٌ إذا رغبتها. وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ. فعلى سبيل المثالِ يمكن أن يُذكرَ نفسهُ بقول اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. أو بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "استعن بالله ولا تعجز".

أو يقولُ لنفسه: العملُ الجادُّ إن لم يوصلني للقمة فسيُقربُني منها كثيرًا.

أو يقولُ: يا نفسُ واصلي. فلكُلِّ مجتهدٍ نصيب، ومن ثبت نبت، ومن صبر ظفر، ومن جَدَّ وجد، ومن سارَ على الدَّربِ وصل.

أو يقولُ: أنا قادرٌ بحول اللهِ وفضلهِ، أن أضعَ نفسي في المكان اللائقِ بها.

لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى   ..    فما انقادت الآمال إلا لصابر

بقدر الكدِّ تكتسب المعالي         ..    ومن طلب العُلا سهر الليالي

ومن رامَ العُلا من غيرِ كَدٍّ          ..    أضاع العمر في طلب المـحالِ

ومن تكن العلياء همة نفسه        ..     فكل الذي يلقاه فيها محببُ

ونحو ذلك من العبارات المحفزة المشجعة.

طريقةُ الحفظِ النَّموذجي:

وبعد أن هيئنا بيئةً نموذجيةً للحفظ، وهيئنا أنفسنا للحفظ النموذجي. لم يبقَ إلا أن نتعلَّمَ طريقةَ الحفظِ النموذجي:

فتخيل أنك الآنَ في مكانك النَّموذجي الذي خصصتهُ للحفظ. وأنك قد تهيئتَ بدنيًا لجلسة الحفظِ، فاغتسلتَ وتطهرتَ وتطيبتَ وتجمَّلت. وجلستَ جلسةً صحيَّةً جادة. ثمَّ تنفستَ تنفسًا عميقًا عدةَ مراتٍ. ثمَّ توجهتَ إلى ربكَ تُجدِّدُ لهُ نيةَ الإخلاصِ وتسألهُ جلَّ وعلا العونَ والتوفيقَ والقبول. ثمَّ شجعتَ نفسك بشيءٍ من الرسائل الإيجابيةٍ المُحفزةٍ.

فلنفترض الآن أنك تُريدُ أن تحفظَ الصفحةَ الأولى من سورة الملكِ مثلًا. افتح مُصحفكَ الذي خصصتهُ للحفظ، على أول سورةِ الملك.

انتَ الآنَ تنظرُ إلى أول مقطعٍ من الآية الأولى. {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}. انظر فقط لهذا المقطعِ في المُصحف. انظر نظرةً تصويريةً مُركزة. كأنكَ تريدُ تصويرَ هذا المقطع، كأنك تريدُ طباعتهُ ورسمهُ في داخل عقلك. وفي أثناء هذه النظرةِ التصويريةِ المركزةِ. تنفس تنفُسًا عميقًا كما شرحناهُ سابقًا. ثم أقرأ المقطعَ بصوتٍ واضحٍ مسموع. اقرأهُ مرتينِ أو ثلاثًا. وفي كُلِّ مرةٍ حاول أن تُغيرَ من سُرعةِ وطريقةِ قراءتِك. ثم أغمض عينيكَ جيدًا. واقرأ المقطعَ من حِفظِك. كرِّر قراءتهُ وانتَ مُغمضُ العينين حتى تشعُرَ بتمكُنِك مِنهُ تمامًا. ثمَّ افتح عينيكَ وانتقل للمقطع التَّالي من الآية: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وافعل به ما فعلتهُ بالمقطع الأولِ. النظرةُ المركزةُ. النفسُ العميق. القراءةُ المسموعةُ مرتينِ أو ثلاث. اغماضُ العينين. قراءةُ المقطعِ من الذاكرةِ عِدةَ مراتٍ. ثمَّ وقبلَ أن تفتحَ عينيك، اقرأ المقطعينِ سويًا (الآية كاملة) عدةَ مرات.

ثم انتقل للآية الثانيةِ: وافعل معها ما فعلتهُ مع الآية الأولى. جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ، بحيثُ لا يتجاوزُ كلَّ مقطعٍ خمسَ كلماتٍ. ثم افعل مع كلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأول. ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا). حتى تكتملَ الآية. ثم اربط الآية الثانيةَ بالآية الأولى غيبًا وانت مُغمضُ العينين.

ثم انتقل للآية الثالثة. جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ. وافعل مع كُلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأولِ. ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا). حتى تكتملَ الآية الثالثة. ثم اربطها بالآيتين السابقتين أي بالآية الثانية والأولى. تقرأها كُلها غيبًا وانت مُغمضُ العينينِ.

ثم الآية الرابعة كذلك. جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ. وافعل مع كلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأولِ. ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا). حتى تكتملَ الآية الرابعة. ثم اربطها بالآيتين السابقتينِ لها. أي بالآية الثالثةِ والثانية، تقرأها كُلَّها غيبًا وانت مُغمضُ العينين.

وهكذا تستمرُ إلى نهاية الصفحةِ أو المقدارِ الذي حدَّدتهُ. تُجزءُ كُلَّ آية حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ. وتفعلُ مع كلِّ مقطعٍ ما فعلتهُ في المقطع الأولِ. ثم تربطُ كُلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا). حتى تكتملَ الآيةُ. ثم تربطها بالآيتين السابقتينِ لها. تقرأُ الآيات الثلاثِ غيبًا وانت مُغمضُ العينينِ.

فلو فرضنا أنَّ آخر آية في المقدارِ الذي حدَّدتهُ هي الآية العاشرةُ مثلًا. فإنك بعدَ أنْ تحفظَها بنفس الطريقةِ، تربِطها بالآيتين السابقتينِ لها أي بالآية التاسعةِ والثامنة. تقرأُ الآيات الثلاثِ غيبًا وانتَ مُغمضُ العينينِ.

فإذا انتهيتَ من حفظِ كاملِ المقدارِ المُحدَّدِ. فاعد تلاوة كاملِ المقدارِ غيبًا وانتَ مُغمضُ العينينِ. ما لا يقلُ عن عشرَ مراتٍ.

وهناك طريقةٌ جميلةٌ وفعالةٌ تُساعدُ على ربط الآيات ببعضِها أثناء الحفظِ الجديد، وعندَ تثبيتِ الحفظِ الضعيفِ. وهي أن تُضيفَ لآخر الآية التي تَحفظُها، كلمةً أو كلمتينِ من بداية الآية التي بعدها، وكأنها جُزءٌ منها. مثال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ}.

وهذه الطريقةُ تُساعِدُ أيضًا في ربط الصفحاتِ ببعضِها وهي مُشكلةٌ يُعاني منها الكثيرُ من الحُفَّاظِ.

كما سنتعرفُ على المزيد من وسائِل الربطِ والتثبيتِ في الجزء الرابع والأخير بإذن الله.  فإلى اللقاء هناك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply