بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولًا: وسائلُ تسهيلِ الحفظِ:
هناك عدةُ وسائلِ وأساليبِ تُسهِّلُ عمليةَ الحفظِ قبل الدخولِ فيها عمليًا.
أولُ هذه الوسائلِ وأقربِها تناولًا وأكثرها تداولًا هو:
سماعُ مقاطعِ تلاوة القرآن الكريم عبر اليوتيوب. وهي كثيرةٌ جدًا. ومتنوعةٌ جدا ً.
خصوصًا بعد أن أصبحَ الإنترنت في متناول الجميع. فعلى الحافظ أن ينتقي من القُراء، القارئُ الذي يرتاحُ لصوته ولطريقةِ أدائهِ. ثم يُكرِّرُ سماعَ الدرسِ الجديدِ الذي سيحفظهُ غدًا عِدة مرات.
ولو تعودَ المسلمُ على أن ينامَ وصوتُ القرآن يصِلُ إلى مسامعهِ بكل هدوء فسيُسهِّلُ على نفسه كثيرًا، حفظَ درسهِ الجديد، وتثبيت القديم.
ومن الوسائل الفعَّالةِ جدًا التي تسهِّلُ عمليةَ الحفظِ قبلَ الدخولِ فيها عمليًا.
قراءةُ المقرَّرِ من مُصحفِ الجيب، أو مصحفِ الجوال عِدة مراتٍ، وعلى فتراتٍ مُتباعدةٍ طوالَ اليوم. فإن ذلك يجعلُ الآيات مألوفةً عندهُ تمامًا، فيسهلُ عليه حِفظُها فيما بعد. ويمكنُ للحافظ أن يفعلَ ذلك بكلِّ سهولةٍ، إذا تمكنَ من استغلالِ أوقاتِ فراغهِ في يومهِ وليلتهِ وما أكثرها.
ومن أشهر الوسائلِ لتسهيل عمليةِ الحفظِ، الاستفادةُ من تطبيقاتِ الجوالِ.
فهناك العشراتُ من تطبيقات الجوالاتِ الذكيةِ. الخاصةِ بتحفيظ القرآن الكريم، (تجدها في متجر التطبيقات)، وكُلٌّ منها يحوي العديدَ والعديدَ من الخصائص والمميزات، فمنها ما يُساعد على تصحيح القراءة وتجويدها، كتطبيق (أتلوها صح)، ومنها ما يُكررُ تلاوةَ المقطعِ المحدَّدِ، بالعدد المحددِ، وبصوت القارئ المفضلِ. ومنها ما يُساعدُ على الحفظ والتسميعِ، كتطبيق (تمكين)، وتطبيقِ (تسميع) وغيرها من التطبيقاتِ الرائعة. التي تحتوي على مُسمّعٍ إلكتروني، يقومُ بالاستماع للحافظ وينبههُ إن أخطأ. ومن التطبيقات ما يحتوي على جدولٍ خاصٍ لمتابعة الحفظ، وبإمكانه عملُ رسوماتٍ ومُنحنياتٍ بيانيةٍ تُبينُ مستوى الطالبِ ومدى تقدُمهِ. وغيرها من الخصائصِ والمميزات الرائعةِ التي تُعينُ الراغبَ على الحفظ والتسميع.
كما توجدُ تطبيقاتٌ خاصةٌ بالمتابعة اليوميةِ لكل ما يتعلقُ بنشاط الحافظِ، كتطبيق (رفيق)، الذي يُساعدُ الحافظَ على تسجيل كلِّ ما يتعلقُ بمعلومات حفظهِ ومراجعته، ثم تعطيهِ إحصائياتٍ ورسوماتٍ بيانيةٍ حولَ نسبةِ ما تمَّ حفظهُ، وما جرى نسيانهُ لعدم المراجعة، كما تحتوى على عدة مُنبهاتٍ للتذكير بآخر ما حُفظَ أو رُوجعَ، كما تحتوى على رسائلَ محفزةٍ، وأحاديثَ مُرغبةٍ ترفعُ الهمَّةَ وتُقوي العزيمةَ وتزيدُ الدَّافعيةَ.
كما أنَّ هناك مواقِعَ تفاعُليهٍ (أُن لاين)، على الانترنت، تابعةٍ لجمعيات تحفيظِ القرآنِ، بها فصولٌ افتراضيةٌ لتعليم التلاوةِ، وأُخرى للحفظ والمراجعة، وثالثةُ للتجويد والإقراء، وكلها تسيرُ وفقَ منهجٍ مُحدَّدٍ، وتمنحُ شهاداتٍ وإجازات.
والجميلُ أن هناك مقاطعَ وشروحاتٍ كثيرةٍ في اليوتيوب وعلى شبكة الانترنت، تشرحُ بالتفصيل خصائصَ تلك المواقعِ والتطبيقاتِ وطريقةَ تشغيلها. انصحُ كثيرًا بالتعرفِ عليها والاستفادةِ منها.
نسألُ الله تعالى أن يجزي كلَّ من ساهمَ في اعداد تلك المواقعِ والتطبيقات وشروحاتها خيرًا، وأن يبارك في جهودهم وينفع بها.
ثانيًا: وسائلُ تثبيتِ الحفظِ وتقويته:
وكما أنَّ هناكَ وسائلَ لتسهيل عميلةِ الحفظ، فهناك أيضًا وسائلَ وأساليبَ لتثبيتِ الحفظِ وتقويتهِ. حيثُ ذكرت بعضُ الاحصائياتِ أنَّ من الطبيعي أن ينسى الانسانُ ما لا يقلُ عن 95% مما يحفظهُ خلال اليومينِ التاليين فقط. هذا إذا لم يجتهد في تثبيتِ حفظِهِ وتقويتهِ. ولذا فإن من الزم ما يجبُ على الحافظ القيامُ به، أن يثبِّتَ حِفظهُ جيدًا. لكي لا يضيعَ جُهدَه سُدى. وقد وردَ في صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تَفَلُّتًا من الإبل في عُقلِها".
وهناك وسائلَ كثيرةٌ ومتنوعةٌ تُعينُ على تثبيت الحفظِ وزيادةِ رُسوخهِ بإذن الله.
أولها وأهمُّها: التكرار. فلا رسوخَ للحفظ إلا بالتكرار.
كرِّر العلم يا جميل المحيا. وتدبره فالمُكرَّرُ أحلا.
ولا بدَّ أن يكونَ التكرارُ كثيرًا. فما كُرِّرِ قرّ. وما هُجِرَ فرّ.
يقول الشيخ سعيد بن مسفر: أحضر ورقةً وقلمًا وخُطَّ فيها خطًا. ثم أعد الكتابةَ فوقهُ، ستلاحظُ أنه ازدادَ وضوحًا، أعد الكتابة فوقهُ مرةً ثالثة سيزدادُ وضوحًا، وكلَّما أعدت الكتابةَ فوقهُ ازدادَ وضوحًا بشكلٍ أكبر، حتى يمزقَ الورقةَ. وهكذا هو التكرار، يزداد معه الحفظُ ثباتًا كلما اكثرت، حتى ينقُشَ في الذاكرة أثرًا لا يزول.
ولقد توصَّلَ خُبراءُ الذاكرةِ إلى أنَّ أفضلَ طريقةٍ لتثبيتِ المحفوظِ الجديدِ ورسوخهِ جيدًا في الذاكرة طويلةِ المدى. هي أن يكونَ التكرارُ على فتراتٍ زمنيةٍ مُتباعدةٍ، تبدأُ قريبةً من بعضِها ثمَّ تتباعدُ أكثرَ فأكثر. وعلى هذا فينبغي أن تكونَ المراجعةُ الأولى بعد حفظِ الدرسِ مُباشرةً، وأن لا يقلَ التِّكرارُ فيها عن عشرِ مراتٍ مُتتاليةٍ. ثم تكونُ المراجعةُ الثانيةُ بعدَ (ساعةٍ) من المراجعةِ الأولى، ويُكرِّرُ التسميعُ فيها خمسِ مراتٍ.
هاتين المراجعتين هما أهمُّ المراجعات التي تُساهم في ثباتٍ المحفوظِ ورسوخهِ بإذن الله. ثم تكونُ المراجعةُ الثالثةُ بعدَ عدة ساعاتٍ من المراجعةِ الثانيةِ. (ثلاثَ مراتٍ أو أكثر). ثم تكونُ المراجعةُ الرابعةُ قبل النومِ. مرةً أو مرتين.
ولا تستكثر التكرار: فهذا أبو بكر النيسابوري يقول: لا يحصلُ إتقانُ الدرسِ حتى يُعادَ خمسينَ مرةً . وبعضُ المشايخ المعروفينَ بثبات حفظهم كانوا يكررون الدرسَ الجديد إلى سبعينَ مرةً وإلى مائةِ مرةً. وقال أبو حامد: إذا درستم فارفعوا أصواتكم، فإنه أثبتُ للحفظ وأذهبُ للنوم.
وإذا وزَّعنا برنامج الحفظِ إلى ثلاثة أقسام: الدرسُ أو المقرر الجديد، والحزبُ الجديد، والأجزاءُ القديمة. فسيكون الدرسُ الجديد هو آخر ما تنشغلُ بحفظه.
وأما الحزبُ الجديد فهو آخر عشرةِ أوجهٍ تم حِفظها. ولأنه يتغيرُ باستمرار. فالدرسُ الجديدُ يحِلُ محلَ الوجهِ الأقدمِ من تلك العشرة.
ونعني بالأجزاء القديمةِ: ما حُفظَ قبل ذلك.
وهكذا فالدرسُ الجديد يُكررُ كما ذكرنا في يومه ما لا يقلُ عن عشرين مرةً متفرقة.
والحزبُ الجديد يراجعُ مرتين يوميًا. ويُفصلُ بين المراجعتين بما لا يقلُ عن ساعةً من الزمن فهذا أفضلُ من سردها متوالية. (يعني مرةً قبل القديم ومرةً بعده).
أما الأجزاءُ القديمة: فتراجعُ بمعدل جُزئين يوميًا. وكلَّ ما انتهت مراجعة الأجزاء كاملةً يعادَ من جديد.
وبذلك يكونُ مجموع الوردُ اليومي لا يقلُ عن ثلاثة أجزاءٍ يوميًا.
-ومن أعظم وسائلِ تثبيتِ الحفظ: فَهمُ الآيات المحفوظةِ، ومعرفةُ وجهِ ارتباط بعضِها ببعضٍ. ويمكنُ أن يستعينَ بالتفسير المُيسرِ ونحوه، وهو تفسيرٌ مُختصرٌ يهتمُ بشرح المعاني بصورةٍ مُوجزةٍ وربطِها بخواتيم الآيات فيسهُلُ حِفظُها ويزدادُ ثباتُها. مثال ذلك في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. جاء في تفسيرها: فتقبَّل مني; إنك أنت وحدك السميعُ لدعائي، العليمُ بنيتي.
وفي قوله تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}. جاء في تفسيرها: والله شكورٌ لأهل الإنفاق بحسن الجزاء على ما أنفقوا، حليمٌ لا يعجل بالعقوبة على مَن عصاه. وهكذا في أكثر المواضع.
-ومن وسائل تثبيت الحفظِ ورسوخه: الربط البصري والسمعي والحسي.
الربطُ البصري يُركزُ على تخيُّل شكلِ الآية في المصحف، وربطُ الآية بمكانها في الصفحة (أعلى اليمين، وسط يسار. الخ). كما يمكنُ استخدامُ الخطوطِ والألوانِ لزيادةِ تمييزِ نهآيات الآيات المتشابهة، ومناطقِ الحفظِ الضعيفةِ.
والربطُ السمعي يُركزُ على صوت بعضِ الكلماتِ والحروفِ المميزةِ، ذاتِ الصفيرِ والجرْسِ القوي. كالسين والصادِ والزاي. كما يمكنُ استخدامُ حروفِ الشينِ والضادِ والخاءِ والطاءِ وغيرها من الحروف المميزةِ للربط بين الآيات وتثبيتِ الحفظ.
اما الربطُ الحسي فيركزُ على تفسيرِ الآيات والربطِ بين معانيها، كما ذكرنا سابقًا.
ومن فضل اللهِ أنّ هناك العشراتُ من الشروحات ومقاطعِ اليوتيوب، كلٌّ منها يوضحُ بالأمثلة طُرقًا مُختلفةً للربط بين الآية ونهايتها، أو الربطِ بين الآية وما بعدها، أو للتمييز بين الآية وما يُشبهُها في المواضع الأخرى.
-ومن وسائل تثبيت الحفظِ ايضًا: ربطُ أولِ السورةِ بآخرها.
فبعد أن يُتِمَّ الحافظُ حِفظُ سورةٍ كاملةٍ. يُستحسنُ ألا ينتقلَ إلى حِفظِ غيرها إلا بعدَ أن يربطَ أولَ السورةِ المحفوظةِ بآخرها. وذلك بأن يُسمِّعَ السورةَ كاملةً عِدة مراتٍ. أو يسمَعُها من قارئه المفضلِ، عِدةَ مراتٍ مُتتالية. إلى أن يَجرِيَ لسانَه بها بسهولةٍ ويُسْر، وتصبحَ في ذهنه وِحدةً مُترابطةً مُتماسكة.
-ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ الرائعةِ والسهلةِ، خصوصًا لأصحاب النمطِ الحسى. استخدامُ السبورةِ البيضاءِ والأقلامِ الملونةِ لكتابةِ المحفوظِ بخط اليدِ، كما يُمكنُ تسجيلُ بعض الملاحظاتِ حولَ مواضعِ الخطأ في دفترٍ خاصٍ، ومراجعتهِ باستمرار. وميزةُ هذه الوسيلةِ أنها تُفعِّلُ جميعَ الحواسِ. وبذلك يَتعزَّزُ تثبيتُ المحفوظ بأكثر من وسيلةٍ في نفس الوقتِ. فالذي يكتبُ ينظرُ بعينه، ويحركُ يدهُ، وإذا رفعَ صوتهُ فقرأ ما يكتبُ، فَعَّلَ حاستي السمعِ والنُّطقِ.
-ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ: استخدامُ قلمِ الرصاصِ على هوامش المصحفِ وتحتَ أماكنَ الخطأِ والضعفِ. وتسجيلَ الملاحظاتِ حول ذلك. ثم محوها إذا تمَّ التأكدُ من جودة حِفظها. ولا حرجَ من فعل ذلك بنسخته الخاصةِ، فهو جائزٌ بإذن الله.
-ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ الفعَّالةِ جدًا. المداومةُ على قراءةِ الحفظِ الجديدِ في الصلوات المفروضةِ والنوافلِ. وليكن مُصحفُك معك أو بجوارك. لتتعرفَ على أخطاءِك وتصوِّبَها، وتوثِّقَها بقلم الرصاصِ على الهامش كما ذكرنا سابقًا.
نصائِحُ مهمَّةٍ:
في نهاية هذه السلسلة من المقالات، إليكم مجموعةً من النصائحِ المهمَّةِ. أؤكدُ فيها على أبرز النقاطِ التي ذكرتها سابقًا، وأنبهُ على أمورٍ هامَّةٍ لم أتطرق لها.
النصيحةُ 1: كُن جادًا ومثابرًا في سيرك نحو هدفِك وغايتك. وفي كلِّ يومٍ جدِّد نيتك، واشحذ همَّتك، وقوِّي عزيمتك، وشجِع نفسك. واستعن بالله ولا تعجز.
النصيحةُ 2: إذا ارتفعَ حماسُك للحفظ، فأكثر من المراجعةِ ولا تُكثر من الحفظ الجديد. فإن حفظَ وجهٍ واحدٍ أو نصفَ وجهٍ يوميًا. مع ثباتِ المحفوظِ ورُسوخِهِ جيدًا، خيرٌ وأفضلَ بكثير، من زيادةِ الحفظِ دونَ اعطاءِ المحفوظِ حقهُ من المراجعةِ والتثبيتِ. والأمرُ أشبهُ بمن يَرُصُ بِضَاعةً كثيرةً فوقَ سيارتهِ. لكنهُ يُهمِلُ ربطها. أو يربِطها ربطًا ضعيفًا. فما أن يسيرَ في طريقةِ قليلًا حتى تبدأ أغراضهُ بالتساقطِ واحدةً بعد الأخرى. فالحفظُ هو الرصُّ، والمراجعةُ هي التربيط.
العلم صيدٌ والتعَاهُد قيدهُ.. . قيِّد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيدَ غزالةً … من ثمَّ تتركها خلاءً طالقة
النصيحة 3: ليس هناك من لا يُعاني من كثرة الاشغال، فالكلُ مشغولٌ بطريقة ما، بما ذلك الحفَّاظ. إلا أنهم جعلوا القرآن أولويَّةً في حياتهم، يقدِمونه على كلِّ شيء، فإذا أردت أن تحفظَ القرآن، فاجعل القرآن أولويَّةً في حياتك. فرِّغ لهُ نفسك وعقلك وقلبك ووقتك وجُهدك. فالقرآن عزيز. لن يُعطيكَ بعضهُ، حتى تُعطيهِ كُلَّك.
النصيحةُ 4: إذا غُلبتَ على حفظِ الجديد، فإياك أن تُغلبَ على المُراجعة. حافظ على المُراجعة ولو كثرت اشغالُك. ولا تسمح لنفسك بترك المُراجعةِ أبدًا. فتركُها يؤدِي لتراكُم المطلوب، ثمَّ الشعورُ بالعجز والإحباطِ، ثمَّ التراخي والانقطاع، ثمَّ الاستسلام. ثمَّ الحُكمُ على النفس بعدم الاستطاعة.
فلا تسمح لنفسك بالتراخي وتركِ المُراجعة. بل استعن بالله وواصِل وجاهِد واستمر. واعلم أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ.
النصيحةُ 5: إذا أشكلَ عليك أمرٌ، أو واجهتك مُعضلةٌ في مسيرتِك القرآنية، فأسأل أهلَ الخبرةِ من الحفَّاظ الذين سبقوك، فستجدُ عندهم الجوابَ الشافي بإذن الله.
النصيحةُ 6: ابدأ بحفظ السورِ الأسهلِ، فكثيرٌ من الناس يستسهلونَ سورًا مُعينة، كسورة يوسف، والكهفِ وطه ومريم، وجزءُ عمَّ وتبارك. فلو بدأتَ حِفظك من السورِ التي تراها سهلةً، فسيكونُ في ذلك تشجيعٌ للنفس، وحافزٌ على الاستمرار والمُتابعة، بإذن الله تعالى وعونه.
النصيحةُ 7: بعد كلِّ نصفِ ساعةٍ من الحفظِ والمُراجعةِ المركَّزةِ. يُفضَّلُ أن تسترخي وترتاحَ لمدةِ خمسِ دقائق. فقد وجدَ العلماءُ أن قُدرةَ الدماغِ على التركيز والتَّذكرِ تتناقصُ وتقِلُّ تدريجيًا مع الوقت. هذا إذا لم يُأخذ الدماغُ راحةً قصيرةً، كل نصفِ ساعةٍ تقريبًا.
النصيحةُ 8: أكثر من شُرب الماءِ، خُصوصًا أثناء الحفظِ والمراجعةِ، فالماءُ يكوّنُ ما نسبتهُ (78 %) من مكونات الدماغ، وجاء في أحد الدراساتِ أنه كلَّما قلَّ الماءُ في الجسم كلما أصبحَ الدماغُ أكثرَ ضعفًا، وأقلَّ تركيزًا. وتوصي الدراسةُ بشرب ما لا يقِلُ عن عشر كاساتٍ من الماء يوميًا.
ومن تيسرَ له ماءُ زمزمَ فليكثر منه، فهو ماءٌ مباركٌ يساعدُ على الحفظ، جاء في الحديث الصحيح: "ماءُ زمزم لما شُربَ لهُ".
النصيحةُ 9: واظب على مُمارسة الرياضةِ المعتدلة، كالمشي السريعِ وتمارينِ اللياقة. ثلاثَ مراتٍ في الأسبوع، بمعدل (20-30) دقيقة في المرة الواحدة. فقد أكدت كثيرٌ من الدراسات أنَّ الأنشطةَ الرياضيةَ المُعتدلةَ هي أفضلُ طريقةٍ لزيادة قُدرات الدماغِ على التعلُّم، كما أنها تُجددُ النشاط، وتُنعشُ الذاكرةَ، وتقضي على الملل.
النصيحةُ 10: غذِّ عقلك جيدًا: فالتغذيةُ الجيدةُ هي التي (بإذن الله) تبني جِسمًا وعقلًا سليمًا. الغذاءُ الجيدُ يُعززُ قدرات العقل، ومنها التركيزُ والحفظُ والتذكر. والغذاءُ الجيد: هو الذي يوفرُ للدماغ ما يحتاجهُ من عناصرَ أساسيةٍ، كالأحماض الدهنية (المكسرات، السمك، أوميغا 3)، والأحماض الأمينية (البيض، الفول، الحليب)، والخضروات الورقية، والفيتامينات، خصوصًا (مجموعة فيتامين ب). مع التقليل من القهوة والمنبهات. والحذر من التُّخمة والبِطنةِ وتخليطِ الطعام. فالبطنةُ تُذهبُ الفِطنةَ. وما ملأ ابن آدمُ وعاءً شرًا من بطنه.
النصيحةُ 11: خُذ كِفايتَك من النوم، فالنومُ العميقُ المتواصِل، بمعدل 6 ساعاتٍ يوميًا، هو الذي يشحنُ العقل، ويُنشطُ الذِّهن ويقوي الذاكرة، ويُعززُ قُدرات الدماغ، ويسمحُ له أن يُرتِبَ معلوماته ويُعالجها. بعكس السهرِ والنومِ المتقطِّعِ فلهُ مردودٌ سلبيٌ سيءٌ على قُدرات الدماغ، ويضعف مُستوى التركيز والحفظ.
النصيحةُ 12: كُلما انتهيتَ من حفظِ خمسَةِ أجزاءٍ جديدةٍ، توقف عن الحفظ شهرًا أو شهرين. وركز فقط على تكثيف المُراجعةِ والتثبيت. حتى تصلَ إلى سردِ خمسةِ أجزاءٍ مُتواليةٍ في أقل من ساعةٍ ونصف. وبدون النظرِ للمصحف مُطلقًا.
النصيحةُ 13: عوِّد نفسكَ على استثمار الدقائقِ المُهدرة، فهو سرٌّ من أسرار الحفَّاظِ المهرةِ. بل هي عادةٌ من أقوى وأفضلِ عادات الناجحين. وللمتنبي بيتٌ جميلٌ حول موضوع التعود، يقول فيه: لكلِّ أمرئٍ من دهره ما تعودا. وعادةُ سيفِ الدولةِ الطعنُ في العدا. وقد حورته ليُلائِمَ موضوع النجاح:
لكل أمرئٍ من دهره ما تعودا. وهذا طريقٌ للنجاحِ تأكدا.
أيها الكرام: بقليلٍ من الوعي والانتباه، وشيء من الإرادةِ القويةِ والمجاهدة، سيتمكنُ الانسانُ من التعود على توظيف كثيرٍ من أوقاته المُهدرة، خِدمةً لتحقيق أهدافه.
فالإحصائياتُ تؤكدُ أنَّ المعدلَ اليوميَ للدقائقِ المُهدرةِ في حياة الفردِ العادي، تزيدُ عن المئةِ دقيقةٍ يوميًا. فإذا تمكن الحافظُ من استثمار بعض هذه الدقائقَ المُهدرةِ في الحفظ والمراجعة. فستبهرهُ النتائجُ بإذن الله.
النصيحةُ 14: تعاهد اخلاصكَ لله تعالى باستمرار، ولا تتوقف عن الدعاء والصدقةِ والاستغفارِ وغيرها من الطاعات، بنية أن يثبِّتك اللهُ تعالى على تعاهد القرآن حفظًا ومراجعةً وتدبرًا حتى تموت. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}.
النصيحةُ 15: لا تتحدث عن حفظك، ولا عن مِقدارِ مراجعتك لكلِّ أحدٍ، ولا تستعرض قُدراتِك ومهارتِك. فذلك أخلصُ لربك، وأسلمُ لعافيتك.
نسأل الله بفضله وكرمه أن يحفظنا وإياكم بحفظه. وأن يكلأنا برعايته.
اللهم يا رحيم يا رحمان. اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.
اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم. اللهم ارزقنا تلاوته وفهمه وحفظه وتدبره والعمل به على أحب الوجوه التي ترضيك عنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد