تمكين النبي ﷺ للشباب في عصره


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الشباب هم عماد الأمة، وسر نهضتها، وقد أولى الإسلام الاهتمام بالشباب، حيث ركز على تربيتهم وتوجيههم بشكل سليم. وذلك لأن الشباب أسرع الفئات العمرية في الاستجابة للحق والالتزام بالشرع ومحبة الدين، والتمسك بالنهج القويم.

ففي سورة الكهف خيرُ مثال لقصة شبابٍ مسلمين عاشوا في زمنٍ قديم، أبقى الله ذكرهم ليوم الدين بسبب حسن سيرتهم فقال: }إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى{(الكهف:13).

ففي بداية فترة الشباب يكونون في أوج نشاطهم وقوتهم وعنفوانهم، وهذا ما يظهره القرآن الكريم في قوله تعال: }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ{ (الروم:54).

وقال في الحديث: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:... وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ" (صحيح البخاري:6806).

ولطالما سمعنا المقولة التي تقول: *شباب اليوم هم قادة الغد*. هذه العبارة الشهيرة من نيلسون مانديلا تحث أفراد المجتمع على تبني وتفعيل وتمكين الشباب.

وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء ونظرنا في حياة نبينا ، سنجد أنه كان يولي اهتمامًا خاصًا للشباب. لم يكن يكتفي برؤيتهم فقط، بل كان يمنحهم الفرصة ليُسمعوا، ويُمكنهم ويُنير عقولهم. فكم من قادةٍ للجيش كانوا من الشباب!

الثقة والاستثمار في الشباب:

كان هناك شاب يدعى زيد بن ثابت رضي الله عنه، كان في الثالثة عشر من عمره عندما جاء للنبي يطلب منه الانضمام لمعركة بدر. ولكن النبي ، بفطنته وروئيته البعيدة، رأى في زيد رغبة عظيمة في العلم والتفرغ للدين، فطلب منه تعلم لغات العبرية والسريانية. وبعد فترة قصيرة، أصبح زيد من من كتّاب الوحي للنبي .

وفي معركة اليرموك، لاحظ النبي أن عددًا كبيرًا من حفظة القرآن قد استشهدوا. ولهذا السبب تم تكليف زيد بن ثابت في عهد الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنهم بجمع القرآن في مصحف واحد، وتم ذلك بدقةٍ فائقة.

وبفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح رحمه الله انتهتْ حقبةُ الاستبداد والطغيان العالمي، وتحققت البشارةُ النبوية بفتح تلك المدينة، ودخلت جيوشُ المسلمين مدينة اسطنبول أعزةً فاتحين، وصار مركزُ الدولة الإسلامية في القارة الأوربية. فالهمةَ الهمةَ يا شباب الأمة، فهناك بشاراتٌ نبويةٌ لم تتحقْ بعد، والمسلمُ لا يعرف اليأس!

توكيل الشباب بالمسؤوليات:

إن غياب دور الشباب في الأمة ينذر بخطرٍ كبير، فما الأمة بدون شبابها؟!

كان مصعب بن عمير رضي الله عنه من الصحابة الذين عُرفوا بذكائهم منذ الصغر. لهذا السبب أوكل النبي إلى مصعب مهمة تعليم الإسلام لأهل يثرب -المدينة المنورة حاليًا-. وفي غضون سنة واحدة أصبح في كل بيتٍ في المدينةِ مؤمن. نجح الصحابي الشاب بهذه المهمة نجاحًا باهرًا.

وقد كان عمر بن الخطاب في خلافته يتّخذ من شباب الأمّة مستشارِين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمّة.

التواصل والتفاعل مع الشباب:

في حادثةٍ معروفة جاء شاب للنبي ستإذن الزنا. بدلًا من التوبيخ والعقاب، تعامل النبي مع الشاب بلطف وتفهم، وأرشده بالأسئلة والتفكير.

روى أبو إمامة الباهلي إنَّ فتًى شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: "يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي بالزِّنا فأقبل القومُ عليه فزجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ فقال: ادنُهْ فدنا منه قريبًا قال: فجلس قال: أَتُحبُّه لِأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم قال: أفتُحبُّه لابنتِك قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لبناتِهم قال: أفتُحبُّه لأُختِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأَخَواتِهم قال: أَفتُحبُّه لعمَّتِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهم قال: أفتُحبُّه لخالتِك قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يحبونَه لخالاتِهم قال: فوضع يدَه عليه وقال: اللهمَّ اغفرْ ذنبَه وطهِّرْ قلبَه وحصِّنْ فرْجَهُ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ". (الألباني في السلسلة الصحيحة).

تقديم هدايا خاصة للشباب والحب والرعاية:

كان عبد الله بن عباس ابن عم النبي شديد الفضولِ والرغبة في العلم. ولهذا السبب قام النبي بتقديم دعاء خاص له: "اللَّهمَّ فقِّهْهُ في الدِّين، وعلِّمْهُ التَّأويلَ". كما ورد في *السلسلة الصحيحة للألباني* و*الفتاوى الكبرى لابن تيمية*.

ويروي جرير بن عبدالله رضي الله عنه كيف كان يقابله الرسول من السرور وطلاقة الوجه يقول: "ما حَجَبَنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ أسْلَمْتُ، ولَا رَآنِي إلَّا تَبَسَّمَ في وجْهِي" (صحيح البخاري:3035).

الختام:

إن اعتزاز أي أمة بنفسها هو اعتزازها بشبابها أولًا، لأنها لا تبقى صامدة أمام رياح الزمان والفتن بدون الشباب، لأن الشباب صلاحٌ للأمة والمجتمع وفسادهم فسادٌ للأمة والمجتمع، فالهمةَ الهمةَ يا شبابَ الأمة؛ إذ المسلمُ لا يعرفُ اليأس!

الهمة الهمة فالأمةُ تعقد عليكم الآمال، وتسندُ إليكم عزها وهيبتها، عليكم بالتأسي بالقدوات التاريخية الإسلامية وعلى رأسهم سيد خير خلق الله محمدٌ ، وسيروا بعد ذلك على ما سار عليه أصحابه الكرام، اعرفوا تاريخَكم يا شبابَ الأمة واحذروا يا شباب الأمة أنْ يَخدعنَّكم أحدٌ باسم الكتاب والسنة، واحذروا من تخبُّطاتِ الخلف الدابرين، فعلى قدر السَّبْق في الطاعات، والمسارعةِ إلى الخيرات: تكون منزلتُك عندَ الله، قال تعالى: }هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{ (آل عمران:163).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply