الموحدون في المسيحية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

لم يخل تاريخ المسيحية من طوائف كثيرة تنكر أصول العقائد التي أقرتها المجامع الرسمية للكنيسة الإمبراطورية، وتجدل في صحتها بحجة وبرهان. ومن تلك الطوائف: طائفة الموحدين، الذين اتخذوا في تاريخ المسيحية -بعد القرن الرابع الميلادي- أسماء عديدة، أشهرها: الآريوسية.

استمر الموحدون (Unitarians) في تاريخ الكنيسة الغربية، منذ سيطرة كنيسة بولس التي تبنت عقيدة الثالوث والتجسد وموت الإله، وهو إما استمرار للجذور التوحيدية السابقة في المسيحية الأصلية، أو بسبب اجتهاد العقل والتفكير الفطري الذي يقود بطبيعته إلى رفض فكرة الثالوث واعتناق فكرة التوحيد.

وفي عصر النهضة وعصر التنوير وحتى هذا العصر الحديث، تجددت طوائف التوحيد المسيحية، وكما يذكر الباحث براندون ووكر، اعتبرت هذه الطائفة من قبل الطوائف الأخرى أنها لا تلتزم بالتعاليم الأرثوذكسية للثالوث وأنكرت خطيئة الإنسان الكاملة، وأن هذا الموقف متجذر في فلسفة العقل والمنطق التنويرية.

وكان الموحدون، كما يؤكد ذلك الباحث جون تولان، يلقون اللوم في انحراف العقائد المسيحية الأصلية على الإمبراطور الروماني قسطنطين ومجمع نيقية الذي عقد في مطلع القرن الرابع الميلادي، بل كثير منهم يتهم بولس بإفساد المسيحية، متهمين إياه بتحويل الديانة من التوحيد إلى التثليث.

وقد انتشرت طائفة الموحدين في أوروبا في عصر التنوير، وانتقلت إلى أمريكا، وكانت تتمركز في نيو إنجلاند وماساتشوستس. وأخذت في النمو في القرن التاسع عشر، وانتشرت في سائر أنحاء الولآيات المتحدة. ويذكر الباحث براندون ووكر أن التوحيد هو دين نخبة الطبقة العليا والمتعلمين والمثقفين هناك.

وقد ذكرت هارييت بيتشر ستو (1896م)، الكاتبة الأمريكية والناشطة في حركة تحرير العبيد، في رسالة إلى شقيقها، أن جميع أمناء وأساتذة كلية هارفارد كانوا من الموحدين. وكان من بين الموحدين البارزين رجال من أمثال: أندروز نورتون، وتشارلز تشونسي، والرئيس جون آدامز، ودانييل ويبستر، وألكسندر هاملتون.

وقد أكد أولئك الموحدون على أنهم خاضوا تجاربهم مع الله بعيدًا عن تقاليد الكنيسة الرسمية، من خلال العقل والمنطق وتفسير الكتاب المقدس بصورة صحيحة. ومع صحة ذلك، فقد ذكر باحثون غربيون أن إحدى مجالات التأثير غير المعروفة في الغرب هي مساهمة الإسلام في التنوير الغربي من جهة العقيدة!

فقد ذكر العالم هامبرتو جارسيا وكذلك الباحث كيفن باريت، أن بعض أسلاف الموحدين كانوا في الحقيقة من المسلمين السريين الذين يكتمون إسلامهم، وأن مساهماتهم في تصحيح العقائد ونقدها المستوحاة من الإسلام كانت بمثابة قوة رئيسية دفعت إلى عصر التنوير من جهة الإصلاح وتصحيح العقائد المسيحية.

ومن المواضيع المهمة والجادة التي تستحق الدراسة واهتمام طلاب وطالبات الدراسات العليا:

دراسة تاريخية نقدية لطوائف الموحدين في المسيحية في أوروبا والغرب منذ عصر النهضة وحتى عصرنا الحاضر، دراسة جغرافية، سكانية، دينية، تزور مراكزهم ومدارسهم، وتبحث عقائدهم وممارستهم الدينية، ونفوذهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply