بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فإن هناك صفة تمنعك من دخول الجنة، قد أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهي الكِبر. وهي التي أوقعت إبليس في غضب الله، حينما أمره بأن يسجد لآدم، فأبى واستكبر، فأخرجه الله من الجنة وطرده من رحمته بعد أن كان عابداً لله مع الملائكة في الجنة. قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[i].
وقال: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).[ii] والكِبَر قبيحٌ في العبد لأنه لا يليق به وليس أهلا له، بينما المتكبر من أسماء الله ... والكبرياء والعظمة من صفاته فهي تليق به لأنه أهلاً لها.
قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[iii].
قال القرطبي رحمه الله: *الكبرياء في صفات الله مدح، وفي صفات المخلوقين ذم*[iv]. وقيل معنى المتكبر: *فهو سبحانه المتكبر عن السوء، والنقص والعيوب، لعظمته وكبريائه.*[v]. وقال صلى الله عيه وسلم: "قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، فمن نازعني في ردائي قصمته"[vi]. فكان حري بكل إنسان أن يترك الكبر بعد سماعه كل ذلك الوعيد والزجر.
والمؤمن الحق يتواضع لله ولا يتكبر على الناس ... فالكِبَر مرض قلبي وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)[vii]. وقال في وصايا لقمان لإبنه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[viii]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"[ix]. والتواضع يرفع صاحبه عند الله تعالى، فهو لا يحب المتكبرين. ولو تذكَّر الإنسان من أين جاء وما كان مكانه في رحم أمه ثم ما سيؤول إليه في التراب وأن جسده سيأكله الدود ما تكبر إنسان على وجه الأرض. فالديدان تلك المخلوقات الضعيفة والمقززة ستأكل لحمه تحت الأرض وسيكون تحت سيطرتها وقوتها وهو لا يستطيع حراك ولا يقدر أن يحمي جسده منها. فكل هذا كفيل بأن يجعل الإنسان يتواضع. وقد كان التواضع صفة الأنبياء عليهم السلام عموماً منذ القدم. وأُثِر عن السلف أن من أراد طلب العلم فعليه بالتواضع. ولا نجد العلماء الربانيين إلا وهم من أكثر الخلق تواضعاً. فكلما نهل الإنسان من العلم وعرف عن الجنة والنار ازداد خوفاً وسعياً في الطلب، وعرف أن كلمة توقعه في النار وأخرى تخرجه منها، وأن ليس هناك ضمان للجنة مهما إستكثر من العمل الصالح؛ إزداد تواضعه وخوفه من الله تعالى، ونزع الكبر من قلبه. ومن تواضع للناس أحبوه والتفوا حوله، ومن يتكبر عليهم ينفروا من حوله ولا يستمعوا له. والتواضع من أفضل وسائل الدعوة. قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[x]. وإذا أراد الإنسان الرفعة من الله تعالى فعليه بالتواضع وليترك عنه الكبر والترفع. قال صلى الله عليه وسلم: "من تكبر وضعه الله ومن تواضع رفعه الله"[xi]. وقال: "من تواضع لله درجة رفعه الله درجة ومن تكبر
درجة وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين"[xii]. نعوذ بالله من الكبر ونسأله أن يجعلنا من المتواضعين وأن يرفع قدرنا عنده، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[i] البقرة ٣٤.
[ii] الأعراف ١٢-١٨.
[iii] الحشر ٢٣.
[iv] تفسير القرطبي، سورة الحشر، آية ٢٣.
[v] سعد بن وهف القحطاني، عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة، ج ١، ص ٣٠٥.
[vi] أخرجه أبو داود (٤٠٩٠)، وابن ماجه (٤١٧٤)، وأحمد (٧٣٨٢) أوله في أثناء حديث، والحاكم (٢٠٣) واللفظ له.
[vii] النساء ١٧٣.
[viii] لقمان ١٨.
[ix] أخرجه الترمذي (١٩٩٩) واللفظ له، وأخرجه مسلم (٩١) باختلاف يسير.
[x] آل عمران ١٥٩.
[xi] أخرجه العراقي في تخريج الإحياء للعراقي، وحكمه: إسناده صحيح ولابن ماجه بنحوه من حديث أبي سعيد بسند حسن.
[xii] أخرجه ابن حجر العسقلاني في الأماني المطلقة، وحكم عليه بأنه حسن.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد