استهداف المستشفيات

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أنكر الناطقون باسم دولة الاحتلال أنهم هم مَن قصف المستشفى الأهلي المعمداني بغزة، وارتكب مجزرة فظيعة بحق مَن فيه من المرضى والنازحين، وتابعهم على ذلك الرئيس الأمريكي وزعماء آخرون وعدد من وسائل الإعلام الغربية، وذلك بالرغم من التهديدات الإسرائيلية السابقة لإدارة المستشفى بضرورة إخلائه، بل وكذلك العديد من الاتصالات الصهيونية السابقة واللاحقة لعدد من المستشفيات في قطاع غزة بضرورة إخلائها، والقصف التحذيري المتكرر قرب هذه المستشفيات.

ولكن، لماذا استهداف المستشفيات بشكل عام، ولماذا المستشفى المعمداني على وجه الخصوص؟

أما لماذا يستهدفون المستشفيات، فذلك في رأيي، لأنهم يريدون الفلسطينيين أمواتا فقط ولا يريدون أن يبقى أحد منهم حيًا، بحيث لا ينجو مريض ولا مصاب.

واستهداف المستشفيات هو امتداد لاستهداف الأبراج والمنازل وهدمها على رؤوس مَن فيها، ثم ملاحقة السكان في المدارس والطرقات، وكذلك فالصهاينة لأجل إبادة السكان يقطعون الماء والدواء والغذاء.

وقبل الاسترسال في الحديث عن عراقة استهداف المستشفيات قي تفكير قادة الاحتلال، يحسن لفت الآنظار إلى الغاية من البدء باستهداف المستشفى المعمداني في هذ التوقيت.

لقد جاء قصف المستشفى المعمداني عشية زيارة الرئيس الأمريكي بايدن، والذي جاء ليشرعن ويبرر كل ما تقوم به إسرائيل من جرائم وعدوان تجاه الفلسطينيين، حيث من المتوقع أن يغض الطرف عن استهداف مستشفى مسيحي، وهو ما حدث بالفعل من بايدن وقادة أوروبيين آخرين، فضلًا عن مؤسسات إعلامية عربية كبيرة أخرى، بحيث أنهم لم يكتفوا بعدم إدانة الاحتلال بل إنهم ألقوا باللائمة على فصائل المقاومة واتهموها بتلك الجريمة.

وإزاء هذا الواقع فإن قوات الاحتلال قد تمادت في غيها واستمرت في عدوانها، واطمأنت إلى أن جرائمها مهما بلغت، وحتى لو طالت الكنائس المسيحية واستهدفت المسيحيين، والمؤسسات الدولية وموظفيها، ومدارس وكالة الغوث، وحتى لو تكرر استهداف المستشفيات، فستفلت من المحاسبة والعقاب، وهو ما حصل بالفعل بعد ذلك. حيث أثبت الأمريكان والأوروبيون أنهم لا يعبأون باستهداف المدنيين والمستشفيات، وأنهم غير معنيين حتى بأبناء دينهم المسيحيين!!

ومن المناسب التذكير بأن آفي ديختر، رئيس الشاباك ووزير الأمن الصهيوني السابق، قد صرح أثناء الحرب على غزة في العام 2014، كما أذكر، بأن قادة المقاومة يختبؤن في قسم الولادة بمستشفى الشفاء بغزة!؟

وسبق لكاتب هذه السطور أن كتب تحليلًا لذلك القول في حينه، حيث يجدر التنويه بالأمور الآتية:

أولًا: أن الغرض الأول والهدف الأكبر من وراء مثل هذا التصريح، هو تبرير قصف المستشفيات بذريعة وجود قادة المقاومة فيها، وأن هذا الموقف قديم عند الصهاينة، عريق في تفكيرهم، وعميق في استراتيجياتهم، ولكنهم يبحثون عن الفرصة المناسبة لتنفيذه.

ثانيًا: أن الزعم بأن قادة المقاومة مختبئون في أقسام الولادة اتهام لهم بالجبن والنذالة؛ كونهم يتوارون عند النساء، والمقصود أيضًا نزع ثقة الحاضنة الشعبية الفلسطينية بقيادة المقاومة وتحريضها عليهم، وإثارة النقمة ضدهم، لولا أن الجمهور الفلسطيني يعرف قيادته المقاوِمة عن قرب.

ثالثًا: أن نقمة الصهاينة على الفلسطينيين، والرغبة في إبادتهم تبدأ حتى من المواليد الجدد والأجنة في بطون أمهاتهم، بدلالة التلويح والتهديد باستهداف أقسام الولادة في المستشفيات، ولا غرابة في ذلك فلطالما تمنى قادتهم أن تغرق غزة في البحر، وهم قد بدأوا دولتهم بالمجازر والتهجير، وظلت هذه السياسة نهجًا قائمًا لهم حتى الآن.

إن تهديدات الصهاينة للمستشفيات والتحريض عليها في تصريحاتهم ووسائل إعلامهم لا تتوقف، ومن أوآخر أكاذيبهم التصريح في فضائية صهيونية أن قادة حماس يختبئون تحت ثمانية عشر مستشفى في القطاع، ما يعني أن كل المستشفيات تحت التهديد الشديد الذي يرافقه الكثير من القصف ــــــــ التحذيري ـــــــ القريب جدًا، الذي يزلزل المستشفيات ومن فيها فتتشقق جدرانها ويتطاير زجاجها، ويتساقط من فيها ومن حولها.

إن استهداف المحتلين للمستشفيات هو استمرار لعمليات الإبادة الجماعية، مع ملاحظة أن المذابح وعمليات الإبادة كانت من العناصر المؤسسة لإنشاء الدولة، وأن رؤوسها، كم يبدو يرون أن بقاء الكيان واستمراره رهين بمزيد من جرائم الإبادة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين