بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله عباد الله، حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: إنَّ من أجل أخلاق المسلمين التي أمر بها سيدُ المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم: التراحم والتلاحم، وهو من أبرز ما يميِّز مجتمعات المسلمين، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: "ترى المؤمنين في وتَرَاحُمِهِم، وتوادِّهم وتعاطُفِهِمْ؛ كمثل الجسد، إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى". متفق عليه.
فالمؤمنون جسدٌ واحدٌ، والأمةُ الإسلامية يدٌ واحدة، يشترك أفرادها في السراء والضراء، والآلام والآمال، والأفراح والأتراح، هكذا يكون أهل الإيمان.
وقد وصف الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخُلُقِ العظيم فقال سبحانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.
ونبينا محمد ﷺ الرحمة المهداة، يقول الله تعالى عنه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
ودعوته رحمة ورسالته رحمة ليس فقط للمسلمين؛ بل للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
التراحم والتعاضد هو دعوة إيمانية وإنسانية وأخلاقية مع القريب والبعيد، والصغير والكبير، عدل وإنصاف، وإحقاق للحق، ونصر للمظلوم وردع للظالم، وفي صحيح مسلم لما رحم الصحابة رضي الله عنهم قوم مُضَر، وتصدقوا عليهم بعدما رأوا ما بهم من أثر الفاقة تهلل وجه رسول الله ﷺ كأنه مُذْهَبة وفرح بذلك.
وإن اتصاف العبد بهذا الخلق النبيل سبيل لنيل رحمة العالمين، كما في الحديث: "الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ". رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
والشقاءُ في الشدة والغلظة؛ قال ﷺ: "مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ" متفق عليه، لأنَّ الذي خلا قلبه من الرحمة والشفقة شقيٌّ بعيد عن الله تعالى، كما قال ﷺ: "لا تُنـزع الرحمة إلا من شقي"، رواه أبو داود، وكيف لا يكون شقيًا وقد حُرم رحمة الله؟ قال ﷺ: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". متفق عليه.
وفي المصائب والكوارث، والمحن والفتن، يظهر خلق التراحم واضحًا جليًا، في واقع في المجتمع الإسلامي، بإسعاف المنكوبين والمحتاجين من المسلمين امتثالًا لأمر رب العالمين، واتباعًا لسنة النبي الأمين ﷺ قال تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾، وقال ﷺ: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة". رواه البخاري ومسلم
وإن قطاع غزة في فلسطين المحتلة تفترسه آلة الدمار الإسرائيلية، فتحرق الأخضر واليابس، وتأتي على البشر والحجر، بما يعد إبادة جماعية للأبرياء، هؤلاء الأبرياء الذين يعيشون في ديارهم وأرضهم المنهوبة والمغصوبة، وليس لهم وطن بديل، ولا يقبلون التحويل، تأمر عليهم المتآمرون، وتاجروا بقضيتهم، وها هم يتلقون الضربات الموجعة على مرأى ومسمع من العالم كله، وزاد الأمر شدة وبؤسًا قطعُ الإمدادات عنهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء، ليموتوا على فرشهم، إن سلموا من حرق أجسادهم بالحديد والنار، فهؤلاء المظلومون من لهم ناصر غير الله تعالى؟! ومن لهم مغيث غير إخوان الإسلام والدين؟! فإن لم يغيثوهم فإنهم لا محالة بائرون، وإلى ربهم مشتكون.
وقد أطلقت دولتنا المباركة - رعاها الله وحرسها – بقيادة ولاتها المبادرين إلى فعل الخير- حملةً شعبية لإغاثة الأشقاء الفلسطينيين المتأثرين من الحرب في قطاع عزة، عبر منصة «ساهم» ومركز الملك سلمان للإغاثة.
وهذا ما نهجت عليه القيادة الرشيدة والشعب الكريم، فلا تكاد تحدث قارعة في دولة قريبة أو بعيدة شقيقة أو صديقة إلا كانت أول المبادرين لإغاثتها، فالجسور الجوية والبرية التي تتواصل إلى المنكوبين في الزلازل والفيضانات والكوارث، كلها شاهدة على هذه النخوة الأبِيَّة التي تبادر إلى الإغاثة والنصرة من غير طلب، ولا ترجو جزاء ولا شكورًا إلا من الله تعالى الغني الحميد سبحانه، فجزاهم الله خيرًا، وزادهم إحسانًا وتوفيقًا.
فينبغي لكل من لديه قدرة على المبادرة أن يبادر بتقديم ما يستطيع، ولو بالقليل، ليكون قد أسهم في نصرة المظلومين وإغاثة المنكوبين، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾.
الخطبة الثانية:
اتقوا الله -عباد الله-، والتمِسُوا رحمتَه وعفوَه، واتقوا أسباب غضبه وسخطه، وتخلقوا بخلق أهل الإيمان في المصائب والنوازل، وكونوا عباد الله إخوانا، وعلى الحق أعوانًا، واعلموا أن نجدة المنكوبِين وإغاثةِ الملهوفِين هو من أفضلِ القربات، ومن صنائعِ المعروف التي تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فبادروا -أيها الإخوة- بالمساهمة بالمستطاع، لنجدة إخوانكم في غزة، عبر الجهات المعنية؛ فهم في كربة وغربة، مع بذل الدعاء وصدق الرجاء برفع محنتهم، والله لطيف بعباده، لا يرد سائلا سأله بصدق وإخلاص.
اللهم أنج عبادك المستضعفين في غزة، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وحفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، ومساكين فارحمهم يا راحم المساكين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم انصر أهل التوحيد والسنة، واقمع أهل الشرك والبدعة، وارفع عن المسلمين الغمة.
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم آمنا في أوطاننا، وأعذنا من الفتن والشرور، يا عزيز يا غفور.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خطبة جامع موضي السديري - الجمعة 19/04/1445هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد