الانتحار أسبابه وعلاجه


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

إن الانتحارَ مِنَ الأمور الخطيرة التي تَسَرَّبَتْ إلى بلاد المسلمين، مِنْ أجْلِ ذلكَ أحببتُ أن أُذَكِّرَ نَفْسِي وطلاب العِلمِ الكِرَامِ بأسباب الانتحار وعلاجه، فأقولُ وبالله تَبَارَكَ وَتعالى التوفيق:

تعريف الانتحار

اَلِانْتِحَارُ: قَتْلُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ عَمْدًا.(معجم اللغة العربية  ج3  ص 2176).

وسائل الانتحار

ينتحرُ الإنسانُ بوسائل كثيرة مختلفة:

إمَّا بإلقاء نَفْسه في الماء، أو بتناول السم، أو بالشنق، أو بالرمي مِن مكان مرتفع أو بالحرق، أو بإطلاق النار على نَفْسِهِ، أو يُلقي بنفسه أمام قطار سريع،أو سيارة، أو بتناول كميات زائدة مِن الدواء، أو بأي وسيلة أخرى تُؤدي مباشرة إلى الموت.

أسباب الانتحار

نستطيعُ أن نُوجِزَ أسباب الانتحار في الأمور التالية:

(1) ضَعفُ الإيمان بالله تعالى أو انعدامه عند كثير مِنَ الناس وبخاصة في الدول غير الإسلامية.

(2) الأمراض النفسية المزمنة، كحالات الاكتئاب الشديدة.

(3) الخسارة المالية الكبيرة التي تسبب صدمة شديدة لأصحابها.

(4) استعمال المخدرات والخمور، فإنها تسبب تلف في خلايا المخ، فيصبح الإنسان المدمن عُرضَة للانتحار في أي وقت.

(5) شدة المرض: قد يتمكن مرضٌ خطير مِن الإنسان (كمرض الإيدز) فيصعب شفاؤه ولا يحتمل المريض أوجاع الجسد، فيفكر المريض في الانتحار.

(6) الرسوب في امتحان الدراسة.

(7) تراكم الديون على الإنسان ومطالبة أصحابها بها والخوف مِنْ عَواقب ذلك.

(8) فقدان الوظيفة أو عدم الحصول عليها بعد البحث والانتظار لسنوات عديدة، والبقاء عاطلًا بلا عمل.

(9) الاعتقاد الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره حَدًّا لما يُعانيه مِن مشكلاتٍ. وهذا مفهومٌ خاطئٌ، وبعيدٌ عن الحقيقة.

(10) امتناع المريض عن تناول دواء ضروري، كالأنسولين مثلًا.

الانتحار في الدول المتقدمة

ترتفعُ نسبة الانتحار وتتزايد كل عام في الدول غير الإسلامية، وهي الدول الغنية ماديًا والمتقدمة في المجال العلمي. ففي أمريكا وَصَلَت نِسْبَةُ الانتحار حوالي 70000 أمريكي في العام، وكانت أكبر الزيادات في نسبة الانتحار بين شباب في سِنِّ الثلاثين، ويَرجِعُ ذلك إلى ازدياد الاضطرابات النفسية بينهم بشكل عام، وإلى مرض الاكتئاب النفسي والعقلي بشكل خاص.

لم تستطع الإباحية الجنسية المُحَرَّمَة، ولا الانغماس في الخمور والمخدرات ولا تناول الأدوية المهدئة أن يأتوا بالسعادة النفسية الحقيقة المنشودة لأصحابها. وفي بريطانيا بَلَغَ عَدَدُ ضحايا الانتحار حَوَالي 40 ألف شخصٍ في عام واحد.

وفي فرنسا ينتحر حَوَالي 12 ألف شخصٍ في كُلِّ عامٍ.

وتتزايد نسبة الانتحار في السويد وسويسرا، وهُما مِن أكثر الدول رفاهية.

وهكذا أصبحت الحياة في الدول غير الإسلامية لا تُطَاق؛ فالأسرة في غالب أحوالها في اضطراب ونزاع، وكذلك الشوارع والمصانع، والملاعب والملاهي؛ حيث انتشرت الاضطرابات العقلية، والنفسية، وَعَمَّ القلقُ وسَادَ الاكتئابُ واليأس والملل مِنَ الحياة؛ رَغْمَ أن تلك الشعوب تعيش حرية كاملة، ومع هذا فمرض الاكتئاب يَدُبُّ في أجسادهم، ويأكل قلوبهم.

ومِنَ الأشياء التي استحدثوها لمحاربة التخفيف مِن الانتحار المتزايد إنشاء مراكز تتلقى مكالمات الراغبين في الانتحار، أو مَنْ لديهم مشكلة عاطفية، أو الذين يعانون مِنْ ضيق الصدر، وهذه الخدمات تقدم ليلًا ونهارًا وبالمجان.(فصل الخطاب في الزهد  محمد عويضة  ج3  ص373).

جمعية المنتحرين

مِنَ العجيب أن يكون للانتحار مؤيدون، حيث تكونت في بريطانيا جمعية للمنتحرين، وأصدرت كُتَيِّبًا وقامت بتوزيعه على أعضائها الذين يؤيدون حق المرضى في الانتحار عندما يتألمون، وعندما يقرر الطبيب أن حالتهم ميئوس منها. وقد اشتملَ الكتيبُ على الوسائل السريعة والفَعَّالة وغير المؤلمة التي يُمْكِنُ أن تساعدَ الراغبين في الانتحار على تنفيذ رغبتهم!(فصل الخطاب في الزهد  محمد عويضة  ج3  ص374).

وصدقُ اللهُ َتعالى حيثُ يقولُ: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آياتنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{

(طه: 126:124).

التحذير من الانتحار وصية رب العالمين

لا يجوز للمسلم العاقل الإقدام على جريمة الانتحار؛ لأن قَتْلَ النَّفْس عَمْدًَا مُحرَّمٌ ويُعْتَبَرُ كبيرةٌ مِنْ كبائر الذنوب.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ{(البقرة: 195).

قَالَ الشيخُ السعدي (رَحِمَهُ اللهُ): فِعْلُ مَا هُوَ سَبَبٌ مُوَصِّلٌ إلى تَلَفِ النفس.(تفسير السعدي  ص90).

قال تَعَالَى:} وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا{(النساء: 30:29).

* قَوْلُهُ: }وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ{ قال الشيخُ السعدي (رَحِمَهُ اللهُ): لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفِعْلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك.(تفسير السعدي  ص175).

نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحذرنا من الانتحار

* روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".(البخاري  حديث: 5778 / مسلم  حديث: 109).

* قَوْلُهُ: "مَنْ تَرَدَّى": أَيْ رَمَى نَفْسَهُ مِنْ جَبَلٍ.

* قَوْلُهُ: "فَقَتَلَ نَفْسَهُ" أَيْ: فَصَارَ بِالرَّمْيِ سَبَبَ قَتْلِ نَفْسِهِ.

* قَوْلُهُ: "خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا": الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُدَّةِ وَتَأْكِيدُهُ بِالْمُخَلَّدِ. وَالتَّأْبِيدِ يَكُونُ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ.

* قَوْلُهُ: "وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا": أَيْ مَنْ شَرِبَ سُمًّا.

* قَوْلُهُ: "فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ": أَيْ: يَتَكَلَّفُهُ فِي شُرْبِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

* قَوْلُهُ: "بِحَدِيدَةٍ" أَيْ: بِآلَةٍ مِنْ حَدِيدٍ.

* قَوْلُهُ: "يَجَأُ" أيْ: يَطْعَنُ بِهَا فِي بَطْنِهِ.(مرقاة المفاتيح  علي الهروي  ج6  ص2262).

* روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّار"ِ.(البخاري  حديث: 1365).

* روى الشيخانِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".

(البخاري  حديث: 6047 / مسلم  حديث: 110)

* روى البخاريُّ عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ".(البخاري  حديث: 3463).

* قَوْلُهُ: "فَجَزِعَ": أَيْ خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الصَّبْرِ.

* قَوْلُهُ: "فَجَزَّ بِهَا يَدَهُ": أَيْ: قَطَعَ بِهَا يَدَهُ الْمَجْرُوحَةَ.

* قَوْلُهُ: "فَمَا رَقَأَ الدَّمُ":أَيْ مَا سَكَنَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَتَّى مَاتَ.(مرقاة المفاتيح  علي الهروي  ج 6 ص 2263).

* قَوْلُهُ:  "بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ" هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِعْجَالِ الْمَوْتَ.

* قَوْلُهُ: "حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ" الْمُرَادُ أَنَّ الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ. فَيَحْرُمُ عَلى الذي قَتلَ نفْسَه عَمْدًا أن يَدْخُلَ الجَنَّةَ ابتداءً مع السابقين وَالْأَبْرَار.(فتح الباري  لابن حجر العسقلاني  ج 6 ص 500).

وسائل علاج الانتحار

نستطيعُ أن نُوجزَ وسائل علاج التفكير في الانتحار في الأمور التالية:

(1) الإيمان بالقضاء والقدر

* قال سُبْحَانَهُ: }قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{(التوبة:51).

* روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".(مسلم  حديث: 2664).

(2) الإكثار مِن ذِكْْر الله تعالى

قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{(الأحزاب: 41: 42).

* قَالَ سُبْحَانَهُ: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ{(البقرة: 152).

* قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{(الرعد: 28).

* قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: }وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ{ أَيْ: تَطِيبُ وَتَرْكَنُ إلى جَانِبِ اللَّهِ، وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَصِيرًا. (تفسير ابن كثير  ج 4  ص 455).

(3) حُسْن الظن بالله تعالى

* روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة"ً. (البخاري  حديث:7405).

* قَوْلُهُ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" أيْ: أَنِّي عِنْدَ يَقِينِهِ بِي فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى فَضْلِي، وَالِاسْتِيثَاقِ بِوَعْدِي، أُعْطِيهِ إِذَا سَأَلَنِي، وَأَسْتَجِيبُ لَهُ إِذَا دَعَانِي.

* قَوْلُهُ: "وَأَنَا مَعَهُ": أَيْ: بِالتَّوْفِيقِ وَالْحِفْظِ وَالْمَعُونَةِ.

قَوْلُهُ: "مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" أي: الْمَلَائِكَة.(مرقاة المفاتيح  علي الهروي  ج4  ص1541).

 (4) تلاوة القرآن الكريم

* قال سُبْحَانَهُ: }وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{(الإسراء: 82)

* قال سُبْحَانَهُ: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{(الأنفال: 2).

* قال تَعَالَى: }إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ{(فاطر: 29).

 (5) الصبر على المصائب

قَالَ تَعَالَى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{(البقرة:157:155).

* رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أم سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: }إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{(البقرة: 156)، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا".(مسلم  حديث: 918).

* روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ".(البخاري  حديث 6824).

* قَوْلُهُ: (صَفِيَّهُ) أَيْ: مَحْبُوبَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

* قَوْلُهُ (احْتَسَبَهُ) أَيْ: صَبَرَ رَاضِيًا بِقَضَاءِ اللَّهِ رَاجِيًا فَضْلَهُ.(فتح الباري  للعسقلاني  ج3  ص119).

(6) القناعة والرضا برزق الله تعالى

مِن وسائل الابتعاد عن التفكير في الانتحار القناعة والرضا برزق الله تَعَالَى.

* روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو،رضي اللهُ عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ".(مسلم  حديث:1054).

* روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ (مَتَاعُ الدُّنْيَا)، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ".(البخاري حديث: 6446).

(7) المحافظة على إقامة الصلاة

إن محافظة المسلم على الصلاة مِن وسائل التغلب على التفكير في الانتحار.

قال تعالى}:وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ{(البقرة:45).          

* قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَفْزَعُوا إلى الصَّلَاةِ، وَالِاسْتِعَانَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ أَمْرِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَلَمْ يَخُصَّ بِالِاسْتَعَانَةِ بِهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ.(تعظيم قدر الصلاة  للمروزي  ج1  ص218).

* روى أبو داودَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليمان،رضي اللهُ عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ (أَصَابَهُ) أَمْرٌ صَلَّى.(حديث حسن)(صحيح أبي داود  للألباني  حديث 1171).

(8) الدعاء

* قَالَ تَعَالَى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع ِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{(البقرة: 186).

 * قَالَ سُبْحَانَهُ: }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ{(النمل: 62).

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ".(حديث صحيح) (صحيح الترمذي  للألباني  حديث 2766).

 (9) حضور مجالس العلم

حضورُ مجالس العِلْمِ النافع تساعد المسلم على تصحيح عقيدته، وهي مِنَ الوسائل المهمة التي تساعده في التغلب على الشعور بالوحدة والاكتئاب وتصرفه عن التفكير في الانتحار، لأنها مجالس مباركة تحفها الملائكة الكرام.

* روي مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَه"ُ.              (مسلم  حديث 2700).

قَوْلُهُ"إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ"أَيْ:أَحَاطَتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ.

قَوْلُهُ: "وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ" أَيْ: غَطَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ الْخَاصَّةُ بِالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا

* قَوْلُهُ: "وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ" أَيْ: الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ.

* قَوْلُهُ: "وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ" أَيْ: مُبَاهَاةً وَافْتِخَارًا بِهِمْ بِالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَيْهِمْ، وَبِوَعْدِ الْجَزَاءِ الْجَزِيلِ لَهُمْ.     

* قَوْلُهُ: "فِيمَنْ عِنْدَهُ" أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ.(مرقاة المفاتيح  علي الهروي  ج4 ص 1540).

(10) توعية أفراد المجتمع بأخطار الانتحار

يجبُ القيام بحملات توعية لأفراد المجتمع، عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لتوضيح أخطار جريمة الانتحار، وعَمَل برامج علاجية تشارك فيها الأسرة والمدرسة مَعَ المعَالِجِ النفسي، للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع. ويجبُ عَمَلُ ندوات عامة في المدارس والجامعات لتوعية الطلاب بضرورة المحافظة على النفس، وبيان أخطار التفكير في الانتحار.

الصلاة على المسلم المنتحر

تجوزُ صلاة الجنازة عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ مُنتحرٍ قال كلمة التوحيد: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، ولكن تَغَلبَ عليه الشيطانُ فجعله يقتل نَفْسَه مُتَعَمِّدًَا.

(1) قال الإمَامُ ابنُ بَطَّال (رَحِمَهُ اللهُ): أجمعَ الفقهاءُ وأهْلُ السُّنَّة أنَّ مَنْ قتلَ نَفْسه أنهُ لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يُصَلَّى عليه، وإثمه عليه كما قال الإمامُ مالكُ بن أنس، ويُدفنُ في مقابر المسلمين. (شرح صحيح البخاري  لابن بطال  ج3  ص 349).

(2) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض (رَحِمَهُ اللهُ): مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَحْدُودٍ وَمَرْجُومٍ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ وَوَلَد الزِّنَا.(صحيح مسلم  بشرح النووي  ج7  ص 47).

(3) قَالَ الشيخُ عطية صَقْر(رَحِمَهُ اللهُ): المنتحر الذي لم يُعْلَمْ استحلاله للانتحار مُؤْمِن، فيُصَلَّى عليه صلاة الجنازة.(فتاوى الشيخ عطية صقر  ج1  ص 662  رقم:422).

(4) قَالَ الشيخُ عَبْدُ العزيز بن باز (رحمه اللهُ): يُصلي على المنتحر بعضُ المسلمين، كسَائِرِ العُصَاةِ؛ لأنه لا يزال في حُكْمِ الإسلام عند أهل السُّنَّة.(مجموع فتاوى ابن باز  ج13  ص 162).

خِتَامًا: أَسْأَلُ اللَّهَ تعالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَيَجْعَلهُ سُبْحَانَهُ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِى يَوْمَ القِيَامَة.}يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ (الشعراء:89:88) كما أسألهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى أن ينفعَ بهذا العمل طلاب العِلْمِ الكِرَامِ. وَآخر دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply