للبطولاتِ حديثٌ يُجتنى


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

لاتسلْني عن ليالي الصَّالحينْ

 

إذْ رأى الفاجعُ حـالَ المعرقينْ! (1/2)

والأباةَ الصِّيدَ فرسانَ الوغى

 

والطَّريدَ الـبـَرَّ مَن يحمي العرينْ!

أو درى فعلَ الليالي إذ طـوتْ

 

في مغانيهم بساطَ السَّامرينْ!

تلك أيَّامُ سجايا رفرفتْ

 

فـوق هامات الأُباةِ القادمينْ

يقرأُ التاريخُ عنها صُحُفًا

 

مزهراتٍ في جبين الفاتحينْ

لـم تدعْ للريبِ في تطوافِهـا

 

أثـرًا يؤذي قلوبَ السَّامعينْ

إنَّـه الإٍسلامُ للدنيا فـلا

 

يرتضي العاقلُ زورَ المفترينْ

فبـه العـزُّ الذي أجنادُه

 

ما أهمَّتْهُم حشودُ المجرمينْ

فالمثاني خالداتٌ نورُها:

 

يغمرُ الآفاقَ لايُبقي الظنونْ

وطيوبُ السُّنَّةِ الغرَّاءِ لا

 

تـدع الحيرانَ للبلوى خـدينْ

وهـو الَّلهُ الذي أكرمنا

 

بالرضا الميمونِ بينَ العالَمينْ

ولأهـواءِ نفوسٍ أُبعِدَتْ

 

عن حياضِ الدينِ أوهاها الأنينْ

فتردَّتْ في متاهات الهـوى

 

واسْتُذِلَّتْ للطغاةِ الفاسقينْ

أهي الأُمَّـةُ مَن أكرمها

 

ربُّها الأعلى بثوبِ المصطَفينْ!

أهي المختارةُ استخرجها

 

مالكُ الملكِ من الجهلِ المهينْ

أَوَمَـا كانت لدنياهـم يـدًا

 

بالهدى تزجي المنـى للسَّائلينْ

أوَمـا زالتْ على عهدٍ لهــا

 

في عداد الأكرمين المعرقينْ!

ليس في الأرضِ كما في أرضِهم

 

من كآباتِ وجوهِ السَّاكنينْ

سلبَ البغيُ سُويعاتِ المنى

 

إنَّ وحشَ البغيِ في الدنيا لعينْ

والطَّريدُ الفـذُّ من أهلِ الهدى

 

باتَ في أُفْقِ السُّها لايستكينْ (3)

يتثَنَّى وفـمُ المجدِ لــه

 

يتغنَّى اليومَ بالحرفِ الرَّصينْ

وكنـورِ الصُّبحِ في وجـهِ العلى

 

ما نأى الملهوفُ عن فيضِ الحنينْ   

تنطوي اللُّجةُ في إقـدامِه

 

لايبالي فمثانيـه السَّفينْ

ربُّـه مـولى الورى يحفظُه

 

من رزايا وهـو الحفظُ يقينْ

في جهادِ لم يزلْ يؤثرُه

 

وسيبقيهِ سبيلَ المخلصينْ

فالسلامُ العذبُ يبقى ساعةً

 

ويواريه فسادُ المعتدينْ

للبطولاتِ حديثٌ يُجتَنَى

 

من رفيفِ النَّقعِ شذوِ الظافرينْ

هكذا كان أخـو دعوتِنا

 

يرخصُ العمرَ، يضحِّي بالوتينْ

يزرعُ الدربَ شجيراتِ المنى

 

لكرامِ الناسِ عاشوا واجفينْ

بدَّدَ الطغيانُ عنهم أمنَهم

 

وهو الباغي شقيٌّ وضنينْ

وأخـو الإسلامِ فيها فارسٌ

 

ليس يرضى بجنآيات الخؤونْ

ومحيَّاهُ به شوقٌ إلى

 

جنَّةِ الخلدِ مآلِ الصَّالحينْ

وإخـاء لم تزل أفياؤُه

 

تملأ الصَّدرَ بطيبِ المنجبينْ

فالطريدُ اليومَ رمــزٌ للنَّـدى

 

إذ تخلَّى عن غوآيات السنينْ

لايـوالي مَن يبيعون الهدى

 

ويصدُّون عن النهجِ الثَّمينْ

يخدعُ الأمَّــةَ تزييفُ الذي

 

يخلطُ الماءَ بمسحوقِ الوزينْ (4)

يا أخـا الأبرارِ في ساحِ الفدا

 

تهبُ الثَّوبَ الموشَّى باليقينْ

لأولي الهمَّـةِ أبنــاءِ الإلى

 

لم يعيشوا إيْ وربِّي واجفينْ

قـد رموا زينةَ دنياهم لِمَـنْ

 

غـرَّهُ العيشُ بزهـوِ المترفينْ

وهـو العيشُ كما عاينتُه

 

لـم يكنْ دنياهُ للمستَضعفينْ

كأسُه العذبـةُ تشكو من أذى

 

غـدرِ هذا الخِبِّ صنوِ المفترينْ

والفتى الجـوَّابُ في مغنى الرضا

 

أُبعِدَتْ عنه وغابتْ لاتبينْ

ومـرامي الخيرِ لـو أنطقَها

 

ربُّهـا الأعلـى عن السِّرِّ الدفينْ

لااستقلَّتْ بمآتي فضلِهـا

 

وهفتْ آلاؤُهـا للمتَّقينْ

نعمت الدنيا التي آلمَهـا

 

وجـعُ القلبِ الذي يأبى الركونْ

لُعِنَتْ دنيا بهـأ الشَّرُّ طمى

 

ومع الظلمِ تآخـى والمجـونْ

فالغوآيات التي ينكرُها

 

وحـتيُ ربِّ العرشِ في دنيا الفتونْ

يتلاشى ما بهــا من سفهٍ

 

بهوان المسرفين العابثينْ

فالملاهي أطربتْ أفواجَهم

 

وَهْيَ ترعى هرطقاتِ المحتفينْ

وهي النُّذْرُ تناديهم إلى

 

عبثِ الشيطانِ هـلاَّ يستحونْ

عاجلتْهم نقمةُ اللهِ فلـم

 

تـــَرَ فيهم غيرَ واهٍ مستكينْ

حقبٌ تمضي وأخرى أهلُهـا

 

في تبابِ الإثمِ امسوا هامدينْ

مـا تَخَطَّتْهم رَحَى غفلتهم

 

إذْ أتى الفاجـعُ يُنْبِي المرجفينْ

فتـلا آيات ربِّ الناسِ في

 

إذن النَّاسِ عساهم يسمعونْ

ويـلَ مَن بارزَ بالإثـمِ الذي

 

برأ الخَلْقَ، وفـازَ المدلجونْ

هـم بمحرابِ الذين استأنسوا

 

بمناجاةِ إلــهِ العالمينْ

فتراهم ركَّعًـا أو سجَّدًا

 

في عِدادِ الأتقياءِ الصَّالحينْ

قد رأوا نورَ الطريقِ المجتبى

 

فتناءَوا عن طريقِ العابثينْ

وارتضوا نهجًا بدينِ المصطفى

 

لينالوا العفوَ تلقاهُ اليمينْ

هـو ذاك المسلمُ الصَّدَّاحُ في

 

غمرةِ اللاهين في الدنيا سنينْ

بـذلَ النفسَ ومن في يده

 

في سبيلِ اللهِ والشَّرعِ المبينْ

قـد يعاني من أذيَّاتٍ وقـد

 

يُحـرمُ الراحـةَ في ليلِ السجونْ

إنَّـه الملاَّحُ في لجَّتِهـا

 

ولــه المجدافُ يحنو والسَّفينْ

أيُّهـا الملاحُ لاتخشَ اللقــا

 

إنَّـه الطوفانُ يطوي المحنقينْ

إنَّه الطوفانُ نادى أمَّةً

 

هجعتْ بينَ عروشِ الظالمينْ

حسبتْ فيهم بقايا نخـوةٍ

 

أو أثاراتِ حديثِ الأولينْ

إنَّمـا خابتْ ظنونٌ وخبتْ

 

جذوةُ الأمسِ بصدرِ الغابرينْ

إنها الأيامُ يا أُمَّتنا

 

فضحتْ من خفايا الهالكينْ

أنتِ من روحِ زمانِ المصطفى

 

ولـكِ الأمجادُ فحواها مبينْ

وبك الآمـالُ ماكانت سُدى

 

فالبشاراتُ بعهدِ الرَّاشدينْ

إنَّـه جيلُ المثاني مـا ونى

 

أو توارى مثل جيلِ الحائرينْ!

يرفـعُ الجيلُ لـواءً لم يكنْ

 

يخفقُ اليوم بأيدي الخانعينْ

هـاهم الأبرارُ في شامِ الهدى

 

وبمصر العلماءِ العاملينْ

وفلسطين وكم تحلو بها

 

غـزوةُ الفرسانِ رغمَ المقعدينْ

ناصرتْ غزوتَهم إذ مُزِّقتْ

 

بمناقيرِ طيورٍ بيقينْ

ورأينا الكلبَ إذ أنيابُه

 

قطَّعتْ وجهَ شعارِ المجرمينْ

لاأماري إن أتتْ من ربِّنا

 

نجدةٌ تفني وجودَ المجرمينْ

هـم غثاءٌ أعلنوها عنوةً

 

يقتلون المسلمين الآمنينْ

هـم وربي جبناءٌ ماوعوا

 

مالدينا إنْ غزونا مدلجينْ

قـد نفضنا العارَ لا نرضى به

 

وأتيناهم أباةً محنقينْ

وكفانا ما رأينا من أذى

 

إذ تداعتْ أممٌ منذُ قرونْ

إنَّه الجيلُ الذي أكرمَـه

 

ربُّنا الأعلى بأخلاقٍ و دينْ

وبحب لجهـادٍ صفُّه

 

جاءَه مشبوبَ عزمٍ لايلينْ

وبفرسانِ مغاني أُمَّــةٍ

 

ماتخطَّاهم نداءُ المكتوينْ

بارك اللهُ مساعيهم على

 

مدرجِ الإيمانِ هاهـم قادمونْ

رغـمَ نـارِ الكربِ في أرضِ الوغى

 

رغم حقدِ المجرمين الخاسرينْ

رغمَ مَن يعوي بلا فائدةٍ

 

رغـمَ آراءِ الطغاةِ الجاثمينْ

رغـمَ قيظِ الشَّرِّ في جعبته

 

من جحيمِ البأسِ والحقدِ الدفينْ

فهـي الرايةُ رفَّتْ بالهدى

 

في المدى معلنةً عمَّـا يكونْ

دعـوةٌ للهِ لا يُنكرُها

 

غيرُ مرتدّ أثيمٍ مستكينْ

لـم تصنْها غيرُ أيـدٍ عاهدتْ

 

ربَّهـا القاصـمَ ظهرَ الماكرينْ

وهـي الأُمَّـةُ لم تعبأ بمَنْ

 

خذلـوها في البرايا عاجزينْ

مِللُ الباطلِ ضلَّتْ دربَها

 

فتصدَّتْ للهدى في كلِّ حينْ

واشرأبَّتْ هكذا في كِبرِها

 

تجرفُ الحرثَ وتجتثُ الوُكونْ

وإذا الحادي ينادي أُمَّـةً

 

أين أبناؤُكِ أين المؤمنونْ!

تلك آثارُ خطى تاريخِهم

 

ليس تُطوى أو مغانيهـا سُبينْ

تعستْ كلُّ الحشودِ اندحرتْ

 

وبقايا المرجفين الشَّانئينْ

لـم تنم أحداقُ فرسانِ الهدى

 

وهـمُ الأحفادُ ركبُ النَّاشئينْ

يتراءى فيهُمُ وجهُ الضُّحى

 

وسنى الفتحِ على كلِّ جبينْ

بهدى الرحمنِ عاشوا قيمًـا

 

ومآتيها حِسانٌ مـا نُسِيْنْ

وبفتـحٍ لانتصارٍ يُرتَجَى

 

رغـمَ أوغادِ البرايا يحشدونْ

يرثُ الأرضَ عبـادٌ همُّهـم

 

في اتِّباعِ المنقذين المرسَلينْ

فهـم الخيرُ لدنياهـم وإنْ

 

نسيتْهم صفحاتُ الآثمينْ

تعرفُ الدنيا محيَّـاهم إذا

 

فاضَ بالنُّورِ طريقُ السَّالكينْ

وعليهم لم تزل تبكي الدُّنى

 

يوم غابوا عن قضايا القانطينْ

ليس فيهم مترفٌ أخَّـرَه

 

عن نداءاتِ قلوبٍ ايُّ دونْ

تهماُ الأمصارُ إنْ حلُّوا بها

 

فهُـمُ البِــرُّ يواسي البائسينْ

كالأزاهيرِ التي فـوَّاحُها

 

في البساتينِ حباهـا المحتفونْ

باقـةُ الأفراحِ في أيديهم

 

والهـدايا لكئيبٍ وحـزينْ

أنصفوا الناسَ فمـا في أرضِهم

 

غيرُ مسرورٍ تعافى من شجونْ

وعلى الــوُدِّ تصافى جمعُهم

 

بينَ أفـذاذِ الرجالِ المصلحينْ

جانَبُوا الحقدَ وقد فرَّقهم

 

وأشاعوا الــوُدَّ فاسْتُبْقِي مصونْ

لـم تجدْ فيهم فتىً يغضي على

 

حسرةٍ تدمي وما فيهم حرونْ

فهُمُ الأحبابُ في دِينٍ سما

 

بالإخـاءِ العَذْبِ والعهدِ المكينْ

فخصالُ السُّوءِ لم تنبتْ على

 

تربةِ الإسلامِ بين المصطَفينْ

نبذتْهـا أُمَّــةٌ مختارةٌ

 

من بناتٍ صالحاتٍ وبنينْ

يُنْبِئُ الحالُ الذي أكرمَهم

 

بمآتيهِ إلــهُ العالَمينْ

إنَّ ماتُبصرُه العينُ هنــا

 

صاغـه الإسلامُ لايعروهُ هُــونْ

فالسجايا فاضلاتٌ والنُّهى

 

بـرَّأتْ بالحـقِّ مايُملي الظنينْ

هـُنَّ يُومِئْنَ بطُهرٍ إنْ عــرا

 

مَن رمى إخوتَـه للمرجفينْ

وتمارى ماكرًا حرَّضه

 

رأيُـه المخدوعُ من ريبٍ يُدينْ

فجليسٌ صالحٌ عِشْ معه

 

وابتعدْ عمَّن لدنياهُ خدينْ

فأخـو الفضلِ كدوحٍ مزهرٍ

 

وَهْوَ للجُلَّى ويانعمَ القرينْ

فاقطفِ الزَّهرةَ من أفنانها

 

ودعِ الشوكَ لشأنِ الآخرينْ

لايرى الإنسانُ أنْ يؤذي ولا

 

أنْ يسوقَ الشَّرَّ نحو العاجزينْ

تلك إنسانيَّةٌ قد صاغها

 

وحيُ ربِّي من مهامِ المرسلينْ

إنَّمـا المُعْوَجُّ ما أرضعه

 

ثَـدْيُ مَن أصغتْ لقولِ المتَّقينْ

يصعدُ السُّلَّمَ لكنْ لـم يزلْ

 

أسفلَ القاعِ بديجورٍ مهينْ

فترفَّقْ أيُّها المسكينُ لا

 

تـرمِ بالنَّفسِ لأوساخِ السنينْ

لسـتَ أهلا للمعالي إنَّهـا

 

لذوي الألبابِ قومٍ عارفينْ

لـم تقدِّمْ شطرَها ذا سفهٍ

 

بثناءِ الأصفياءِ المخبتينْ

هكذا الأُمَّـةُ يأتي بؤسُها

 

من جحودِ العابثين المفلسينْ

لم تجــدْ من قبلُ مَن يزجرُه

 

فتمادى سفهُ الوغدِ المَهينْ

جـاءَ بالسُّوءِ ولن يرفعَه

 

هكذا ظنَّ الذي لايستبينْ

سيرةٌ عنه مداهـا يُزدَرَى

 

لُـوِّثتْ بالإثـمِ والقُبحِ المُشينْ

أهـو الصُّورةُ في مجتمعٍ

 

تُرْتَجَى! بئس سجايا المفترينْ

جُمعتْ فيه خصالٌ قـد نهى

 

عـن مساويهـا نَبِـيُّ المسلمينْ

ومَن استعدى على إسلامِـه

 

باتَ كالجحشمِ بين المقعدينْ (5)

خسرَ العمرَ فولَّـى نائيًا

 

وتولاهُ مصيرُ الغابرينْ

وتردَّى مفلسًا في عيشِه

 

والمــآلُ النَّــارُ دارُ الهالكينْ

فتأمَّلْ يا أخـا الإسلامِ في

 

صورةِ الإذلالِ ختمِ المُبْعَدينْ

ظنَّ أنَّ المرءَ يعلو مسرفًـا

 

وهـو المغرورُ من ماء وطينْ!؟

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

      هوامش:

       (1) الفاجع: اللهفان المتأسف.

       (2) المعرقين: أعرق الرجل: صار عريقا في الشرف والمكانة.

       (3) السُّها: (أو السُّهى) نجم في كوكبة الدب الأكبر (بنات نعش الكبرى).

       (4) الوزين: مسحوق حبِّ الحنظل.

      (5) الجَحْشَمُ: البعيرُ المُنْتَفِخُ الجَنْبَيْنِ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply