مداواة النفس


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

اِعلم: أنَّ مِنْ العيوب نوعٌ يقدر الإنسان على تغييره فهو يحتاج إلى تكلف ضده حتى يتركه مع الأيام، ومنها نوع ليس بوسعه تغييره لكنه يقدر على تخفيفه فهو يغلب نفسه تارة وتارة تغلبه نفسه، ومن العيوب نوع غالب لا يملك الإنسان تغييره أو تخفيفه؛ فيكون مطالبًا باجتناب ما يثير هذا العيب قدر استطاعته.

وليس من شرط العيب أن يكون صفة سيئة، فقد يكون صفة طيبة في أصلها لكنها جاوزت حدها، أو صادفت غير موضعها، ولهذا فإن بحث الإنسان عن عيوبه لا يكون باستعراض صفاته السيئة فقط، بل لابد أن يستعرض جميع صفاته ويتأمل فيها دون استثناء؛ لأن العيب قد لا يرجع إلى أصل الصفة وإنما إلى أمر خارج عنها.

ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها لمن يعالج عيبًا أصله صفة طيبة:

أن يتحرز من التلبس بصفة مناقضة في سبيل معالجة هذا العيب، وذلك كأن يكون مسرفًا فيتكلف معالجة ذلك فيدخل في حد البخل وهو لا يشعر، وكثيرٌ من أصحاب هذه العيوب لا يحسنون الوقوف في المنتصف، وإنما يخرجون من عيب ليدخلوا في آخر.

ومن التأملات في قضية معالجة العيوب:

أن عيوب الإنسان ليست ثابتة على الإطلاق، فمنها ما يغيب مع مرور الزمان، ومنها ما يستجد له أيضًا، وذلك راجع لأسباب كثيرة منها: اختلاف الظروف والأحوال، ومنها مخالطة بعض الأشخاص، وكما أن الخلطة قد تستخرج أحسن ما في الإنسان فكذلك قد تُخرج أسوأ ما فيه.

ومن أشد ما يلقى الإنسان في تزكية نفسه ومعالجة عيبه:

أنَّ مِن عيوبه ما يخفى عليه (أصلًا) فلا يدرك وجوده، أو يخفى عليه (وصفًا) فلا يستطيع معرفة حجمه، ولهذا فهو بحاجة إلى عاقل يُحسن فهمَه فيكون عونًا له في تجليتها وتحجيمها.

ومن أطال التأمل في هذا الباب تاهت فكرته في أغوار نفسه، وعلم أنه محتاج إلى هداية الله في تزكيتها.

فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply