بين أروقة كلية أصول الدين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

حين تم قبولي في كلية أصول الدين خالطني الكثير من المشاعر المتأججة والمتقلبة، بدًأ من فرص العمل المتاحة وبين خيارات المستقبل المتعددة، وغيرها مما يشل تفكير الطالب في ذلك الوقت. لكن توكلت على الله ودخلت الكلية وكان أفضل قرار اتخذته في حياتي.

تغيرات طالت الجميع!

ولما دخلتُ إلى القاعة الكبرى لكلية أصول الدين بجامعة أمدرمان الإسلامية أول مرة، وجدت كل أنواع الطلاب فيها، ما بين طالب أخذته نسبته في المرحلة الثانوية ورمته في القاعة، فلا هو راضِ عن ذلك ومتذمر آخر يريد إعادة امتحان الشهادة السودانية، وبين حافظ قرآن يريد إكمال دراسته للعلم الشرعي، وبين شباب متهور غير مبالٍ.

ثم بعد دخول الطلاب في أجواء الدراسة حدثت تغيرات عجيبة للجميع لن أنسَ أثرها طول حياتي.

أما الشباب المتهور أصبحوا أكثر تهذيبًا ووعيًا، وازداد تركيزهم على الدراسة، حتى تغيرت هيئتهم بعد أن كانت حلاقة شعرهم غير مرضية ولهجتهم شبابية صارخة.

أما حفظة القرآن الكريم فازدادوا حبًا للعلم الشرعي فتجدهم في الصفوف الأمامية في القاعات متميزين عن غيرهم.

وأما من رمته نسبته وجاء بلا تفكير للكلية تغيرت قناعته فالبعض واصل الدراسة متبركًا بالعلم الشرعي. والبعض الآخر ترك الدراسة وذهب إلى حال سبيله.

حصيلة العلم الشرعي

هذا التغيرات التي طالت الجميع ما هي إلا نتاج وحصيلة العلم الشرعي هذا العلم الذي يهذب الانسان ويحسن لغته وفكره ويتغير في جميع مناح الحياة.

فقد مدح الله تعالى حاملي العلم فقال: }إنما يخشى الله من عباده العلماء{، وخص العلماء بالخشية لأنهم أعرف الناس بالله، وكلما كان العبد بربه أعرف، كان له أرجى ومنه أخوف، فالعلم سبب لمرضاة الله تعالى، في الدنيا والآخرة، والعلم سبب لتقويم السلوك وتهذيب النفوس.

وهذا ما التمسته في زملائي الطلاب.

وحين يدخل الأستاذ إلى القاعة ويدرسك السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أو الحديث أو الفقه تجد نفسك في عوالم أخرى وقد انشرح صدرك وتتمنى ألا ينتهي وقت الدرس.

وهكذا قضينا أيامًا جميلة بين أروقة هذه الكلية العتيقة التي كانت نواة كليات جامعة أمدرمان الإسلامية، رد الله غربتها وغربة الوطن.

عوالم أخرى

فكان أكثر ما يشدني في الكلية أصوات أساتذتنا وعلمائنا!

فلن تجد أجمل من تلك اللحظة حينما تقترب للقاعة وتسمع أصواتهم ومحاضراتهم، فذلك الدكتور حامد الترابي - رحمه الله - حينما يذكرك بالسيرة النبوية ويحدثك عن معارك وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنك تراها رأي العين.

وهذا دكتور محمد البلة يأسرك بالحجج والأدلة الشرعية خلال محاضرة العقيدة الإسلامية.

وهناك تجد البروفسور يوسف عمر حمزة حينما يغوص في تفسير الآيات ومعانيها الخالدة فيسردها بطريقة هادئة رصينة يجعلك تنسى ما حولك فلا تشعر بالوقت والمكان.

لما فعلت ذلك؟

وقد أحزنني ما طال كليات الجامعة من تكسير وتخريب ونهب بل تعدى ذلك إلى حرق الكتب في بعض المكتبات!!

وهذا مصداقا قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا، يُرْفَعُ فِيهِنَّ الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهِنَّ ‌الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهِنَّ الْهَرْجُ" «مسند أحمد» (6/ 367 ط الرسالة).

فالجاهل عدو نفسه قبل أن يؤذي الآخرين. فأنت حينما تحرق وتدمر المكاتب والكليات الجامعية وغيرها فأنت جاهل لا تفقه ما تفعله ومالا تفعله!!

لأنك تعبر عن جهلك وحقدك على العلم والعلماء! ونقول يا ترى ماذا فعلت لك هذه الكتب حتى تفعل بها الأفاعيل!!

فكان أفضل قرار حين التحقت بهذه الكلية العظيمة التي علمتني الكثير من العلم والعمل.

نسأل الله سبحانه أن يجزي معلمينا وأساتذتنا خير الجزاء لما قدموه لنا من علم ومعرفة ودعوة إلى الله فرحم الله من توفي منهم وحفظ الله الأحياء وبارك فيهم وفي علمهم.

إهداء إلى دفعة أصول الدين 2010م

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply