بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وقت صلاة الفجر تشعر أن الجو يملأ النفس أنسًا وبهجة، ويملأ القلب صفاءً ونشوة، ويَملأ الوجه نضارة وفرحة!
جو غير عادي، لم يلوَّث بأنفاس العاصين بعد، ولم يشوَّه بذنوب المُذنِبين، جوٌّ يُطلُّ على قلبك المكدود، فيضخ فيه الدماء، وينبت فيه الحياء، ويجدد فيه البناء، ويترك فيه النقاء، ويزيد فيه الصفاء.
ما أجمل أن يُناديك ربُّك *حي على الصلاة* فتُلبِّي، *حي علي الفلاح* فتُجيب، *الصلاة خير من النوم* فتُصدِّق وتُسرع، وكأن المنادي ينادي: يا نفوس الصالحين في قرب الرحمن وسماع القرآن افرَحي، ويا قلوب المتقين مع الملائكة الشهود امرَحي، يا عشاق الجنة بعبق الفجر تأهَّبوا، ويا عباد الرحمن في رحمة الله ارغَبوا، ارغبوا في طاعة الله وفي حب الله وفي جنة الله.
فطوبى للذين وفِّقوا للاصطفاف خلف الإمام في صلاة الفجر، طوبى للذين كانوا مُستغفرين بالأسحار، مقيمين بالليل، مشرقين بالنهار!
كيف لا وفرضُه يَجعلك في ذمة الله؟!
كيف لا وقد أقسم الله به في القرآن؛ ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر 1، 2؟!].
كيف لا وسنَّته خير من الدنيا وما فيها؟!
كيف لا وحضوره يَجعلك مع ملائكة الرحمن؟!
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾[الإسراء 78].
نعم؛ إنها ليست ذمة ملك من ملوك الدنيا، ولا حاكم من حكام الأرض، ولا رئيس من رؤساء الدول، كلا..
إنها ذمَّة مَلِك الملوك ورب الأرباب، ومسبب الأسباب، وبيده مفاتح كل الأبواب.
إنها ذمة مَن ينادي في الثلث الأخير من الليل: هل مِن داع فأجيب؟ هل مِن تائب فأتوب؟ هل مِن مُستغفِر فأغفر؟ ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾[آل عمران: 135]، إنه سوق الحسنات (أوكازيون) لكن لمن يَملك الثمَن، والثمَن هنا هو الهمَّة العالية، الثمن، ليس جنيهًا أو ريالًا، ليس درهمًا أو دولارًا، وإنما توفيق وإخلاص، وإنما إقدام وحماس، وإنما حبٌّ وقناعة، وإنما قرب وشفاعة.
نعم؛ ذمة خالق الأرض والسماوات ومَن فيهنَّ ومن وصف نفسه فقال: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾ [الزمر: 67].
ذمة الله التي تحيط المؤمن بالحماية له والرعاية في نفسه وولده ودينه وسائر أمره، فيحس بالطمأنينة في كنَفِ الله، ويَشعر بالراحة مع أمان مولاه، ويعلم أن عين الله ترعاه، ليس في الدنيا فحسب، وإنما يوم أن يلقاه.
وإذا العناية لاحظَتْكَ عيونُها
نَمْ، فالمَخاوِفُ كلهنَّ أمانُ
فاستمسكنَّ بحبلِ الله مُعتصِمًا
فإنه الركن إن خانتك أركانُ
كيف لا ومَن خرج لله في ذلك الوقت، لم تُخرِجه دنيا يُصيبها ولا أموال يَقترفها، ولا امرأة يُلاعبها، إنه إذًا يقتبس من نور الفجر.. كيف؟!
قال صلى الله عليه وسلم: "بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة"؛ رواه الترمذي وابن ماجه.
والنور على قدر الظُّلمة، فمَن كَثُر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعمَّ ضياؤه يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم مَن يُغطِّي نورُه مثل الجبل بين يديه، ومنهم مَن يغطي فوق ذلك، ومنهم من يغطي نوره مثل النخلة بيمينه، حتى يكون آخر من يغطي نوره على إبهام قدمه يُضيء مرةً ويَنطفئ مرة".
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد12].
ألا ترغب في الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "مَن صلى البردين دخل الجنة"، والبردان هما الفجر والعصر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".
وهذا تقرير مُشرف ورائع لا يُرفع لرئيسك في العمل، ولا يُرفع من أجل علاوة أو ترقيَة دنيوية، وإنما يرفع لرب السماء الخالق الرازق، يُرفَع عنك يا مَن تُصلي الفجر جماعة من أجل جنة عرضها السماوات والأرض.
قال صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح والعصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم: كيف وجدتم عبادي؟ فيقولون: تركْناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يُصلُّون".
فيا من تُوقِّع على حضورك صلاة الفجر سيَرفع اسمك إلى الملك جل وعلا.
سيُذكر اسمك في السماوات العلا!
ألا يكفيك فخرًا وشرفًا!
وفوق كل ذلك يُزاد رزقُك!
فهذا الوقت وقت البركة في الرِّزق، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ بارك لأمتي في بُكورِها".
هناك كنوز أخرى في صلاة الفجر يُضاعف لها الأجر عند صاحب الأمر.
إنها فرحة لا تُضاهيها فرحة، وأجر لا يطاوله أجر، أن توفَّق لصلاة الفجر، فتُرزق الفرحة والأجر؛ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس 58].
اللهمَّ وفِّقنا لصلاة الفجر في جماعة، وزِد في أرزاقنا، وبارك لنا فيها، وامنحْنا الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد