مُقتضى الأخوة الإسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الخطبة الأولى:

أيها الناس اتقوا الله تعالى وحققوا إيمانكم بتحقيق ما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم طلبًا وخبرًا فإن السعادة لا تحصل إلا بامتثال أمر الله ورسوله والسير على نهجه وطريقه، أيها الناس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن المسلم أخو المسلم وأمر بذلك في قوله: "وكونوا عباد الله إخوانًا"

فهذه الإخوة التي أمرنا بها ليست أخوة في اللسان فحسب ولكنها أخوة عميقة كامنة في النفوس غراسها إخلاص الود وثمراتها المعاملة الحسنة لأخيك والذب عن أخوة تقتضي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك تحب أن يكون صالحًا أن يكون عزيزًا أن يكون قويًا أن يكون غنيًا أن يكون متخلقًا بالأخلاق الفاضلة كما تحب لنفسك أن تكون كذلك تسعى في نصحه وإرشاده وتقويمه سالكًا بذلك أحسن السبل لحصول المقصود كما تحب أن يُسعى لك في هذا: تكره لأخيك ما تكره لنفسك فتكره أن يكون فاسدًا أن يكون ذليلًا أن يكون ضعيفًا أن يكون متخلقًا بالأخلاق السافلة تكره ذلك كله لأخيك كما تكرهه لنفسك لا يكفيك إذا كان أخوك ورأيته على حال لا تحبها لنفسك أن تدعو الله له بإصلاح حاله بل ادع الله له واستعن بالله على فعل الأسباب التي تنقذه مما تكره.

من واجبات هذه الأخوة أن لا تظلمه. لا تظلمه في دمه ولا تظلمه في ماله ولا تظلمه في عرضه كما أنك تكره أن تظلم في هذه الأمور هل من الأخوة أن تأكل مال أخيك بغير حق هل من الأخوة أن تعتدي على حقوقه؟ هل من الأخوة أن تقطع رزقه فتبيع على بيعه وأن تؤجر على إجارته وأن تفالح على مفالحته وأن تخطب على خطبته هل ذلك من الأخوة أن تخدعه أن تغدر به إذا عاهدته أن تغشه إذا عاملته هل من الأخوة أن تتبع عوراته؟

فتعلنها وتنظر إلى حسناته بعين الأعشى فتسترها هل من الأخوة أن تعتدي على عرضه تغتابه فتأكل لحمه ميتًا في كل مجلس لقد شاعت هذه المعصية في الناس وتهاونوا بها واحتقروها مع أنها من كبائر الذنوب سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال: "هي ذكرك أخاك بما يكره قيل: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كانت فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ولقد صارت الغيبة في مجتمعنا عند بعض الناس من فواكه المجالس حتى لا تعمر مجالسهم إلا بها نسأل الله لنا ولهم الهداية.

نعود إلى الحديث فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ما أعظم هذا من ثواب نقد عاجل يكون لأخيك الحاجة فتقوم بها وتعينه عليها فيقوم الله بحاجتك ويعينك عليها فحقيق بمن آمن بهذا وكلنا نؤمن به إن شاء الله- حقيق أن يكون في حاجات إخوانه دائمًا يغيث الملهوف وينصر المظلوم ويعين العاجز.

ويصلح بين المتخاصمين ويؤلف بين المتعاديين ويقضي حاجة من لا يستطيع قضاءها فيطعم الجائع ويكسو العاري ويسقي الظمآن ويدل الأعمى على الطريق ومن كان في حاجة أخيه- قليلة كان أو كثيرة- كان الله في حاجته والجزاء من جنس العمل ومن كان الله في حاجته فلا بد أن تقضى حاجته وتيسر أموره. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُهُ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

 

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون، فاذكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم، وأقيموه لله مُخلصين ولرسوله متَّبعين، واسألوا الله عليه الثبات إلى يوم تلقون رب العالمين.

أيها المسلمون، إن دين الإسلام وصفه الله تعالى بأنه كامل، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}.

ولهذا كان الدين الإسلامي وسطًا بين الأديان السابقة وعدلًا خيارًا ومُهيمنًا عليها، ناسخًا لها، فلا قيام للأديان السابقة مع الدين الإسلامي، ومِن وسطيّته وعدله بين الأديان: أنه كانت شريعة التوراة إذا قتل أحدٌ أحدًا فإنه يجب قتله ولا خيار لأولياء المقتول في العفو عنه كما قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى آخر الآية، وكانت شريعة عيسى بن مريم دون ذلك فكانت توجِبُ السماح والعفو؛ لأن الناس في ذلك الوقت لا يُطيقون المقاصَّة، أما هذا الدين الإسلامي فكان عدلًا ورحمة كما قال الله عزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply