مع سورة الفاتحة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

• سورة الفاتحة من السور ذات الأسماء الكثيرة: أنهاها صاحب الإتقان إلى نيف وعشرين بين ألقاب وصفات جرت على ألسنة القراء من عهد السلف، ولم يثبت في السنة الصحيحة والمأثور من أسمائها إلا: فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم القرآن، أو أم الكتاب.

• فأما تسميتها «فاتحة الكتاب» فقد ثبتت في السنة في أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ".

وفاتحة مشتقة من «الفتح» وهو إزالة حاجز عن مكان مقصود ولوجه، فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا، وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء تشبيها للأول بالفاتح لأن الفاتح للباب هو أول من يدخل، فقيل الفاتحة في الأصل مصدر بمعنى الفتح، كالباقية بمعنى البقاء، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}[الحاقة:8] وكذلك الطاغية في قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}[الحاقة:5] في قول ابن عباس أي بطغيانهم، والخاطئة بمعنى الخطأ، والحاقة بمعنى الحق.

ففاتحة وَصْفٌ وُصِفَ بِهِ مبدأ القرآن، ثم أضيف إلى الكتاب ثم صار هذا المركب علما بالغلبة على هذه السورة.

ومعنى فتحها الكتاب أنها جعلت أول القرآن لمن يريد أن يقرأ القرآن من أوله، فتكون فاتحة بالجعل النبوي في ترتيب السور.

• وأما تسميتها «أم الكتاب» فقد ثبتت في السنة من ذلك ما في صحيح البخاري في «كتاب الطب» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ. فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ، مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ، فَرَقَاهُ فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ. قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ".

• ووجه تسميتها «أم القرآن» أن الأم يطلق على أصل الشيء ومنشئه، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القرآن فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ" أي منقوصة مخدوجة.

وقد ذكروا لتسمية الفاتحة أم القرآن وجوها ثلاثة:

1-أحدها: أنها مبدوه ومفتتحه فكأنها أصله ومنشؤه، يعني أن افتتاحه الذي هو وجود أول أجزاء لقرآن قد ظهر فيها فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ فيكون أم القرآن تشبيها بالأم التي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظهور والوجود.

2-الثاني: أنها تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن وهي ثلاثة أنواع:

- الثناء على الله ثناء جامعا لوصفه بجميع المحامد، وتنزيهه من جميع النقائص، ولإثبات تفرده بالإلهية وإثبات البعث والجزاء وذلك من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.

- والأوامر والنواهي من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ..}.

- والوعد والوعيد من قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ...} إلى آخرها.

فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله، وغيرها تكملات لها، لأن القصد من القرآن إبلاغ مقاصده الأصلية وهي صلاح الدارين وذلك يحصل بالأوامر والنواهي، ولما توقفت الأوامر والنواهي على معرفة الآمر، وأنه الله الواجب وجوده، خالق الخلق، لزم تحقيق معنى الصفات، ولما توقف تمام الامتثال على الرجاء في الثواب والخوف من العقاب لزم تحقق الوعد والوعيد.

والفاتحة مشتملة على هاته الأنواع، فإن قوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله {يَوْمِ الدِّينِ} حمد وثناء، وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إلى قوله {الْمُسْتَقِيمَ} من نوع الأوامر والنواهي، وقوله {صِرَاطَ الَّذِينَ} إلى آخرها من نوع الوعد والوعيد مع أن ذكر {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يشير أيضا إلى نوع قصص القرآن، وقد يؤيد هذا الوجه بما ورد في الصحيح في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] أنها (تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) [رواه مسلم] لأن ألفاظها كلها ثناء على الله تعالى.

3-الثالث: أنها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية، فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها، وإما أحكام يقصد منها العمل بها، فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوءات والمواعظ والأمثال والحكم والقصص، وإما عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات، وإما عمل القلوب -أي العقول- وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة، وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص و {رَبِّ الْعَالَمِينَ} يشمل سائر صفات الأفعال والتكوين عند من أثبتها، و {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين، و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يشمل أحوال القيامة، و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يجمع معنى الديانة والشريعة، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يجمع معنى الإخلاص لله في الأعمال. و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} يشمل الأحوال الإنسانية وأحكامها من عبادات ومعاملات وآداب، و {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يشير إلى أحوال الأمم والأفراد الماضية الفاضلة، وقوله {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يشمل سائر قصص الأمم الضالة، ويشير إلى تفاصيل ضلالاتهم المحكية عنهم في القرآن.

فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة-تصريحا وتضمنا-علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض. وذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية. ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكير لما في مطاويها.

• قال ابن عاشور: إن القرآن أنزل هدى للناس وتبيانا للأحكام التي بها إصلاح الناس في عاجلهم وآجلهم ومعاشهم ومعادهم، ولما لم يكن لنفوس الأمة اعتياد بذلك لزم أن يهيأ المخاطبون بها إلى تلقيها، ويعرف تهيؤهم بإظهارهم استعداد النفوس بالتخلي عن كل ما من شأنه أن يعوق عن الانتفاع بهاته التعاليم النافعة وذلك بأن يجردوا نفوسهم عن العناد والمكابرة. وعن خلط معارفهم بالأغلاط الفاقرة. فلا مناص لها قبل استقبال تلك الحكمة والنظر من الاتسام بميسم الفضيلة. والتخلية عن السفاسف الرذيلة.

فالفاتحة تضمنت مناجاة للخالق جَامِعَةً التَّنَزُّهَ عن التعطيل والإلحاد والدهرية بما تضمنه قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وعن الإشراك بما تضمنه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وعن المكابرة والعناد بما تضمنه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. فإن طلب الهداية اعتراف بالاحتياج إلى العلم، ووصف الصراط بالمستقيم اعتراف بأن من العلم ما هو حق ومنه ما هو مَشُوبٌ بِشُبَهٍ وَغَلَطٍ، ومن اعترف بهذين الأمرين فقد أعد نفسه لاتباع أحسنهما، وعن الضلالات التي تعتري العلوم الصحيحة والشرائع الحقة فتذهب بفائدتها وتنزل صاحبها إلى دركة أقل مما وقف عنده الجاهل البسيط، وذلك بما تضمنه قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. ولأجل هذا سميت هاته السورة «أم القرآن».

• وأما تسميتها «السبع المثاني» فهي تسمية ثبتت بالسنة، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى [هو الحارث بن نفيع] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي" فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي القرآن قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ؟" فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ".

ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين، ويتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات، ومن عد البسملة أدمج آيتين.

وأما وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مُثنّى، مشتق من التثنية وهي ضم ثان إلى أول. ووجه الوصف به أن تلك الآيات تُثَنَّى فِي كُلِّ ركعة. قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة، ولعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة، فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرت صلاة السفر وأطيلت صلاة الحضر، كذا ثبت في حديث عائشة في الصحيح.

وقيل لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثني في مطلق المكرر نحو {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ}[الملك:4] وقولهم: «لبيك وسعديك»، وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}[الزمر:23] أي مكرر القصص والأغراض.

• وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن، وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال.

• وهي سورة مكية باتفاق الجمهور، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}[الحجر:87] والحجر مكية بإجماع. ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغيرها. وقد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها.

وقال كثير: إنها أول سورة نزلت، والصحيح أنه نزل قبلها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق:1] وسورة المدثر ثم الفاتحة، وقال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة.

• وهذه السورة لها مميزات تتميّز بها عن غيرها؛ منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ ومنها أنها رقية: إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للذي قرأ على اللديغ فبرئ، وقال: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" [البخاري].

• وذكر القرطبي في تفسيره: من أسماء الفاتحة: «الأساس»، شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة، فقال: عليك بأساس القرآن، فاتحة الكتاب، سمعت ابن عباس يقول: لكل شيء أساس، وأساس الدنيا مكة لأنها منها دحيت، وأساس السماوات عَريبًا وهي السماء السابعة، وأساس الأرض عجيبًا وهي الأرض السابعة السفلى، وأساس الجنان جنة عدن وهي سرة الجنان عليها أسست الجنة، وأساس النار جهنم وهي الدركة السابعة السفلى عليها أسست الدركات، وأساس الخلق آدم، وأساس الأنبياء نوح، وأساس بني إسرائيل يعقوب، وأساس الكتب القرآن، وأساس القرآن الفاتحة، وأساس الفاتحة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى.

• روى مسلم عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ: "أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ".

• وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُبَيُّ" وَهُوَ يُصَلِّي، فَالتَفَتَ أُبَيٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ، وَصَلَّى أُبَيٌّ فَخَفَّفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: "أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِي إِلَيَّ أَنْ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}" [الأنفال:24]) قَالَ: بَلَى، وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: "تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟" قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ"؟ قَالَ: فَقَرَأَ أم القُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

• قال عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إن الله جمع علم الأولين والآخرين في القرآن، وجمع الله علم القرآن في الفاتحة، وجمع علم الفاتحة في آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه  رحمه الله: *هي الكافية تكفي عن غيرها، ولا يكفي غيرها عنها*.

وقال التابعي الحسن البصري رحمه الله: *من علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة*.

• وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة، فصاروا يختمون بها الدعاء، ويبتدئون بها الخُطب، ويقرؤونها عند بعض المناسبات خاصة على روح الميت، وهذا غلط: تجده مثلًا إذا دعا، ثم دعا قال لمن حوله: *الفاتحة*، يعني اقرؤوا الفاتحة؛ وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه، أو في أحواله. وهذا أيضًا غلط؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply