بالحب في الله نتجاوز الأزمات


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ مِن شَهرِ رَجَبٍ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الحُبٍ فِي اللهِ.

2- عَلَامَاتُ وَبَرَاهِينُ الحُبِّ فِي اللهِ.

3- أَسْبَابُ تَحقِيقِ الحُب فِي اللهِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التَّذْكِيرُ بِفَضَائِلِ وَثَمَرَاتِ الحُب فِي الله وَعَلَامَاتِهِ، وَأَسْبَابِ تَحقِيقِهِ.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، بِالحُبِّ فِي الله نَبْنِي أَنْفُسًا زَكِيَّةً، وَبِالْحُبِّ نَبْنِي أُسَرًا مِثَالِيَّةً، وَبِالحُبِّ نَبْنِي مُجْتَمَعًا مِثَالِيًّا يُضرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَبِالحُبِّ تُبْنَى الأَوْطَانُ، وَتُعمَرُ الدِّيَارُ، وَبِالحُبِّ تُبنَى الأُمَمُ.

بِالْحُبِّ نَسْتَطِيعُ بِفَضْلِ اللهِ تعالى أَنْ نَتَجَاوَزَ العَرَاقِيلَ وَالعَقَبَاتِ، وَأَنْ نَتَغَلَّبَ عَلَى الأَزَمَاتِ، وَأَنْ نُحَقِّقَ فِيمَا بِيْننَا التَّغَافُلَ عَنِ الهَفَوَاتِ وَالزَّلَّاتِ، وَالتَّحَمُّلَ والصَّبْرَ وَالاحتِسَابَ؛ هَذَا إِذَا كَانَ الحُبُّ للهِ وَفِي اللهِ، بِأَمْرِهِ وَعَلَى مُرَادِهِ، وَعَلَى مُرَادِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَإِنَّ الحُبَّ فِي اللهِ وللهِ؛ لَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الفَردِ وَالأُسَرِ وَالمُجتَمَعَاتِ فِي الخُرُوجِ مِنَ الأَزَمَاتِ؛ فَهُوَ مَخْرَجٌ آمِنٌ مِنَ الأَزَمَاتِ وَالعَرَاقِيلِ، إِذَا حَقَّقنَاهُ؛ سَيَكُونُ البُنيَانُ المَرصُوصُ لِلْمُجتَمَعِ الوَاحِدِ، الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كما في الصحيحين عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

وفي صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه".

وأما إذا لم نحقق الحب في الله بيننا فما الذي سيكون البديل؟ الحقد والكراهية والحسد، والأنانية والاستغلال والاستحواذ، إلى آخر هذه الأمراض الفتاكة التي إذا حلت بساحة مجتمع أضعفته وجعلته ضعيفا لا قدرة له على مواجهة مشاكله وأزماته.

عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "دَب إِلَيكُم داءُ الأُمَمِ قَبلَكُمُ الحَسَد والبَغضاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"؛ [رواه التِّرمذي، وأحمد، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح سنن التَّرمذي].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ؟ قَالَ: "الْأَشَرُ، وَالْبَطَرُ، وَالتَّكَاثُرُ، وَالتَّنَاجُشُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ؛ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ"؛ [رواه الحاكم، والطَّبراني، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع].

- الأشر: أي كفر النعمة.

- ‏والبطر: أي الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح.

- ‏والتكاثر: أي من جمع المال.

- ‏والتشاحن: أي التعادي في الدنيا.

- ‏والتباغض والتحاسد: أي تمنى زوال النعمة عن الغير.

- ‏حتى يكون البغي: أي مجاوزة الحد.

- ‏ثمَّ الْهَرْجُ: أي القتل.

ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المعاني وترسيخها في قلوب الصحابة والأمة؛ وذلك ببيان فضل وثمرات الحب في الله تعالى، وربط ذلك بقضايا الإيمان.

1- فَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْحُبَّ فِي اللهِ: مِنْ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ.

فقد روى أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟"، قُلْنَا: الصَّلَاةُ قَالَ: "الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ"، قُلْنَا: الصِّيَامُ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرْنَا الْجِهَادَ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ"؛ [حسنه الألباني في صحيح الترغيب].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مِن أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبُغْض في الله عز وجل"؛ [رواه الطبراني والبيهقي بسند صحيح].

2- وَأَنَّ الحًبَّ فِي اللهِ: مِنْ عَلَامَاتِ بُلُوغ العَبْد كَمَال الإِيمَانِ.

عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ"؛ [رواه أبو داود، والحاكم، وصححه الألباني].

3- وَأَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ الحُبِّ فِي اللهِ: أَنْ يَجِدَ وَيَتَذَوَّقَ طَعمَ الإِيمَانِ.

ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل"؛ [رواه الحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، وأصله في الصحيحين].

4- وَأَنَّ الحًبَّ فِي اللهِ: مِنْ أَفْضَل وَأَحَبّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تَعَالَى.

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الأعمال إلى الله الحبُّ في الله والبُغْض في الله"، وفي رواية: "أفضلُ الأعمال الحب في الله، والبغض في الله"؛ [رواه أحمد وأبو داود، وضعفه الألباني]

5- وَمِنْ ثَمَرَاتِ الحُبِّ فِي اللهِ: أَنَّهُ مِنَ أَعظَم أَسبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ جَلَّ جَلَالُه.

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ"؛ [رواه مالِك بإِسناد صحيح، وهو في صحيح الجامع].

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن أصدق المتحابِّينَ في الله هو الأحب إلى الله والأفضل عنده.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا تَحَابَّ رجُلاَنِ في الله إِلاَّ كَانَ أَحبهُمَا إلى الله عز وجل أَشَدهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ"، وفي رواية: "ما تحاب اثنانِ في الله تعالى؛ إلا كان أَفضَلُهُما أَشَدَّهُما حبًّا لصاحبه"؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني في صحيح ابن حبان].

6- وَمِنْ ثَمَرَاتِ الحُبِّ فِي اللهِ: أَنَّ العَبْدَ يُحشَرُ وَيُبعَثُ يَوْمِ القِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّهُم.

ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددتَ لها؟"، قال: لا شيء إلا أني أحبُّ اللهَ ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنتَ مع مَن أحببت"، قال أنسٌ: فما فرِحنا بشيءٍ فَرَحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع مَن أحببتَ"، قال أنس: فأنا أُحِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبِّي إياهم، وإن لم أعمَل بمثل أعمالهم.

7- وَمِنْ ثَمَرَاتِ الحُبِّ فِي اللهِ: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

فإذا ما كان يوم القيامة؛ يوم يحشر الناس حفاةً عراةً غُرْلًا، وتقترب الشمسُ مِن رؤوسهم قدر مِيل، ويغوصُ الناس في عَرَقِهم، كلٌّ حَسَب عمله، فإن الله تعالى يُكرِم المتحابين في الله ولله بظلِّ عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّه تعالى يقولُ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وذكر منهم: ورَجُلان تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ".

8- وَمِنْ ثَمَرَاتِ الحُبِّ فِي اللهِ: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ؛ بَلْ وَالتَّكْرِيم فِي دَرَجَاتِهَا العَالِيَةِ.

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ مِن نور يغبطُهم النبيون والشهداء"؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.]

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليبعَثَنَّ اللهُ أقوامًا يوم القيامة في وجوهِهم النورُ على منابرِ اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء"، قال: فجثا أعرابيٌّ على ركبتَيْه، فقال: يا رسول الله جَلِّهم لنا نعرِفْهم؟ قال: "هم المتحابُّون في الله، مِن قبائلَ شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكُرونه".

ومن صور التكريم أيضا في الجنة؛ ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ المتحابينَ لَتُرى غُرَفُهُم في الجَنَّةِ كالكَوْكَبِ الطَّالِعِ الشَّرْقيِّ والغَربِيِّ فيقالُ: مَنْ هؤلاءِ؟ فيقالُ: هؤلاءِ المتحابونَ في اللهِ عزَّ وجلَّ".

الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: عَلَامَاتُ وَبَرَاهِينُ الحُبِّ فِي اللهِ.

• كيف تؤكد وتبرهن أنك تحِبُّ في الله؟

1- أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".

2- بَذْلُ النَّصِيحَةِ.

في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ"، قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأَجِبْه، وإذا استنصحَك فانصحْ له، وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ، وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعْه".

وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، فقال رجل: يا رسول الله، أنصُرُه إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالمًا، كيف أنصُرُه؟ قال: "تحجُزُه أو تَمنَعُه من الظُّلمِ؛ فإن ذلك نصرُه".

3- حُسْنُ الظَّنِّ بِأَخِيهِ المُسْلِمِ.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا".

4- التَّغَافُلُ عَنْ أَخْطَاءِ أَخِيهِ المُسْلِمِ.

فالتصبر وتحتسب؛ وكما يقولون في المثل الشعبي: *حبيبك يبلع لك الزلط*.

5- الإِيثَارُ.

ومعناه: أن يُقَدِّمَ الإنسانُ حاجةَ غيره من الناس على حاجته؛ وهو عكس الأنانية، وحب النفس، والطمع، والجشع، والاستحواذ، وغيرها من رذائل ودنايا الأخلاق.

وهذه المرتبة العالية فعلها الصحابة من الأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد ضربوا أروع الأمثلة في محبة الخير للآخرين وإيثارهم على أنفسهم؛ فقد قال الله تعالى في شأنهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

والإيثار صورة من صور التكافل الاجتماعي وترابط المجتمع المسلم؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّين إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ".

6- أَنْ يَمْشِيَ مَعَ أَخِيهِ المُسُلِمِ فِي حَاجَتِهِ، وَتَفْرِيجِ كُربَتِهِ.

في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ".

وعن ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فِي مَسْجِدِي هَذَا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ"؛ [رواه الطبراني، وحسنه الألباني في الصحيحة].

7- سَترُ أَخِيهِ المُسْلِمِ.

ففي الحديث الصحيح: "وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ".

8- الدُّعَاءُ لَهُ بِظَهْرِ الغَيْبِ.

في صحيح مسلم عَن أَبي الدَّردَاءِ رضي الله عنه، أَنَّهُ سمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِن عبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعُو لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلكُ ولَكَ بمِثْلٍ"، وفي راوية: "دَعْوةُ المرءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابةٌ، عِنْد رأْسِهِ ملَكٌ مُوكَّلٌ كلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بخيرٍ قَال المَلَكُ المُوكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بمِثْلٍ".

نسأل الله العظيم أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يصلح أحوالنا.

 

الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ: أَسْبَابُ تَحقِيقِ الحُب فِي اللهِ.

1- الدُّعَاءُ.

وذلك بأن يؤلف بين قلوبنا؛ فإن القلوب بيد الله تعالى.

قال الله تعالى: {وَأَلَّفَ بَینَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِی ٱلأَرضِ جَمِیعًا مَّا أَلَّفتَ بَینَ قُلُوبِهِم وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَینَهُم إِنَّهُۥ عَزِیزٌ حَكِیم}.

وروى مسلم عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرِو رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".

ولذلك كان من دعاء أهل الإيمان كما أخبر به الرحمن: {وَٱلَّذِینَ جَاءُو مِن بَعدِهِم یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغفِر لَنَا وَلِإِخوَ نِنَا ٱلَّذِینَ سَبَقُونَا بِٱلإِیمَـٰنِ وَلَا تَجعَل فِی قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِیمٌ}.

2- العَمَلُ الصَّالِحُ.

لأن العمل الصالح ثمرة من ثمرات الإيمان؛ فيشترك الظاهر مع الباطن فتكون ثمرة ذلك؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}

وفي الحديث الصحيح: "وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه".

فتصل بالمحافظة على الأعمال الصالحة والنوافل إلى هذا الهدف العظيم وهو محبة الله تعالى؛ فإذا أحبك حبب فيك خلقه؛ ففي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحبَّ الله العبدَ نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض".

3- إِفْشَاءُ السَّلَامِ.

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم".

4- الزِّيَارَةُ فِي اللهِ تَعَالَى.

فإن من أعظم الأسباب التي تؤسس هذه المعاني؛ زيارة مشروعة في غير أوقات كراهة.

ففي الحديث الصحيح: "قالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ".

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ على مَدرجَتِهِ ملَكًا، فلمَّا أتى عليهِ قالَ: أينَ تريدُ؟ قالَ: أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ. قالَ: هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ. قالَ: فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ".

5- الهَدِيَّةُ.

فإن الهدية شأنها عظيم ومؤثرة جدا؛ فهي توثِّق المحبة، وتمتن العلائق، وتزيل من النفوس ما علق فيها من ضغائنَ.

وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَهَادُوْا تَحَابُّوا"؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ.]

واسمع لهذا الحديث العجيب: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "تَهَادَوْا؛ فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَسُلُّ السَّخِيمَةَ"، وفي راوية: "عليكم بالهدية فإنها تذهب بالضغينة وتزيد المحبة"؛[رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ].

6- وَمِنَ الأَسْبَابِ أَيْضًا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا: أَنْ تُبَادِلَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِ.

فإنه سيحبك حُبًّا لا نظير له وأنت كذلك؛ واسمع لقول الله جل جلاله: {وَلَا تَستَوِی ٱلحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُ ٱدفَع بِٱلَّتِی هِیَ أَحسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَینَكَ وَبَینَهُۥ عَدَ وَة كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمٌ}.

7- الزُّهْدُ فِي الدُّنْيِا، وَفِيمَا عِنْدَ النَّاسِ.

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عند النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاس"؛ [رواه ابن ماجه، والحاكم].

8- إِخْبَارُ المُحِبِّ لِمَنْ يُحِبُّهُ فِي اللهِ.

عن المِقْدَادِ بن مَعْدِي كَرب رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّهُ"؛ [رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.]

وفي رواية: "إذا أحب أحدكم أخاه في الله، فليعلمه؛ فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة"؛ [حسنه الألباني في صحيح الجامع].

وعن أنس رضي الله عنه أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعلَمته؟"، قال: لا، قال: "أعلِمْه"، قال: فلحقه، فقال: "إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له"؛ [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply