خطورة الشحناء


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الهدف من الخطبة:

التحذير من خطورة الشحناء بين المسلمين، وتأثير ذلك على قضية رفع الأعمال إلى الله تعالى، مع بيان أسباب الشحناء، وأسباب السلامة والنجاة منها.

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، هل سمِعتُم بِعبْدٍ يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، ويحرص على الطاعات والعبادات، ويجتهد في فعل الخيرات، ثم يُفاجَأ في النهاية بأن أعمالَه متأخِّرةٌ عن القبول والمثوبة، متوقِّفة بأمرٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى؟! كيف ذلك؟!

عبد، مُوحِّد، مجتهد، ثم يُؤخَّر عن القبول والمغفرة؟!

ما هو السبب؟

الجواب: لأنه مصابٌ بِداء خطير، وجرم كبير؛ إنه داء الشحناء والخصومة [نسأل اللهَ السلامة والعافية]؛ فتراه يحمل في قلبه الشحناء والبغضاء على إخوانه، أو على أحد من أرحامه، أو بعض أصدقائه وجيرانه، ثم إذا فتَّشْتَ عن سبب هذه الخصومة، وجدْتَها بسبب عرض زائل من الدنْيا، والتي لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة!

فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"؛ أي: رُدُّوهما وأخِّرُوهما!

وفي رواية:"فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا، هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا".

وفي رواية:"تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ"؛ [رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني].

إنها الشحناء؛ وهي: امتلاء الصدر بالعداوة والبغضاء والخصومة، والغل والحقد.

فإن خطرها عظيم، وضررها على العبد جسيم، وعواقبها وآثارها وخيمة؛ وإليك طرفا منها:

1-  عدم رفع أعماله إلى الله تعالى: فقد روى ابن ماجه في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلاَثَةٌ لاَ تَرْتَفِعُ صَلاَتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ"؛ أي: متخاصمان.

2-  ومن عواقب وآثار الشحناء: التفرق والضعف والهوان للأمة كلها: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الْهَرْجُ"؛ [رواه الطَّبراني، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع].
وقد حذرنا الله تعالى من ذلك في قوله:﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾؛ [الأنفال: 46]
.
فإن الشحناء من الأمراض الفتاكة التي إذا حلت بساحة مجتمع أضعفته وجعلته ضعيفا لا قدرة له على مواجهة مشاكله وأزماته.

3-  ومن عواقب وآثار الشحناء: الوقوع في ما حرمه الله تعالى، وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم عنْ أنسٍ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لاَ تَباغَضُوا، وَلاَ تحاسدُوا، ولاَ تَدابَرُوا، وَلاَ تَقَاطعُوا، وَكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يهْجُرَ أخَاه فَوقَ ثلاثٍ".
وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانًا".

4-  ومن عواقب وآثار الشحناء: التعرض لسوء الخاتمة، والوعيد بالنار والعياذ بالله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ"؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].

5-  ومن عواقب وآثار الشحناء: قطيعة الرحم والتَّهاجُرُ بين المسلمين. ففي الصحيحين عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ".

6-  ومن عواقب وآثار الشحناء: الوقوع في الغيبة والنميمة وتتبُّع الزلات والهمز واللمز.
فقلّما تجد من يحمل في قلبه شحناءَ على مسلم إلا وسعى في كل مجلسٍ إلى عيْبه وهمزه ولمزه وتنقُّصه، بل ربما وقع في الكذب في بعض الأحيان، وفي الظلم وتجاوز الحدّ، والفجور في الخصومة.

7-  ومن عواقب وآثار الشحناء: أن الأمة حرمت من معرفة وقت أعظم ليلة؛ وهي ليلة القدر والتي بين الله تعالى فضلها في قوله:﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾.
ففي صحيح البخاري عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: خرج رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ أَصْحَابَهُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ، فَاخْتُلِجَتْ مِنِّي، فَاطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، أَوْ تَاسِعَةٍ تَبْقَى، أَوْ خَامِسَةٍ تَبْقَى". ؛ فَتَلاحَى: أي تنازع وتخاصم رجلان فرفعت ولعل في رفع علمها خيرا للأمة.

8-  ومن عواقب وآثار الشحناء: أنه منفر للملائكة وجالب للشياطين: فقد روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، "أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ غَضِبْتَ وَقُمْتَ، قَالَ:إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ"؛ [رواه أحمد، وأبو داود، والبزار، والبغوي، والبيهقي].

الوقفة الثانية: ما هي أسباب الوقوع في الشحناء؟

وأما أسباب الشحناء فهي كثيرة ومنها:

1-  تحريش الشيطان بين المؤمنين: فقد قال الله تعالى:﴿وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾؛ [الإسراء: 53]، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ".
ويبعث سراياه بين الناس؛ لإفسادهم، وإيقاع الشحناء بينهم
. ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن إبليسَ يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجِيءُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجِيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت".
ولقد بين لنا المولى جل جلاله علاج ذلك؛ كما قال تعالى:﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ [فصلت:36]
.

2-  ومن أسباب الشحناء: الغضب: فإن الغضب مفتاح كل شر؛ ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجلَ بأن لا يغضب، فردد مرارًا فأوصاه بهذه الوصية العظيمة.
ولذا كان الذي يملك نفسه عند الغضب هو الأشد والأقوى؛ كما في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
قال ابن القيم رحمه الله: أي أن مالك نفسه عند الغضب أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال
.
ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج ذلك إذا تعرض له الإنسان؛ كما في الصحيحين عنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ جالِسًا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ورجُلان يستَبَّانِ وأَحدُهُمَا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتفَخَتْ أودَاجهُ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لَوْ  قَالَهَا لَذَهَبَ عنْهُ مَا يجِدُ، لوْ قَالَ: أَعْوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ منْهُ مَا يجدُ". فقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تعوَّذْ بِاللِّهِ مِن الشَّيَطان الرَّجِيمِ".

3-  ومن أسباب الشحناء: الحسد: عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين"؛ [رواه التِّرمذي، وأحمد، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح سنن التَّرمذي].
والحسدُ: هو تمنّي زوال النعمة عن الآخرين، وهو مرضٌ من أخطر أمراض القلوب
.

4-  ومن أسباب الشحناء: كثرة الجدال والمراء، والتعصّب للرأي: ولذلك ضمن النبي صلى الله عليه وسلم بَيتًا في الجنة لمن ترك الجدال، فقال:"أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا"؛ [رواه أبو داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه].

5-  ومن أسباب الشحناء: التنافسُ على الدنيا: ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، في قصة قدوم أبوعبيدة بن الجراح بمال البحرين، وسمعت الأنصار بقدومه فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم قال:"والله ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ".
وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذاتَ يومٍ لأصحابِه:"إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ".

6-  ومن أسباب الشحناء: النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد؛ فهي من أعظم أسباب الشحناء والقطيعة والتنافر، ووسيلة إلى التفريق بين الناس، وإفساد قلوبهم؛ فكم هدمت من البيوت والأسر، وكم فرقت بين الأحبة، وكم تقطعت بسببها الأرحام؟
ولذا جاء الترهيب منها؛ ففي الصحيحين عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ".
وهي من أسباب عذاب القبر، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبرين فقال:"إنَّهُما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كَبيرٍ؛ أمَّا أحَدُهُما: فكان لا يَستَتِرُ مِنَ البَولِ، وأمَّا الآخَرُ: فكان يَمشِي بالنَّمِيمةِ".

7-  ومن أسباب الشحناء: سوء الظن: وقد نهانا المولى سبحانه وتعالى عن ذلك:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾؛ [الحجرات: 12].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا
".
نسأل الله العظيم أن يؤلف بين قلوب المسلمين
.

 

الخطبة الثانية: أسباب السلامة والنجاة من الشحناء:

1-  الإكثار من الدعاء وسؤال الله عز وجل أن يطهِّر القلبَ من هذا المرض: ولذا كان من دعاء أهل الإيمان: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾؛ [الحشر: 10]. وقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "واسْلُل سخيمةَ قلبي".

2-  حُسنُ الظن بالمسلمين، وإعذار المخطئ من الناس. فإن المسلمَ حين يحمل إخوانه على مبدأ حسن الظن ويعذرهم إذا أخطئوا فإن قلبه يبقى سالمًا له من الغلّ والشحناء.

3-  صيامُ ثلاثة أيام من كلّ شهر: فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:"أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"؛ [رواه النسائي وصححه الألباني].

4-  الهديةُ: فإن الهدية شأنها عظيم ومؤثرة جدا؛ فهي توثِّق المحبة، وتمتن العلائق، وتزيل من النفوس ما علق فيها من ضغائنَ.
وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَهَادُوْا تَحَابُّوا"؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ].
واسمع لهذا الحديث العجيب: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"تَهَادَوْا؛ فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تَسُلُّ السَّخِيمَةَ"؛ [رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ]. وفي راوية:"عليكم بالهدية فإنها تذهب بالضغينة وتزيد المحبة".

5-  إفشاء السلام: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم".

6-  الكلمة الطيبة: قال الله تعالى﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾؛ [الإسراء: 53].

7-  ومن الأسباب أيضا لمن قدر عليها أن تبادل من أساء إليك بالإحسان إليه: فإنه سيحبك حبا لا نظير له وأنت كذلك؛ واسمع لقول الله جل جلاله:﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾؛ [فصلت: 34].
وقال تعالى:﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾؛ [المؤمنون: 96].

8-  الزهد في الدنيا: فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عند النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاس"؛ [رواه ابن ماجه، والحاكم].

نسأل الله العظيم أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

          -إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

          -وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply