حال المؤمن إذا وقع في الذنب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الخامسة من شهر جمادى الأولى ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء: حال المؤمن إذا وقع في الذنب:

1-  الاعتراف بالذنب.

2-  عدم نسيان الذنب.

3-  الخوف من عقوبة الذنب.

4-  أعمال صالحة مكفرة للذنب.

الهدف من الخطبة:

التذكير بحال المؤمن إذا وقع في الخطأ، وأنه سريع الرجوع، ولا ينسى ذنوبه، ويخاف من عقوبتها؛ فيدفعه ذلك إلى التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة للسيئات.

مقدمة ومدخل للموضوع:

في السنة السادسة من الهجرة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا؛ رأى أنه يطوف حول البيت، محرما معتمرا وساعيا بين الصفا والمروة، وأنه أخذ مفتاح الكعبة، ورأى عددا من أصحابه كذلك يطوفون حول البيت، ويسعون بين الصفا والمروة، ومنهم من حلق ومنهم من قصر، فقصَّ الرؤيا على أصحابه فاستبشروا خيرًا وفرحوا بها فرحا شديدا (فإلى هذه السنة لم تكن مكة فتحت بعد)، وجهَّزوا أنفسهم للإقبال على بيت الله؛ فقد طالت فترةُ البُعد، وزاد الاشتياقُ.

وبالفعل خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس هذه السنة وكانوا (ألفا وأربعمائة) ولما وصلوا إلى ذي الحليفة ميقات أهل المدينة ولبوا بالعمرة وساقوا معهم الهدي، ولم يخرجوا بسلاح، إلا بسلاح المسافر‏، والسيوف في القُرُب‏؛ حتى وصلوا ونزلوا بمكان يسمى (الحديبية) قريبا من مكة.

وقد وصلت الأخبار إلى قريش بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة، فأبت قريشٌ أن تسمح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأداء العمرة، وقرروا أن يصدوهم عن بيت الله هذا العام؛ حتى لا تقول العرب: دخل عليهم عنوة.

وحدثت مناوشاتٌ كلامية، بل وصل الأمر إلى الالتحام بالمسلمين والتحرش بهم، وأرسلت قريش الرسلَ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للتفاوض معه؛ حتى تم الاتفاقُ على معاهدة، عُرِفت في التاريخ بـ (صلح الحديبية).

ونص الصلحُ على البنود التالية:

1-  أن تضع الحربُ أوزارَها عشر سنين، يأمن فيها الناسُ، ويكفُّ بعضُهم عن بعض.

2-  أنه من أتى محمدًا من قريشٍ بغير إذن وليِّه ردَّه عليهم، ومن جاء قريشًا ممَّن مع محمدٍ لم يردُّوه عليه.

3-  وأنه مَن أحَب أن يدخل في عقد محمدٍ وعهده دخَل فيه، ومن أحَبَّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

4-  وأنك ترجع عنَّا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فدخلتَها بأصحابك فأقمتَ فيها ثلاثًا.

وأصاب الصحابةَ مِن توقيع هذا الصلح همٌّ وغمٌّ، وظنوا أنهم قد بُخِسوا حقَّهم، وتعاظم الأمرُ في نفوسهم، لأنهم سيضطرون إلى خلع ملابس الإحرام من غير أن يدخلوا مكة، ورأوا أن ذلك رضا بالدُّون إلى حدِّ أنهم عندما أمرَهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينحَروا ويحلِقوا ويتحللوا، لم يُجِبْه أحدٌ إلى ذلك.

حتى أشارت إليه أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ:"يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ؛ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا".

وكان أشدهم حزنا وغَمًّا وغضبا، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، الذي جاء يراجعه، ويقول: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟! فَقَالَ: بَلَى. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟! قَالَ: بَلَى. فقَالَ: فَعَلَى مَا نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ونَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟!" فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، أنا رَسُولُ اللَّهِ، ولست أعصي الله، وهو ناصري، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا)) ، فيقول عمر: ألم تخبرنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل أخبرتكم أنّا نأتيه هذا العام؟)) فيقول عمر: لا. قال: ((فإنك آتيه ومطوف به)).

فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنهما، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أبوبكر رضي الله عنه: هُو رَسُولُ اللَّهِ، ولن يعصي الله، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا فالزم غرزه إلى أن تموت.

فنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ونزل قول الله تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}.

يقول عمر رضي الله عنه: (لقد ندمت على كلماتي هذه ؛ فما زلت أتصدق وأصوم، وأصلي وأعتق من الذي قلته يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى ظننت أنه والله كان خيرًا).وبعد سرد هذا الموقف؛ تعالوا إلى ما أردت التذكير به؛ وهو: ما هو حال المؤمن إذا وقع في الذنب أو الخطأ؟

أولًا: الاعتراف بالذنب والندم عليه، وعدم الإصرار عليه:

لقد ندمت على كلماتي هذه، اعتراف في التو والحال؛ هكذا هو حال المؤمن الخائف من الذنب؛ فإن الاعتراف هو أول خطوة في طريق الإصلاح والتوبة التصوح؛ وكما قيل: الاعتراف يهدم الاقتراف.

قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)).

وتأمل إلى أدعية الأنبياء والمرسلين: فهذا آدم عليه السلام وزوجه عندما أكلا من الشجرة:{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وهذا موسى عليه السلام يعترف بخطئه ويطلب المغفرة من ربه حينما قتل رجلا من بني إسرائيل دون قصد:{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

وهذا يونس عليه السلام عندما خرج مغاضبا من قومه، والتقمه الحوت، فتذلل إلى الله تعالى، واعترف بخطئه:{لا إلهَ إلاَّ أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ}.

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم والذي فيه اعتراف بالذنب وذلك عندما قال: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ: قُلْ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)).

ولذلك أفضل صيغ الاستغفار؛ هو سيد الاستغفار:

فقد روى البخاري عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ)) .

وفي الحقيقة: أن العبد إن لم يعترف بذنبه في الدنيا ويتوب منه؛ سيعترف به يوم القيامة ولن ينفعه الاعتراف حينها.

قال الله تعالى:{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}، وقال تعالى:{فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

فإن الاعتراف بالذنب فيه السلامة؛ من قبل أن يأتي يوم تكون فيه الندامة. فما أحوجنا لمثل هذا التصرف الحسن، وهذا السلوك العظيم عند الوقوع في الخطأ في حق الآخرين.

 

ثانيًا: عدم نسيان الذنب:

(فما زلت أتصدق وأصوم، وأصلي وأعتق من الذي قلته يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى ظننت أنه والله كان خيرًا). هكذا هو حال الخائف من الذنب لا ينسى ذنوبه؛ ومن باب أولى لا ينسى نفسه حتى لا يقع في الذنب والمعصية.

قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. فإن من أعظم الظلم أن ينسى الإنسان ذنوبه.

قال الله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، ولذلك استحق العقاب:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}.

قال أحد السلف: لا تنس التفكر في ثلاث: في ذنوبك فتستغفر لها، وفي نعم الله فتشكرها، وفي الآخرة فتستعد لها.

لأنك إن نسيت هذا الذنب فهناك ملكان لم ينسياه، وجوارح لم تنساه وستشهد به يوم القيامة، والله جل في علاه قد أحصاه ولن ينساه.

قال الله تعالى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}

وتأمل إلى أحوال سلفنا الصالح في عدم نسيان ذنوبهم.

قال ابن سيرين رحمه الله: إني لأعرف الذنب الذي حمل عليَّ به الدَّين، قلتُ لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس. قال أبو سليمان الداراني: قلّت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبنا، فليس ندري من أين نؤتى.

وقال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل بذنب أحدثته خمسة أشهر. وترجع خطورة نسيان الذنب والتفريط أنه قد يكون في حد ذاته عقوبة من الله تعالى.

قال الله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وقال تعالى:{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ}.

قال أبو سليمان الداراني: إنما هانوا عليه فعصوه؛ ولو كرموا عليه لمنعهم منها. ومن فوائد عدم نسيان الذنب؛ أنه يورث الذل والانكسار وعدم الوقوع فيه مرة أخرى (ديمه بين أعيونك).

ومن الناس من ينسى ذنوبه وينشغل بذنوب الآخرين ولربما ظل سنوات طويلة يتذكر ويحصى معايب وأخطاء الآخرين (مرة دار في! ودار في!).

نسأل الله العظيم أن يتوب علينا أجمعين، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.

 

الخطبة الثانية: ثالثًا: الخوف من عقوبة الذنب:

(فما زلت أتصدق وأصوم، وأصلي وأعتق من الذي قلته يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به)، هكذا هو حال المؤمن يخاف من الذنب، ومن عقوبته؛ لأن العقوبة يوم القيامة: نار، جهنم، جحيم، لظى، سعير أعاذنا الله من النار.

قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها ويغشى المحقرات، فيلقى الله يوم القيامة وقد أحاطت به خطيئته، وإن الرجل ليعمل السيئة، فما يزال منها مشفقًا حذرًا حتى يلقى الله يوم القيامة آمنًا).

فإن الخوف من عقوبة الذنب يدفع المؤمن إلى سرعة الإقلاع عن الذنب.

قال الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وقال تعالى عن ابني آدم عليه السلام عندما هم أحدهما بقتل الآخر:{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.

ولأنه من الخطورة بمكان عدم الخوف من الذنب، يقول ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ؛ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا).

وقال أحد السلف: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف؛ فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق. ومن خاف من عقوبة الذنب في الدنيا؛ يحصل له الأمن يوم القيامة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [رواه ابن المبارك في الزهد وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].

 

رابعًا: أعمال صالحة مكفرة للذنب:

(فما زلت أتصدق وأصوم، وأصلي وأعتق من الذي قلته يومئذ)، لأن الحسنات يذهبن السيئات.

قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ: ((لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ)).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ))، بل ومن رحمة الله تعالى أنه يبدل السيئات إلى حسنات إذا صدق العبد في توبته وأخلص وأتبعها أعمالا صالحة.

قال الله تعالى:{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

ومن هذه الأعمال:

1-  المحافظة على الصلوات:

▪️ قال الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.

▪️ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منْ امْرِئٍ مسلم تَحْضُرُهُ صلاة مكتوبة فَيُحْسِنُ وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة وذلك الدهر كلَّه)).

▪️ وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثالا وذلك بقوله: ((أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا)).

2-  كثرة الاستغفار:

▪️ كما قال الله تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

▪️ وفى الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم)).

▪️ فمهما بلغ العبد من الآثام فلا يعظم ذلك مع الاستغفار؛ ففي الحديث القدسي الصحيح: ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي)).

نسأل الله العظيم أن يرزقنا الصدق في التوبة إليه، وأن يجعلنا من عباده الصالحين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

          -إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

          -وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply