متى تكون ليلة القدر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

السؤال: متى ليلة القدر؟

الجواب: قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

والمعنى أنَّ العمل والاجتهاد فيها أفضل من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم، والألف شهر تعدل: ثلاث وثمانون سنة، وأربعة أشهر، فهذا عمر إنسان كامل.

وجماهير العلماء على أنَّ ليلة القدر مختصة بهذه الأمَّة وزادها الله تعالى شرفًا، وأنها لم تشرع لمن قبلنا. وقد روي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: روى الشيخان عن عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا  قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". وقد حكت عائشة رضي الله عنها هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ليالي العشر فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر الآواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر"(متفق عليه).

وقد نُقِلَ إجماعُ الصَّحابةِ رضي الله عنهم على كَون ليلة القدر في العَشرِ الأواخِرِ من رَمضانَ. فقد روَى عبْدُ الرَّزَّاقِ في مُصنَّفِه عن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: «دعا عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه أصحابَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسأَلَهم عن ليلةِ القَدْرِ؟ فأجْمَعوا أنَّها في العشْرِ الأواخرِ...».

وأما عن تعيين ليلة القدر:

روى الشيخان عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ".

وروى الشيخان من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: *الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ*، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: مُطِرْنَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.

وروى البخاري عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم  قال: "التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ وترًا، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى".

وقوله: "تاسعةٍ تبقى": أي في ليلة إحدى وعشرين. وقوله: "في سابعة تبقى" معناه في ثلاث وعشرين، وقوله: "في خامسةٍ تبقى": في ليلة خمس وعشرين، وطَريقَ الجَمْعِ بين هذه الأحاديث يَقْتضي العمَلَ بجميعِها، وإعمالُ الكلامِ أولى مِن إهْمالِه، ولا مَصيرَ إلى ذلك إلَّا بالقولِ بتَنقُّلِها مِن سَنةٍ إلى أُخرى؛ فكان أعدَلُ الأقوالِ وأعقَلُها وأقرَبُها: أنَّ ليلةَ القَدْر مُتنقِّلَةٌ بين العَشْرَ الأواخرَ من رمضانَ. قال الحافظ العِراقيُّ: وذهَبَ جَماعةٌ من العُلماءِ إلى أنَّها تَنتقِلُ؛ فتكُونُ سَنةً في ليلةٍ، وسَنةً في ليلةٍ أُخْرى، وهكذا.

ورواهُ ابنُ أبي شَيبَةَ في مُصنَّفِه عن أبي قِلابةَ، وهوَ قَولُ مَالكٍ، وسُفيانَ الثَّوريِّ، وأحمدَ بنِ حَنْبلٍ، وإسحاقَ بنِ رَاهويْهِ، وأبي ثَورٍ، وغيرِهم، وعزَاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ للشَّافعيِّ، ولا نَعرِفُه عنه، ولكنْ قال به مِن أصحابِه المُزَنيُّ وابنُ خُزيمةَ، وهو المُختارُ عندَ النَّوويِّ وغيرِه، واسْتحسَنَهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ للجَمْع بين الأحاديثِ الواردةِ في ذلك؛ فإنَّها اختلَفَت اختِلافًا لا يُمكِن معه الجَمْعُ بينها إلَّا بذلك. (طرح التثريب (4/158).

وقال ابنُ حَجَرٍ: وأرجَحُها كلُّها: أنَّها في وِتْرٍ من العَشرِ الأخير، وأنَّها تَنتقِلُ كما يُفْهَمُ من أحاديثِ هذا الباب. لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيرًا ويفتر فيما سواها من الليالي. قال النووي: وأكثر العلماء على أنها ليلة مبهمة من العشر الأواخر من رمضان، وأرجاها أوتارها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين وثلاث وعشرين وإحدى وعشرين، وأكثرهم أنها ليلة معينة لا تنتقل. وقال المحققون إنها تنتقل فتكون سنة في ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث وعشرين، وسنة إحدى وعشرين، وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها. ا. ه.

وقد ذكر ابن حجر أكثر من أربعين قولًا في تعيين ليلة القدر، ثم رجَّح أنها تنتقل في العشر الأخير كله.

وقال: *نص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق*. قلت: مما يدل على أنها ليست ليلة معلومة بعينها:

1- لو كانت ليلة القدر ليلة معلومة محددة لما ندب الشرع إلى الاعتكاف طلبًا لتحصل أجرها.

2- قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَرُّوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ" والعرب تستعمل مادة التحري في طلب الأشياء التي لا يقطع بحصولها.

قال الحافظ ابن كثير: وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العباد جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده. (عمدة التفسير (3 / 712).

دعاء ليلة القدر:

روى أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وختامًا:

فهذه ليلة مباركة من حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم، لذلك ينبغي للمسلم الحريص على طاعة الله أن يحييها إيمانًا وطمعًا في أجرها العظيم، وأن يجتهد في العشر الأواخر أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد ما لا يجتهد في غيرها" (أخرجه مسلم).

وعليه أن يكثر من القيام في هذه الليالي، وأن ناصحًا أمينًا لأهل بيته؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر *أحيا ليله، وأيقظ أهله*، فكلنا راعٍ، وكلنا مسئول عن رعيته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply