بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال: ما حكم تذكير الصائم الذي يأكل ناسيًا؟
الجواب: لا بد أن نعلم أنَّ الأصل العام المتفق عليه في هذا الباب أنَّ النسيان أحد الأسباب التي تُسقط عن المرء تبعة الإثم، قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب:5).
وروى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
لَمَّا نَزَلَ قوله تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286] "قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ".
وروي الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ".
فالذي عليه جمهور أهل العلم أنَّ الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا فإنَّه لا إثم عليه، وصومه صحيح.
أما عن جواب السؤال:
· فمن العلماء من فرَّق في ذلك بين الشاب والشيخ. قال في (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ (1/244)): ومن رأى صائمًا يأكل ناسيًا يخبره إذا كان شابًا، وإن شيخًا لا.
والراجح -والله أعلم- أنه يجب تنبيه من كان يأكل ناسيًا أنه صائم؛ لأنَّ هذا من باب التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{.
ومما يؤيد ذلك: ما رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا سهى في صلاته قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي".
فقوله "فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي"، وإن كان سببه في الصلاة؛ إلا أنَّ باقي العبادات تُلحق بها، فإنَّ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
· عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لأبي ذر رضي الله عنه أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: *نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَأُتِينَا بِقِصَاعٍ فَأَكَلَ، فَحَرَّكْتُهُ أُذَكِّرُهُ بِيَدِي* ]رواه البيهقي، وسنده صحيح[.
· عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: *مُطِرْنَا بَرَدًا وَأَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه صَائِمٌ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ، قِيلَ لَهُ: أَتَأْكُلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قَالَ: إِنَّمَا هَذَا بَرَكَةٌ* ]رواه أحمد، وإسناده صحيح[.
يؤيده: أنه ما زال الناس يعدُّون التذكير للناسي من محاسن الأمور.
ومن ذلك:
· قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن من نابه شيء في صلاته: "إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ"]رواه البخاري[.
· عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا، قالت: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً أَعُدُّهُنَّ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَتْ بَدَأَ بِي- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ، فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ".
أضف إلى ذلك: أنَّ عدم تنبيه الآكل في نهار رمضان بدعوى أنه معذور بنسيانه يفتح الباب على عدم الإنكار على غيره من المتعمِد للفطر في نهار رمضان.
لذا نقول أنَّ من فعل ذلك ولا نعلم هل هو ناسٍ أو متعمد فإنَّ الواجب أن ينبَّه؛ لأنَّ الأصل في الأفعال العمدية.
وأما ما رواه ابن حزم في المحلى عن عبد الله بن دينار أنَّه قال:
استسقى ابن عمر رضي الله عنهما وهو صائم، فقلت له: ألست صائمًا؟ فقال: أراد الله أن يسقيني فمنعتني؟ (فقد رواه ابن حزم غير مسنَدًا).
وعلى فرض صحة هذا الأثر فلا شك أنَّ فتح هذا الباب فيه ذريعة لأن يُتهم هذا الشخص في دينه، وسد الذرائع لهذا الباب يوجب تذكيره.
فإن قيل لا ننكر على من أكل ناسيًا وهو صائم؛ فهو لم يأتِ منكرًا، بل قد أطعمه الله تعالى وسقاه؟
وقد أجاب عن ذلك الشيخ ابن العثيمين فقال: الذي يقول هذا الكلام جاهل؛ لأنَّ الله -تعالى- أطعمه وسقاه باعتبار نفسه هو؛ لأنه ناسٍ، أما أنت فأنت عالم، فلا بد أن تنبهه، هذا مثل الذي يقول:
إذا رأيت القط يأخذ حمامة شخص فلا تنقذها منه؛ لأنَّ هذا رزق القط، هل هذا صحيح؟! لا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد