من بلاغة القرآن الكريم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

بلاغة التعبير بالاسم والفعل أنموذجًا (بلاغة وإعرابًا).

القرآن الكريم معجز بليغ سبحان من أنزله بلسان عربي مبين، وكثيرة هي صور بلاغة القرآن الكريم ومن صور هذه البلاغة التعبير بالاسم والفعل.

نجد ذلك في مواضع كثيرة في القرآن الكريم نذكر منها على سبيل المثال بلاغة التعبير بالاسم والفعل عند الحديث عن عدم تعذيب المسلمين في قوله تعالى:

*قال تعالى في سورة الأنفال: }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{(33). وفي آية أخرى قال تعالى: }وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ{(59( القصص).

حيث نجد التعبير بالفعل (يعذبهم) لأن الفعل مرتبط بالزمن وكذلك وجود النبي أيضا في الحياة فترة زمنية لذا عبر عن عدم العذاب بالفعل أما الاستغفار في أي وقت لذا عبر القرآن عن عدم العذاب بالاسم }معذبهم.{

وعن الإعجاز نعرض رأي الدكتور فاضل السامرائي، ورأي ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير على النحو التالي:

 أولا رأي: الدكتور فاضل السامرائي في عرض وقفة أسرار بلاغية:

وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم مانع للعذاب لكن هذا المنع موقوت ببقاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بينهم أما الاستغفار فقد جعله الله تعالى مانعًا ثابتًا والاستغفار يدفع العذاب }وما كان الله معذبهم{ بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ينهم متغير ولو تركهم حق عليهم العذاب. ونلاحظ من كرم الله تعالى ما قال: }وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون{ ربنا يدفع العذاب ولو لم يكن الاستغفار صفة ثابتة فيهم لأن رحمته واسعة تسع كل شيء. وفي آية أخرى قال تعالى }وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ{(59) القصص) إذا كان الظلم صفة ثابتة يفضي بهم إلى الهلاك لكن في الاستغفار حتى لو لم يكن ثابتًا يغفر الله تعالى من رحمته.

 ثانيا: رأي ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير:

ويقول ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير:

وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ قالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآية كُلُّها بِمَكَّةَ، وقالَ ابْنُ أبْزى نَزَلَ قَوْلُهُ: }وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ{ بِمَكَّةَ إثْرَ قَوْلِهِمْ} :أوِ ايتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ  {ونَزَلَ قَوْلُهُ: }وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ{ عِنْدَ خُرُوجِ النَّبِيءِ إلى المَدِينَةِ وقَدْ بَقِيَ بِمَكَّةَ مُؤْمِنُونَ يَسْتَغْفِرُونَ، ونَزَلَ قَوْلُهُ: وما لَهم أنْ لا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ بَدْرٍ.
وفِي تَوْجِيهِ الخِطابِ بِهَذا إلى النَّبِيءِ ، واجْتِلابِ ضَمِيرِ خِطابِهِ بِقَوْلِهِ: }وأنْتَ فِيهِمْ{لَطِيفَةٌ مِنَ التَّكْرِمَةِ إذْ لَمْ يَقُلْ: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وفِيهِمْ رَسُولُهُ، كَما قالَ }وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكم آيات اللَّهِ وفِيكم رَسُولُهُ){آل عمران: ١٠١(.
وأمّا قَوْلُهُ: }وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ{ فَقَدْ أشْكَلَ عَلى المُفَسِّرِينَ نَظْمُها، وحَمَلَ ذَلِكَ بَعْضُهم عَلى تَفْكِيكِ الضَّمائِرِ فَجَعَلَ ضَمائِرَ الغَيْبَةِ مِن يُعَذِّبَهم وفِيهِمْ وَمُعَذِّبَهم لِلْمُشْرِكِينَ، وجَعَلَ ضَمِيرَ }وهم يَسْتَغْفِرُونَ{ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ عائِدًا إلى مَفْهُومٍ مِنَ الكَلامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ يَسْتَغْفِرُونَ فَإنَّهُ لا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلّا المُسْلِمُونَ، وعَلى تَأْوِيلِ الإسْنادِ فَإنَّهُ إسْنادُ الِاسْتِغْفارِ لِمَن حَلَّ بَيْنَهم مِنَ المُسْلِمِينَ، بِناءً عَلى أنَّ المُشْرِكِينَ لا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِنَ الشِّرْكِ.

الإعراب:

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33){ 
}
وَمَا{: الواو: حرف عطف.
}ما{: حرف نفي.
}كَانَ:{ فعل ماض ناقص مبني على الفتح.
}اللَّهُ:{ لفظ الجلالة اسم "كان" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
}لِيُعَذِّبَهُمْ :{اللام: لام الجحود.
يعذب: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود، و "هم": ضمير مفعول به والفاعل هو.
}وَأَنْتَ :{الواو: حالية.
أنت: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
}فِيهِمْ :{جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ "أنت".
والمصدر المؤول من "أن يعذبهم" في محل جر باللام متعلق بمحذوف خبر "كان".
}وَمَا كَانَ اللَّهُ :{الواو: حرف عطف.
ما كان الله: مثل الأولى.
}مُعَذِّبَهُمْ :{معذب: خبر "كان" منصوب بالفتحة، و "هم": ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
}وَهُمْ :{الواو: حالية.
هم: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
}يَسْتَغْفِرُونَ :{فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو: فاعل.
وجملة "ما كان الله" لا محل لها من الإعراب، لأنها معطوفة على الاستئناف المقدر في الآية السابقة.
وجملة "يعذبهم" لا محل لها من الإعراب، لأنها صلة الموصول الحرفي "أن" المضمر.
وجملة "أنت فيهم" في محل نصب حال.
وجملة "ما كان الله(الثانية) لا محل لها من الإعراب، لأنها معطوفة على جملة "ما كان الله(الأولى).
وجملة "هم مستغفرون" في محل نصب حال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع:

ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير.

إعراب الآية 33 من سورة الأنفال، صور البلاغة ومعاني الإعراب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply