العشر الأواخر... وختامها المسك


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

أيُّ ثاوٍ غفا وعافَ سناها

 ولِسُقْمٍ في النَّفسِ ما زكَّاهـا

الليالي والمستهامون كُثْرٌ

 ما تناسوا نوالَهـا ولُهاها

أوْ طَوتْهم غلائلُ التِّيهِ لهـوًا

 وانتكاسًا فلم يُجِرْهُم صداهـا

 هو ذا الصَّوتُ من غيوبٍ أتاهم

 فأشاحتْ نفوسُهم إذْ أتاهـا

فَتَرَدَّتْ وما سعتْ لمقامٍ

 فالخساراتُ: فَقْدُ طيبِ شذاها

ونفوسٌ قد آمنتْ وتزكَّتْ

 مسرعاتٍ تُجاهَ شذوِ جَنَاهـا

إنَّمـا النَّفسُ بالمآثرِ ترقى

 حيثُ تسمو في العالمين رؤاهـا

 وَهَبَتْ نهجَها لكلِّ تقيٍّ

 قد زكـا قلبًا طاهرًا أوَّاهـا

في مغاني الشهر الوريفِ بعفْوٍ

 يَتَثَنَّى فــــــــــــــــؤادُه تَيَّــــــــــــــــــاها

 أكرمَ اللهُ الصَّائمين بكأسٍ

 آثــــــــروهـا وزادَهـــــــــــــــــــم أحــــلاهـا

يوم حشرِ الأنامِ والظَّمأُ استشرى.

 فناجٍ بصومِه مَن جَنَاهـا

عاشَ في الدنيا للِّقاءِ مشوقًا

 لم يزدْهُ العناءُ إلا صَفَاهـا

 إنَّها جنَّةُ الخلودِ لنفسٍ

 بالمثـــــــــــــــــــــاني وبالتُّقَى زكَّاهـا

 إنَّهـا اليومَ قد تقبَّلَهـا اللهُ.

 فبشرى لهـا بمـا أولاهـا

 بوركتْ نفسٌ ما سَفَتْها المعاصي

 إذْ أشاحتْ بالوعيِ عن أدناهـا

 فرعاها الرحمنُ في كلِّ حـالٍ

 وإلى الذِّكرِ في الحياةِ هَدَاهَا

تلك نفسٌ كريمةٌ عرفتْ قيمةَ.

 دنياها فاكتفتْ بعلاها

فَأُنيلتْ من ربِّها درجات

 في فراديس رحـــــــــــــــــــــمةٍ سوَّاهـا

تطلبُ القربَ فالوعودُ حِسانٌ    

             ***              

لِتُقــــــــــــــــــــاةٍ فاستَنْبِئنْ مــــــــــأواها
    
        ***

الخلودُ الفيَّاضُ بالأُنسِ أحلى

من خيالٍ تتيهُ فيه مُنَاهـا

 ومن الليلِ هجعةٌ تزدريهـا

 أنفُسُ الصَّالحين، مافحواها!

ما ازدرتْها من وطأةِ الأرقِ.

 الجيَّاشِ بالهمِّ أو لدنيا نعاها!

إنما للوقوفِ في محشرٍ يحسو

 من الباقياتِ طابتْ يداها (3)

 وَهَبَتْهُ يعبوبَهـا فتهادى

 نحوَ أغلى الآرابِ جلَّ مداها (4)

 وتعالتْ على الدنايا فما دانتْ.

  نفوسُ الأبرارِ كأسَ شقاها (5)

 فشميمُ النَّعيمِ في جَنَّةِ الخُلدِ.

  تهادت إلى النعيمِ خُطاهـا

 وإليهِ هَفَتْ بأجنحةِ الشَّوقِ.

  فسبحانَ ربِّها مولاها

 نِعَمٌ تجلبُ النُّفوسَ إليها

 من لَدُنْ مُنعمٍ يزيدُ عطاها

 أفلحَ العبدُ إن تملَّى بصيرًا

 في مداهـا عشيَّةً وضحـاهـا

 ويفوزُ الذي ترفَّع فيهـا

 عن غواياتهـا فمـا دسَّاها

هي نفسٌ وهذه منحةُ اللهِ.

 لقلبٍ في العيشِ ما جافاهـا

وهي الشِّرعةُ المنيفةُ للخلقِ.

 وبالبيِّناتِ قد جلاَّهـا

وترى غيرَها على غبشِ الزَّيفِ.

  فللمهلكاتِ قد ألقاها

بئسَ تلكَ النفوس منصرماتٍ

 عن مناراتِها وعن أزكاها

 ويُماري الجناةُ في الشَّرِّ ظلمًـا

 وَعُلُوًّ فبئسَ مَن فيه تاها

 قد سباهم غرورُهم فسقاهم

 خمرةَ الرَّيبِ مَن دحـا بلواها

ذاك شيطانُهم، تجرُّهُمُ اللعنةُ.

  تهوي بهم إلى طغواها

واشرأبَّتْ أعناقُهُم عنفوانًا

 شانَه البختُ فانحنى أقواها (6)

هم جُناةٌ حياتُهم في تبارٍ

  صارمتْهـا ملاحةٌ في عَنَاها

ونأوا عن فيوضِ وحيٍ كريمٍ

  فيه آيات واهبٍ أغلاها

وتعاموا عن معرقاتِ فصولٍ

  لم يطبْ فيه عيشُنا لولاهـا

ينطوي عهدُهم وكلُّ قبيحٍ

  سيرى أهلُه به عقباهـا

رُزِئَ النَّاسُ من مساوئهم

  فانتفظوا والجناةُ مَن سوَّاهـا

 لعنَ اللهُ المجرمين تخلَّوا

 عن ضميرٍ فمرُّها أشهاها!

 وهُمُ المهزومون والغدُ آتٍ

 والحكاياتُ صاغها أشقاها

حسبُنا اللهُ إن وجدْنا أذاهم

 فالمخاليب لؤمُهُم أغناهـا

  حُرِمُوا بهجةَ الرِّضا فاستُرقُّوا

 لهوى أنفُسٍ تمجُّ هَنَاهـا!

   إنَّ ربِّي يعطي المنيبين مالا

 ينثني عن كرامةٍ و نَدَاهَـا

  وهبَ اللهُ ليلةَ القدرِ جودًا

 ينهلُ الصَّالحون منه سَخَاهـا

  بوركتْ أنفُسٌ تثيرُ خطاها

 في مغاني جلالِها ومناهـا

  المآقي في روضِها مشرئبَّاتٌ

 لأطيابِ صبحِها ومساها

  حُللٌ تُبهجُ العيونَ وتُغني

  مَن أتاها وغبَّ من أصفاهـا

  عندها سارعتْ قلوبٌ سباها

  ما رأتْهُ من رحمةٍ وجَناها

  تعسَ القومُ من بني الرِّدَّةِ اليومَ

  وذاقتْ نفوسُهم ماعراها

 من شقاءٍ وغفلةٍ إذْ جَفَتْهُم

 ليلةُ القدرِ لم ينالوا لُهَاهَـا

 إنَّها العشرةُ الختامُ لشهرٍ

 فيه طابت أيامُها ولقاها

 فاضَ فيها حنينُنا باشتياقٍ

 لرضا اللهِ جلَّ يوم اصطفاها

 لو رأتْ خيرَها النَّديَّ نفوسٌ

 غافلاتٌ لغيَّرتْ مجراهـا

 

 ولجاءت إلى المدارجِ زحفًـا

 تبتغي الصَّفحَ من كريمِ رجاها

 فهواها الرخيصُ يقتلُ فيها

 ما تمنَّتْهُ من ثمارٍ يداهـا

 ويح نفسٍ على الحطامِ ترامتْ

 وتخلَّتْ حمقاءَ عن مولاهـا

خسرتْ في منازلِ السوءِ والإفكِ

 وفي ملعبِ الهوى دنياها

ربِّ أوزِعْنا أن نثيرَ نفوسًا

 للمعالي ومقتَ مَن أغراها

أشغلَتْها بهارجُ النَّزوةِ الخرقاءِ

 رفَّتْ وخادعتْ أغباها

أيـــثــــــوبــــون! فاللــــــــيالي تــــولَّــــــــــتْ

 مزمعـــــاتٍ وخــــــابَ مَـــــــن جـــافــــــاهــا

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

هوامش:

(1)             لُهاها: هداياها وجمائلها.           

(2)             نعاهـا: أخبر بمجافاتها.

(3)             الباقيات: الأعمال الصالحات.

(4)             اليعبوب: الفرس السريع.

(5)             دانت: اقتربتْ.

(6)             البخت: الحظ، والنصيب.

(7)             المعرقات: ذات الأصل والعلو والمكانة.

(8)             لُهاها: هباتها وعطاياها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply