تقريب فقه زكاة الفطر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

أولًا: المقصود بزكاة الفطر:

زكاة الفطر في الاصطلاح: هي صدقة تجب بالفطر من رمضان، وسميت بصدقة الفطر لأنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان.

وهذا من جهة أنه أضاف الصدقة إلى الفطر، والإضافة تقتضي الاختصاص، أي الصدقة المختصة بالفطر.

ثانيًا: الأصل في وجوب زكاة الفطر:

الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقول الله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى.{

قال ابن كثير: رُوِّينَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الآية {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}(قد أسنده البيهقي في الكبرى (7815) وسنده صحيح.

وقد روي ابن خزيمة أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن قَولِه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}. قال: "هِيَ زَكاةُ الفِطرِ.

قال الذهبي: في إسناده *كثير بن عبدالله*، قال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد على حديثه.

وقال الدارقطني وغيره: متروك. (ميزان الاعتدال (3/407))

وأما السنة:

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، *أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ ‌زَكَاةَ ‌الْفِطْرِ ‌مِنْ ‌رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ"...*. رواه الجماعة.  

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخًا ببطن مكة ينادي: "إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم" أخرجه الحاكم (1492) وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ».

قال ابن عبدالبر: معنى قوله )فرض( عند أهل العلم أوجب، وما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأمر الله أوجبه، وما كان لينطق عن الهوى. (الاستذكار (3/265)).

أما الإجماع: قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأنها تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الذين لا أموال لهم... (الإجماع (ص/47))، وممن نقل هذا الإجماع: زين الدين العراقي في طرح التثريب (46/4)، وابن رشد في بداية المجتهد (3/133).

قال النووي: قول ابن اللبان –أي بعدم وجوبها- شاذ منكر، بل غلط صريح... (الروضة (1/465)).

تنبيه: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: *أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، ‌فَلَمَّا ‌نَزَلَتِ ‌الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهَا*. رواه أحمد (23840)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1493).

لا يستدل به على نسخ فرضية زكاة الفطر الأمور:

1-  زول فرض لا يوجب سقوط الآخر، والزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه.

2-  قد سبق الأمر بزكاة الفطر، والأصل بقاؤه.

3-  قد أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تسميتها فرضًا.

4-  ما ورد من تعديل الكيل لمدين من حنطة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا مع بقاء فرضها، فكان هذا مخالفًا لما قاله قيس في ذلك. (وانظر معالم السنن (430/1) والسنن الكبرى للبيهقي (269/4) وشرح مشكل الآثار (51/6)).

الحكمة من وجوب زكاة الفطر:

لا شك أن مشروعية زكاة الفطر لها حِكم كثيرة من أبرزها وأهمها ما ورد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ‌طُهْرَةً ‌لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ..." أخرجه أبو داود (1609)، وحسنه النووي في المجموع (126/6)، وابن قدامة في المغني (284/4).)) وصححه الحاكم على شرط البخاري.

·       فهي طُهرةٌ للصائم، من اللغو والرفث، حيث تجبر ما قد وقع من خلل صوم المسلم في رمضان.

·       وطعمةٌ للمساكين: فهي إغناء لهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال للسرور عليهم.
قال وكيع بن الجراح:
صدقة الفطر لرمضان كسجدتي السهو للصلاة لجبر النقصان. ا. هـ.
قال ابن الملقن: فإن قلت: فقد وجبت على من لا إثم عليه ولا ذنب كالصغير، والصالح المحقق الصلاح، والكافر الذي أسلم قبل غروب الشمس بلحظة.
قلنا: التعليل بالتطهير لغالب الناس، كما أن القصر في السفر جُوز للمشقة فلو وجد من لا مشقة عليه فله القصر.
وكذلك يقال: أنه إذا تخلفت هذه العلة في حقه، ثبتت العلة الأخرى، وهي *طعمة للمساكين*.(الإعلام (119/5) وفتح ذي الجلال والإكرام (95/3)).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply