خطبة شاملة لعيد الفطر المبارك 1445


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

الله أكبر عدد ما صام صائمٌ وأفطر، الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكرٌ وكبر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامدٌ وشكر، الله أكبر ما سطع فجرُ الإسلام وأسفر، الله أكبر ما أقبل شهرُ الصيام وأدبر، الله أكبر ما فرح الصائمُ بتمام صيامه واستبشر، الله أكبر عدد ما تاب تائبٌ واستغفر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.

أيها المسلمون عباد الله، كُنَّا بالأمس القريب نستقبل ضيفً عزيزًا، وشهرًا مباركًا وها نحن اليوم قد ودَّعناه واستقبلنا العيد.

واعلموا: أن أعيادنا أمة الإسلام من شعائرنا الظاهرة؛ فعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَدِمَ المَدِينَةَ وَلَهُم يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ اليَومَانِ؟"، قَالُوا: كُنَّا نَلعَبُ فِيهِمَا في الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ : "إِنَّ اللهَ قَدَ أَبدَلَكُم بِهِمَا خَيرًا مِنهُمَا: يَومَ الأَضحَى وَيَومَ الفِطرِ". [رواه أبو داود والنسائي].

واعلموا: أن العيد فرحة لمن صام وقام وقرأ القرآن وتصدق وعمل الصالحات واغتنم شهر رمضان بالقربات.

واعلموا: أن العيد هو يوم الجوائز فهنيئًا للمقبولين ويا خسارة ‏المفرطين المردودين.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله: لقد اعتنى الإسلام بالتوحيد والإخلاص لله تعالى بالعبادة؛ ولذا بعث الله الأنبياء والرسل لتقرير عقيدة التوحيد وإخلاصها لله ‏عز وجل، وحمايتها ‏من كل ما ينافيها أو يضادها.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.

وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.

وكان النبي يقول لأهل مكة: "يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا".

ونهانا وحذرنا الله تعالى من الوقوع في الشرك؛ فإنه أعظم الذنوب وأخطرها، وهو أظلم الظلم، وأكبر الجرائم، وهو الذّنب الذي لا يُغفَر.

قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}.

والشرك له صور عديدة فمنها:

•  دعاء غير الله تعالى.

•  والذبح والنذر لغير الله تعالى.

•  ومنها الحلف بغير الله تعالى تعظيما لهذا المحلوف.

•  ومنها تعليق التمائم والخيوط لرفع البلاء أو دفع الضر أو جلب النفع.

•  ومنها الطيرة والتشاؤم.

•  ومنها الاستسقاء بالنجوم والكواكب.

•  ومنها الذهاب إلى السحرة والعرافين والمنجمين وسؤالهم وتصديقهم.

•  ومنها الشرك الخفي الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وهو الرياء.

•  ومنها بعض الألفاظ التي تنافى أو تقدح في التوحيد مثل قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وتوكلت على الله وعليك، وغيرها من الألفاظ التي تخالف العقيدة.

فصونوا توحيدكم واحفظوه من كل ما يخدشه، واحذروا من الشرك كبيره وصغيره؛ فإنه يحبط الأعمال، ويوجب الخسران.

قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله:️ ولقد نهانا نبينا عن الابتداع في الدين وأمرنا بالاستقامة على صراط الله المستقيم، ودينه القويم.

فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ".

وفي رواية لمسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكْتُم به لن تَضِلُّوا: كتابَ الله وسنَّتي".

وقال صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ".

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

ثم اعلموا يا عباد الله، أن الصلاة هي عماد الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام.

فمن حافظ عليها ‏حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

يقول النبي: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةِ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ"[رواه الترمذي والنسائي].

وأثنى الله تعالى على المحافظين عليها في أوقاتها.

فقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

وأخبر النبي أن: "الصلوات الخمس، مكفِّرات لما بينهنّ، إذا اجتنبت الكبائر".

ومن حافظ عليها، كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها لم تكن نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة.

فحافظوا عليها، وأدُّوها جماعة في المساجد، وحافظوا على أدائها في أوقاتها، ومروا أولادكم ومن تحت أيديكم بها.

قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}.

وقال النبي : "مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهُمْ عليها وهم أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ"[رواه الترمذي وأبو داود].

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله: أدوا زكاة أموالكم طيبةً بها نفوسكم واعلموا أنها عبادة وقربه، فرضها الله تعالى ‏على الأغنياء، وتُعطى للفقراء، وهي واجبة في الأموال من بهيمة الأنعام والزروع والثمار. وعروض التجارة، والركاز. والذهب والفضة؛ فاحذروا من عدم إخراجها أو تأخيرها عن وقتها من غير سبب.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله: لقد فرض الله الحج إلى بيته الحرام في العمر مرة واحدة رحمةً بنا، فمن كان قادرًا ولم يحج فعليه أن يبادر بأداء فرضه؛ فإن تأخير الحج من غير عذر ‏سبب في الإثم.

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله: لقد أمرنا الله تعالى، وأمرنا رسوله بآدابٍ بها صلاح النفوس وصيانة المجتمع فمن ذلك:

حفظ اللسان عن قول الحرام.

فقد جعل النبي ذلك أهم الأمور فقال لما سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ: تعبدُ الله لا تشركُ به شيئًا، وتُقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ" ثم قال: "ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنة، والصدقة تُطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل في جَوف الليل ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}... حتى إذا بلغ (يعملون). ثُمَّ قَالَ: "أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ" ثُمَّ قَالَ: "أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ النبي بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، فقال معاذ: يا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ؟".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

ومن آفات اللسان: الكذب والغيبة والنميمة والسخرية والكلام الفاحش البذيء، وشهادة الزور وكثرة اللعن والشتائم والسباب؛ فليحذر المسلم من هذه الآفات.

ومنها حفظ البصر عن المحرمات.

قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...}.

نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أما بعد:

أيها المسلمون عباد الله: اعلموا أن الأعمال الصالحة لا تتوقف إلا بتوقف الأعمار.

■️ فإن انتهى شهر الصيام فما زال الصيام مشروعًا مدى العام.

ومن ذلك صيام ستًا من شوال التي قال النبي في فضلها: "من صام رمضان ثم اتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر".

وكذلك يومي الاثنين والخميس والأيام البيض من كل شهر، وغيرها من أنواع صيام التطوع.

وإن انتهت التراويح فما ‏زال قيام الليل مشروعًا وهو دأب الصالحين.

■️ وإن انتهى شهر القرآن فما زالت قراءة القرآن مشروعةً في كل وقت.

فاغتنموا يا عباد الله الأعمار والأزمان وتقربوا إلى الله بالحسنات والطاعات، فإن من علامات قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها.

أيها المسلمون: يوم العيد يوم سعة فيما أباح الله، فوسعوا على أنفسكم وأولادكم وأظهروا الفرحة والسرور؛ واحذروا من الوقوع في الذنوب المعاصي، والآثام‏، من الاستماع أو النظر إلى ما حرم الله تعالى. واختلاط الرجال بالنساء.

ومصافحة غير ذوات المحارم. أو الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب.

وتذكروا عباد الله قوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.

فقد أكملنا العدة وكبرنا الله وبقي الشكر، فاشكروا الله على نعمه بقلوبكم وألسنتكم وأعمالكم، واشكروا الله على أن هداكم للإيمان، واشكروا الله أن وفقكم لصيام رمضان وقيامه، واشكروا الله على نعمة الأمن والأمان.

أيها المسلمون عباد الله.

في العيد تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ.

وإذا كان في القلوب رواسبُ خِصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول.

وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه.

فإذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسلام.

أيها الأحباب الكرام:

العيد مناسبة طيبة لتصفية القلوب من البغضاء أو الشحناء، فلنغتنم هذه الفرصة، ولتُجدد المحبة وتحل المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران.

فصِلُوا أَرْحَامَكُمْ يا عباد الله.

قَالَ : "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَاِحْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ.

قَالَ الله تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.

وتذكروا قول النبي : "وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا"[رواه مسلم] .

وقوله : "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"[رواه البخاري ومسلم] .

وفي رواية عند أبي داود: "فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار"[صححه الألباني].

واستمع إلى هذا الحديث الذي تقشعّر منه الجلود، والذي يقول فيه النبي : "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه"[رواه أبو داود وصححه الألباني].

ألا فاتقوا الله معاشر المتباغضين، وسارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونًا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونًا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم.

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون عباد الله: في هذا العيد يمُرُّ إخوانُنا في فلسطين (في غَزَّة الصمود) بحربٍ إباديَّةٍ وهمجيةٍ لم يشهد مثلها التاريخ من أحفاد القِرَدةِ والخنازير من اليهودِ الغاصبين بمرأى ومسمع من العالم كُلِّه؛ لكننا نُوقِنُ أنَّ العَاقِبَةَ للمؤمِنِين، وَأنَّ النَّصرَ مِن عِندِ الله تعالى مَهمَا تَأخَّرَ.

والمؤمنُ لَا ينبَغِي أن يَنظُرَ لِهذِه الأحدَاثِ نَظرَة تَشَاؤُميَّة؛ فقد قصَّ الله تعالى علينا في كتابه، قِصَصًا مُشَابهَةً لما يَحدُثُ في غَزَّة، بل أفظَعُ مِنهَا:

فقال تعالى عن فِرْعَوْنَ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

ثم بيّن لنا أنه نصر هؤلاء المستضعفين بعد زمن؛ فقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}.

وبيّن أنه نصرهم كان بسبب صبرهم؛ فقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}.

وبيّن الله سبحانه وتعالى لنا أن من سنّته: إمهال الظالمين مدة ثم يأخذهم:

قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

وفي الصحيحين عن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه : "إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.

وبيَّن سبحانه وتعالى أن العاقبة في الدنيا والآخرة للمتقين إذا قاموا بدينه ونصروه:

قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.

وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.

وأن النصر والتمكين للمؤمنين:

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.

وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.

والمؤمنُ الحقُّ يوقنُ أن عاقبةَ الصراعِ بيننا وبين اليَهُود نصرٌ حاسمٌ بإذن الله تعالى.

ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه".

• فاللهم مُنَزِّلَ الكتاب ومجرِيَ السَّحَاب وهَازِمَ الأحزاب اهزِمِ اليَهُودَ الغاصبين، وزَلزِل الأرضَ مِن تَحتِهم، ودمِّرهُم تَدمِيرًا.

• ‏اللهم وانصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، وثبِّت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين.

• ‏اللهم اشفِ مرضاهم، وعاف مبتلاهم، وأطعم جائعهم، وداو جرحاهم، وتقبل موتاهم في الشُّهداء.

• ‏اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة.

• ‏اللهم كما سلمتنا إلى رمضان وسلمت رمضان لنا فتسلمه منا خالصا متقبلًا.

• ‏اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقائك من النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply