ماذا لو اطلع أجدادنا على النِّعم التي نَنْعم بها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

اتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ أجدادنا لو اطلعوا على شيء من النعيم الذي نعيش فيه لعدّوه من نعيم الجنة.

فهل كانوا يتخيّلون يومًا أنه بحركة يدٍ واحدة، يتحول المكانُ الباردِ إلى دافئ، والحارِ إلى بارد؟ ويتحدّثون إلى من يشاؤون ومتى يشاؤون؟ ويرسلون إلى أصدقائهم وأقاربهم رسالةً، ولو كانوا في أقصى بقاع الأرض؟ وليست رسالةً

مكتوبةً فحسب، بل رسالةً بالصوت والصورة!

 ويصنعون طاعمهم ويُنْضجونه، ويصعدون باتجاه الأعلى والأسفل مسافةَ عشرات الأمتار، ويأتيهم الماءُ العذبُ الزلالُ إلى بُيُوتهم، ويتصرَّفون فيه حرارةً وبرودة، ولا يحتاجون إلى إحضاره من الآبار والوديان، ولا إلى تسخينه بالنيران.

كل هذه الأعمال التي تأخذ منهم الجهدَ العظيم، والوقتَ الكثير، نعملها اليوم بثوانيَ أو دقائق معدودة؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن يقطعوا مئات الأميال ببضع ساعات، وينعمون في طرقاتهم بالهواء البارد في الحرّ الشديد؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن يقطعوا أكثر من ألف ميلٍ في ساعةٍ أو ساعتين، يطيرون خلالها في السماء ويحلّقون فوق الغيوم، بل ويناومون ويأكلون ويشربون؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن ينام مَنْ به ألمٌ في سنّه، ومرضٌ في قلبه، وورمٌ في رأسه، وزائدةٌ في بطنه، فلا يستيقظ إلا وقد خُلع سنّه، وشُفي قلبه، وزال الورم من رأسه، وخرجت الزائدة من بطنه، بلا ألمٍ ولا شعور بما حصل له؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن يناموا لوحدهم أو مع أهليهم في وسْط الفلاة، ولا يخافون سارقًا ولا قاطعَ طريق؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن يضعوا الطعام الطّريّ، من اللحوم والألبان وغيرها في مكان، ويمكث أكثر من عام في مكانه في أيام الحر الشديد، ثم يُخرجونه كما وضعوه طيبًا لذيذًا؟

هل كانوا يتخيّلون يومًا أن يأتي اللهُ بأهل الأرض ليعمروا بيوتهم، ويعالجوا مرضاهم، ويُصلحوا طرقاتهم، ويصنعوا لهم أسباب الراحة والرفاهية؟

ها نحن نعيش ونتقلب في هذه النعم وأكثر، مع ما نحن فيه من أمْنٍ ورخاء، واجتماعٍ وألفةٍ وترابط، وعافيةٍ في الأبدان والأديان.

لقد سخّر الله لنا الأرضَ ومَن عليها، وأخرج لنا من كنوزَ باطنها، ما جعلنا من أغنى وأعزِّ أهل الدنيا، فاللهم لك الحمد حمدًا يليق بجلالك وعظمتك.

إنَّ شُكْرَ اللهِ يعظم ويتأكّد بحسَب عِظَم النِّعم وكثرتها، فأكثروا من شكر الله – يا عباد الله-، واحذروا من كفرها، وكفرُها يكون بمعصية الْمُنعم بها علينا وهو الله تعالى، فهل يصح عقلًا وأدبًا وشرعًا أن نعصي من أكرمنا؟ وأن نخالف

أوامر من تفضّل علينا؟

إنّ عاقبة كفر النعمة عظيم جدًّا، }وَإِذْ تَإذن رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{، وقد رأينا في هذا الزمان دولًا كانت غنية قوية، لكنهم جحدوا نعمةَ الله، وعصوا أوامره، وخالفوا شرعه، وجاهروا بمعصيته،

فسَلَب منهم نِعَمَه، فأبْدل أمْنَهم خوفًا، وعِزَّهم ذلًا، وغِناهم فقرًا، واجْتماعَهم فُرْقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم ارْزقنا شُكْر نِعَمِك، وحُسْنَ عبادتك، وجنِّبْنا أسبابَ سَخَطك، إنك ربّنا سميعٌ قريبٌ مُجيب.

 

إنَّ الواجب علينا في هذا البلد خاصة، أنْ نشكر الله على ما أنعم به علينا من نعمةِ الأمن والرخاء، واجتماعِ الكلمة ورَغَد العيش، وشكرُ هذه النِّعم العظيمة يكون بالقول والعمل، وإذا شكرنا الله زادنا، كما قال تعالى:

}وإذ تإذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم{.

ويجب علينا المحافظةُ على اللحمةِ الوطنية واجتماعِ الكلمة ووحدةِ الصف، والحذرُ من السماع للشائعات التي يَبُثّها دعاةُ الفتن، الذين تسبّبوا على كثير من بلدان المسلمين بالحروب والدمار، والشتات والانفلات، واكتوى أهلُها

بنارِ الخوف والرعب، وفقدوا الأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.

ومِنْ أبرز أسباب تحقُّق الأمْن والرخاء: طاعةُ الله وطاعةُ رسوله صلى الله عليه وسلم وأُلي الأمر، التي أمر الله ـ عز وجل ـ بها فقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ{.

اللهم ثبّتنا على دينك حتى نلقاك، واجعلنا ممّن أحبّك وخافك واتّقاك، إنك ربَّنا رؤوف رحيم.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: }إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما{.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply