نعمة الزواج وما يقع فيها من مخالفات


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الأُولَى مِن شَهرِ ذِي القَعدَةِ، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- مُقَدِّمَةٌ.

2- أَهَمِّيَةُ، وَمَقَاصِدُ وَحِكَمُ الزَّوَاجِ.

3- بَعضُ مُخَالَفَاتِ وَمُنكَرَاتِ الأَفرَاحِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التَّذكِيرُ بأهمِّيَةِ الزَّواجِ فِي الإسلامِ وَمَقَاصِدِهِ، مَعَ بيانِ المَخَالفَاتِ الشَّرعِيَّةِ التي تقع في أفراحِنَا للتَّحذِيرِ مِنهَا؛ لا سِيَّما ونحن مقبلون على هذه الأيام، وهي أيامُ أفرَاحٍ وَمُنَاسَبَاتٍ.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من أجلِّ نِعَمِ الله تعالى علينا: نعمةَ الزواج، فهو من آياته الكونية، والتي جعلها دليلًا على ربوبيته ووحدانيته، ورحمته بعباده؛ كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آياتهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.

• وأمرنا سبحانه وتعالى بالزواج ورغَّبنا وحثنا عليه؛ فقال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا}، وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

والنبي صلى الله عليه وسلم حثنا ورغبنا في الزواج أيضًا؛ ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"، وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ"[رواه أبو داود، والنسائي، وصححه الألباني].

• وللزواج في ديننا أهمية وشأن عظيم؛ فمنها:

1- أنه من سنن الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَٰجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بإذن ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}

2- والزواج: هو سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".

3- والزواج هو نصف الدِّين؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه الله على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني"[رواه الطبراني، والحاكم، وحسنه الألباني] وفي رواية: "إذا تَزَوَّجَ العبدُ فقدِ اسْتكمَلَ نِصْفَ الدِّينِ، فلْيَتَّقِ اللهَ في النِّصفِ الباقِي".

4- والزواج: سببٌ لخير ما يكنزه الإنسان في الدنيا؛ ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ". وفي لفظ: "إِنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَلَيْسَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ".

5- ومن عظيم شأن الزواج: أنه من أسباب السعادة؛ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ" [رواه أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني].

6- والزواج: من أسباب الغنى وسعة الأرزاق، ورفع الفقر والحاجة؛ قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ".[رواه الترمذي، والنسائي، وصححه الألباني].

• وقد كان بعض السلف ينصح من أصابته فاقةٌ بالزواج لهذه الآية، قَالَ أَبُو بَكرٍ رضي اللهُ عنه: (أَطِيعُوا اللهَ فِيمَا أَمَرَكُم بِهِ مِنَ النِّكَاحِ، يُنْجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم مِنَ الغِنَى)، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: (رَغَّبَهُمُ اللهُ تعالى فِي التَّزوِيجِ، وَأَمَرَ بِهِ الأَحرَارَ وَالعَبِيدَ، وَوَعَدَهُم عَلَيهِ الغِنَى)؛ فَقَالَ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

•وقال عمر رضي الله عنه: عجبت لمن ابتغى الغنى بغير النكاح والله عز وجل يقول: {ان يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله}.

•وقال الإمام أحمد رحمه الله: (أرى لمن أراد الزواج أن يستدين -أي: إن كان عاجزًا- ويؤدي الله عنه) كيف لا يؤدي الله عنه؟! وفي الحديث الصحيح النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم".

• والزواج قد شرعه الله تعالى لمقاصد عظيمة، وحكم سامية؛ فحري بمن تزوج، أو هو مقبل على الزواج أن يستحضرها. فلا ينبغي أن تكون نظرة الزوجين إلى الزواج مجرد نظرة شهوة فقط.!! نعم من مقاصد الزواج: إحصان الفرج، وحفظ العرض؛ لكن هناك مقاصد أخرى فمنها:

1- أنه عباده يتقرب بها إلى الله تعالى، ويستكمل بها نصف دينه.

2- ومنها: أنه امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

3- ومنها: إعفاف الفروج؛ إذ خلق الله تعالى هذا الإنسان، وغرز في كيانه الغريزة الجنسية، فشرع الله تعالى الزواج؛ لإشباع هذه الرغبة، ولعدم العبث فيها؛ فالزواج: هو وقاية من فخ الشهوة المحرمة وحفظٌ للفروج.

4- ومنها: حصول السكن والأنس بين الزوجين وحصول الراحة والاستقرار.

5- ومنها: التماس أجر وثواب النفقة على زوجته؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ". وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو يعوده حين مرضه: "وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إلى فِي امْرَأَتِكَ". وفي رواية: "وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ".

6- ومنها: أجر وثواب أن يأتيَ شهوته بالحلال؛ ففي الحديث الصحيح: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، آياتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟، قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"[رواه مسلم]

7- ومنها: إنجاب الذرية الصالحة، وتكثير عدد المسلمين، لإغاظة الكفار بهم، ولنشر دين الله تعالى؛ كما في الحديث الصحيح: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ".

8- ومنها: الطمع في دعاء الولد الصالح في الحياة وبعد الممات؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". وفي الحديث الصحيح: "إنَّ ممَّا يَلحَقُ المؤمنَ مِن عَملِه وحَسناتِه بعْدَ مَوتِه" وذكر منها: "ووَلدًا صالحًا تَرَكَه".

9- ومنها: بَقاء النوع الإنساني على وجهٍ سليم، والترفُّع ببني الإنسان عن الحياة البهيميَّة إلى الحياة الإنسانيَّة الكريمة، فإنَّ النكاح سببٌ للنسل الذي يحصلُ به بَقاء الإنسان؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}؛ ولولا النِّكاحُ للزم أحد أمرين: إمَّا فناء الإنسان، أو وُجود إنسان ناشئ من سِفَاحٍ لا يُعرَف له أصلٌ ولا يقومُ على أخلاق.

10- ومنها: حفظ الأنساب، وترابط القرابة والأرحام بعضها ببعض، والحفاظ على الأخلاق من الهبوط والتردي في هاوية الزنا والعلاقات المشبوهة؛ وتأمل إلى واقع البلاد الغربية وما فيها من الشذوذ والمثلية الجنسية، وغيرها من الفواحش.

نسأل الله العظيم أن ييسر لشبابنا سبل العفة والطهر، وأن يحفظهم من مضلات الفتن.

 

الخطبة الثانية: بَعضُ مُخَالَفَاتِ وَمُنكَرَاتِ الأَفرَاحِ.

• أيها المسلمون عباد الله، وبما أن الزواج نعمة من الله تعالى على عباده، فمن حق هذه النعمة أن تُشكر، وإن مما ينافي شكر هذه النعمة وقوعَ كثير من المخالفات والمنكرات التي تتعلق بها، ولعلنا نقف على بعض المنكرات التي تتعلق بالزواج والأفراح؛ ومنها:

1- اعتقاد عدم جواز نظر الرجل إلى مخطوبته.

• فإن النظر إلى المخطوبة من الأمور التي أرشَد الشرع إليها، والناس فيه بين مُفرِّط مقصِّر، وآخر متشدِّد: فالشرع أباحَ للخاطب رؤية مخطوبته، وبين أنَّ ذلك مَظِنَّة دوام العشرة؛ فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إلى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ". قال جابر: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها.[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ].

• والحكمة من ذلك: بيَّنَها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن المُغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: خَطَبت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنظَرتَ إليها؟" قلت: لا، قال: "فانظُر إليها؛ فإنه أجدرُ أن يُؤْدَمَ بينكما"؛[رواه النسائي.] أي: تكون بينكما المحبة والاتفاق.

• والعلماء ذكروا شروطًا منها: غلبة الظن بالإجابة، وعدم الخلوة بها، والنظر إلى ما يظهر منها غالبًا، والنظر بلا شهوة.

2- المغالاة في المهور، والمبالغة فيها؛ حتى صار الزواج من الأمور الشاقة جدًا، وعقبة من العقبات لدى كثير من الراغبين في الزواج.

• الصَّداق أو المهر: هو المال الذي وجب على الزوج لزوجته عند عقد النكاح؛ وسُمِّيَ بالصداق: لأن فيه إظهار لصدق رغبة الزوج في الزواج.

• ويجوز تعجيل المهر وتأجيله، كله أو بعضه، حسب عرف الناس وعاداتهم، بشرط ألا يكون الأجل مجهولًا.

• وذكر العلماء: أنه لا حد لأقل الصداق ولا أكثره، فكل ما صح أن يكون ثمنًا فيصح أن يكون صداقًا؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} فأطلق المال، ولم يقدره بحد معين.

ولحديث سهل بن سعد رضي الله عنه وفيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المرأة الواهبة نفسها: "أعطها، ولو خاتمًا من حديد" فدل هذا على جواز أقل ما يطلق عليه مال، وأما الدليل على أنه يجوز ولو كان كثيرًا، فقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} والقنطار المال الكثير.

• إلَّا أن الشرع: رغَّب في عدم المغالاة في المهور؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من يُمْنِ المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها" واليُمْن: البركة. وفي رواية: "أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا"، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ"[رواهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ]، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ألا لا تُغَالُوا في صُدُقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغلي بِصَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي قلبهِ وَيَقُولُ: قَدْ كَلِفْتُ فِيكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ".[رواه أبو داود، وأحمد، والترمذي، وصححه الألباني] وعَلَقَ القربة: حبلها الذي تعلق به؛ والمراد: تحملت لأجلك كل شيء حتى علق القربة.

• والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة في المهور واضحة: وهي تيسير الزواج للناس حتى لا ينصرفوا عنه فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة، كما أن المغالاة في المهور تَجعل الزوجة كأنها سِلعة تُباع وتشترى، مما يخل بالمروءة، وينافي الشيم ومكارم الأخلاق.

3- ومن المخالفات: ذهاب العروس إلى ما يُسمَّى بالكوافيرا؛ حتى أصبحت عادة لا تنكر، بلْ يُنكر على منْ هجرها.

• ولا شك أن في ذلك محاذير كثيرة:

•منها: ما تفعله بعض الكوافيرات من التحلية بحلى الكفار في الشعر وغيره، وهذه فيها مشابهه للكافرين ومن تشبه بقومٍ فهو منهم كما ثبت ذلك في الحديث.

•ومنها: أن عملهم يكون فيه النمص، وهذا الفعل حرام؛ وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم: فاعله.

•ومنها: تضييع بعض الصلوات، أو تأخيرها عن وقتها، بسبب ما يوضع من المكياج وغيره.

•ومنها: ما تفعله بعض الكوافيرات من هتك للعورات؛ قال الشيخ العثيمين رحمه الله: (وإنني أؤكد النصيحة على الرجال وعلى النساء ألا ينخدعوا في هذه الأمور وأرى أنه تجب مقاطعة هذه الكوافيرات وأن تقتصر النساء على التجمل بما لا يكون مُضرًّا في الدين موقعًا في الحرام بالتشبه بالكفار، وإذا أراد الله عز وجل المحبة بين الزوجين فإنها لا تحصل بمعاصي الله وإنما بطاعة الله عز وجل والتزام ما فيه الحياء والحشمة).

4- ومن الظواهر المنكرة، والعادات القبيحة التي فشت في أفراحنا: استخدام الأسلحة النارية وإطلاق الرصاص الحي.

• فإن من السنة في النكاح أن يعلن عنه بما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إظهارًا للفرح والسرور؛ ولكن يجب ألَّا يتعدى الحدود الشرعية.

• ولا شك أن في إطلاق الرصاص مِن تخويف المسلمين الشيء الكثير؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا"[رواه أبو داود].

• ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرصِ في التحذير من هذا الأمر؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ"، وفي سنن أبي داود والترمذي: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا"، كل ذلك حفاظًا من أن يتضرر مسلم بشيء من هذه الأسلحة.

5- ومن منكرات الأفراح: إحياء ليلة الفرح بالغناء والرقص، وأصوات الموسيقى.

• وهذا والله، من البلاء والشقاء أن تبدأ أوَّل ليلة في الحياة الزوجيَّة بمعصية الله عزَّ وجلَّ، ومخالفة أمر رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وماذا يتوقَّع لزواجٍ كانت أوَّل لياليه محادَّة لله ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؟!

•ولقد أقسم ابن مسعود رضي الله عنه: بالله الَّذي لا إله إلاَّ هو ثلاث مرَّات: أنَّ لَهْو الحديث المذْكور في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أنَّه هو الغناء.

• فإنَّ الذي أباحه الإسلام في الزَّواج: هو الضَّرب بالدف للنِّساء فقط، مع الغناء المعتاد الحسَن الَّذي ليس فيه دعوة إلى محرَّم، ولا مدْح لمحرَّم، ولا مصاحبة لآلات اللَّهو المحرَّمة؛ كما ذكر العلماء: أن الدف أيام العرس جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلان النكاح، ولكن بشروط:

•أن يكون الضرب بالدف.

•ألا يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة، فإن هذا ممنوع سواء كان معه دف أم لا، وسواء في أيام العرس أم لا.

•ألا يحصل بذلك فتنة كظهور الأصوات للرجال، فإن حصل بذلك فتنة كان ممنوعًا.

•ألا يكون في ذلك أذية على أحد، فإن كان فيه أذية كان ممنوعًا؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلين أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة لما في ذلك التشويش والإيذاء فكيف بأصوات الدفوف والغناء؟!

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (الغناء في العرس، والدّفّ في العرس أمرٌ جائز؛ بل مستحبٌّ إذا كان لا يُفضي إلى شر، لكن بين النساء خاصَّة في وقت من الليل، ثمَّ ينتهي بغير سهَر أو مكبر صوت، بل بالأغاني المعتادة التي بها مدْح للعروس، ومدْح للزَّوج بالحق أو أهل العروس، أو ما أشبه ذلك من الكلِمات التي ليس فيها شر، ويكون بين النِّساء خاصَّة ليس معهنَّ أحد من الرجال، ويكون بغير مكبِّر، هذا لا بأس به، كالعادة المتَّبعة في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وعهد الصحابة، وأمَّا التفاخر بالمطْرِبات، وبالأموال الجزيلة للمطْربات، فهذا منكَرٌ لا يَجوز، وهكذا بالمكبِّرات؛ لأنَّه يحصل به إيذاء للناس).

6- ومن منكرات الأفراح: التَّصوير.

• وكم حصل بهذا المنكر من فضائح ومفاسد؟! وكم تهدَّمت به أسر، وتفرَّق به من أزْواج؟! فقد تنتقِل هذه الصُّور إلى أيادي خبيثة ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فيستخدِمونَها في أغراضهم الدنيئة ويستغلُّونها للتشفِّي من بعض من يكرهونَهم، وقد ينشرونَها عبر شبكات التواصل.

7- ومن منكرات الأفراح: اختلاط الرجال بالنساء.

• حيث انتشر في مجتمعاتنا وأفراحنا ظاهرة دخول الزَّوج على النساء؛ فيشاهد النِّساء ويشاهدْنه وكلٌّ في أبهى زينته، وفي ذلك من الفتنة ما لا يَخفى على عاقل.

8- ومن المنكرات (في بعض الأفراح) انتشار وشرب المُسكرات.

• حيث يجتمع الحضور من الشباب على شرب الحشيش والمخدرات والخمور، وغيرها.

• فما أجملَ أن تكون أفراحنا في الدنيا متفقة مع الشّرع لتكون مُمهِّدة لأفراحنا في الآخرة، يوم أن يلقى المؤمنون المتقون ربَّهُم جل جلاله فيجازيهم أحسن الجزاء على صبرهم على طاعته، وبعدهم عن معصيته، وامتثالهم لأوامره.

نسأل الله العظيم أن ييسر لشبابنا سُبُل وأسباب الزواج.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply