أحكام زكاة الفطر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

رابعًا: على من تجب زكاة الفطر؟

قد اشترط الحنفية لوجوب زكاة الفطر أن يكون المرء مالكًا لنِصَابَ الزَّكَاةِ؛ وذلك لما أخرج مسلمٌ عنْ حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ  رضي الله عنه مرفوعًا: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، فنفى الصدقة عن الفقير، وبالقياس على زكاة المال. والراجح هو ما عليه جمهور أهل العلم:

 أن زكاة الفطر فرض على كل مسلم يملك قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه؛ لما قد ورد من حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ"، وهذا نص يَشْمَلُ الغنيَّ والفقيرَ الذي لا يملك نصابًا.

كما أن إطلاق الأحاديث التي أوجبت زكاة الفطر ينافى القول بتقييدها لمن كان مالكًا للنصاب.

وأما اشتراط أبى حنيفة لوجوب زكاة الفطر أن يكون المرء مالكًا لنِصَابَ الزَّكَاةِ، فكما قال العبدري: أن هذا القول لم يحفظ عن أحد غير أبى حنيفة.

وأمَّا استدلال الحنفية بحديثُ: "لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، فجوابه:

 أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يغنى المرء؟ قال: "أن يكون له شبع يوم وليلة"، كما أن زكاة الفطر يسقط وجوبها عمن لم يملك قوته يومًا أو ليلة.

وأمَّا الاستدلال بالقياس فغيرُ صحيحٍ؛ لأنه قياسٌ مع الفارق؛ إذ وجوبُ الفطرة متعلِّقٌ بالأبدان، والزكاة بالأموال. وانظر المجموع (89/6) ونيل الأوطار (246/5).

فرع: ذهب جمهور العلماء إلى أن كل من وجبت على المرء نفقته وجبت عليك فطرته؛ وذلك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تَمُونُونَ". قال الذهبي في *المهذب* (6757) إسناده لين. وضعَّفه ابن حجر في التلخيص (2/184)، وقال الدارقطني:

 رفعه القاسم بن عبد الله وليس بقوي، والصواب موقوف.

قال النووي: إسناده ضعيف، وقال البيهقي: إسناده غير قوي.

وقد صح الأثر موقوفًا على ابن عمر رضى الله عنه أنه كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم عمَّن يعول. (صححه البيهقي في الخلافيات (4/419) والدارقطني في سننه (2078).

قال مالك: أحسن ما سمع فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر، أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته. ولا بد له من أن ينفق عليه. (الموطأ (/)).

قال النووي: وجهات تحمل الفطرة ثلاث: الملك والنكاح والقرابة، فمن لزمة نفقة بسبب منها لزمه فطرة المنفق عليه. (الروضة (464/1)). (الاستذكار (263/3)).

بينما ذهب الثوري وأصحاب الرأي إلى أن زكاة الفطر يخرجها كل امرئ عن نفسه، فليس واجبًا على الزوج –مثلًا- أن يخرج عن زوجته زكاة الفطر؛ لما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: "صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى...".

قال ابن المنذر: ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يعارض به هذا الخبر. وظاهر الحديث لا يجوز تركه وليس منه إجماع فيتبع.

ومما يقوّي هذا القول ويقدَّمه ما ورد من مقال في حديث (ممن تَمُونُونَ...).

فالصحيح أنها واجبة على الأعيان، وأن الزوجة والأبناء يجب أن يؤدي كل شخص زكاة الفطر عن نفسه، لكن لو تبرع الرجل بإخراجها عمن في بيته فهذا جائز؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك كان يخرج زكاة الفطر عمن في بيته.[الإشراف على مذاهب العلماء (72/3)] [والشرح الممتع (675/2)].

1-  يجب إخراج زكاة الفطر عمن تجب على المرء نفقته بأصل الشرع، لا ما كان على وجه التبرع، وعليه فمن تبرع بالنفقة على ذي قرابة، أو يتيم لا مال له فلا يجب عليه -على الراجح- إخراج زكاة الفطر عنهم.

قال النووي: *لو تبرع إنسان بالنفقة على أجنبي، لا يلزمه فطرته بلا خلاف عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة*. *المجموع* (100/6).

وقال ابن قدامة: *وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو الصحيح *( 73)/3).

2-  اليتيم الذي له مال كإرث أو صدقة تصدق بها عليه...، فزكاة الفطر واجبة في ماله.
وبه قال جمهور أهل العلم.

3-  من عقد على امرأة ولم يدخل بها فلا يلزمه فطرتها؛ لأنه غير ملزم بالنفقة عليها، وكذا من كانت زوجته كتابية للتنصيص على وجوبها على المسلمين.

4-  تجب زكاة الفطر على كل من غربت عليهم شمس آخر يوم من رمضان، فإذا ولد الطفل قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان أخرجت عنه زكاة الفطر، أما إذا غربت شمس آخر يوم من رمضان وهو في بطن أمه فلا يجب إخراجها عنه.
وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحنابلة والشافعية، وعللوا ذلك بأن هذه الزكاة أضيفت إلى الفطر، والإضافة تقتضي الاختصاص، أي الصدقة المختصة بالفطر، وأول فطر يقع عن جميع رمضان هو بغروب شمس آخر يوم من رمضان.
وأما إخراجها عن الجنين: فقد نقل ابن قاسم في حاشية الروض (277/3): اتفاق الأئمة الأربعة على استحباب ذلك، إذا كمل الجنين في بطن أمه أربعة أشهر قبل الفجر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة: أن عثمان رضى الله عنه كان يعطي صدقة الفطر عن الحمل. (وضعفه الألباني في الإرواء (331/3) وعن أبي قلابة قال: «كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير، حتى على الحبل في بطن أمه» أخرجه عبدالرزاق (5788)، وسنده صحيح.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه، وانفرد ابن حنبل فكان يحبه ولا يوجبه. (الإجماع (103) والمغني (695/2).

خامسًا: وقت إخراج زكاة الفطر:

أحوال إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي:

الحال الأولى: وهو وقت الجواز، وهو وقت التعجيل: أما وقت تعجيلها فقد اختلف العلماء في تحديدها على أقوال:

-القول الأول: يجوز تعجيلها من أول الحول؛ لأنها زكاة، فأشبهت زكاة المال، وهو قول الحنفية.

-القول الثاني: يجوز عند الشافعية تقديم الفطرة من أول شهر رمضان؛ وقال به الشافعية؛ لأنها إنما تجب بسببين: صوم شهر رمضان، والفطر منه، فإذا وجد أحدهما، جاز تقديمها على الآخر، كزكاة المال بعد ملك النصاب وقبل الحول.
ويجوز عند المالكية والحنابلة: تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، لا أكثر من ذلك، [الذخيرة (157/3) والمغنى (69/3)].
وهذا هو الراجح، لحديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((... وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))، الصاحب إذا قال كانوا يفعلون... مما له حكم الرفع.
قال صاحب المغني: وقوله ((وكانوا يعطون)) فيه إشارة إلى جميع الصحابة فكان إجماعًا؛ ولأن سبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه؛ كما أن العبادات توقيفية.

الحال الثانية: وهو وقت الوجوب: فجمهور أهل العلم أنها تجب بغروب شمس ليلة الفطر، وهو آخر أيام رمضان. وذهب الحنفية إلى أنها تجب بطلوع فجر يوم العيد.

(الراجح الأول): وذلك لما روى مسلم من حديث ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ.." فدل ذلك على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان. كما أنه يتضح من اسمها "زَكَاةَ الْفِطْرِ"؛ فهي صدقة تجب بالفطر من رمضان؛ وإنما سميت بصدقة الفطر لأنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وهذا من جهة أنه أضاف الصدقة إلى الفطر، والإضافة تقتضي الاختصاص، أي الصدقة المختصة بالفطر من رمضان. وبناء على ما ترجح:

- فمن وُلِد له ولد، أو أسلم قبل غروب الشمس، فعليه الفطرة، وإن كان ذلك بعد الغروب لم تلزمه، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر وجب إخراج صدقة الفطر عنه، وإن مات قبل الغروب فلا فطرة عليه.

والضابط هنا: (كل من غربت عليه شمس آخر يوم من أيام رمضان وهو مسلم حيُّ فقد وجبت عليه زكاة الفطر).

فأول وقت الوجوب لزكاة الفطر: ((إنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الصلاة)).

الحال الثالثة: وهو حال الاستحباب: فالمستحب هو إخراج زكاة الفطر قبل الخروج لصلاة عيد الفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمرو ابن عباس رضي الله عنهم: "فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".

فالأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ وذلك لسد حاجة الفقراء يوم العيد، وإغنائهم يوم العيد عن المسألة.

ولهذا يُسَن تأخير صلاة العيد يوم الفطر؛ ليتسع الوقت على من أراد إخراجها، كما يسن تعجيل صلاة العيد يوم الأضحى؛ ليذهب الناس لذبح أضاحيهم ويأكلوا منها.

الحال الرابعة: أن يؤخرها إلى ما بعد صلاة العيد:

فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم بعد بيانه بالأدلة وقتها: ومقتضى قوله: من أداها قبل الصلاة... إلخ: أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت بالفراغ في الصلاة، وصوبه، وقال قواه شيخنا ونصره. اهـ. انظر: [زاد المعاد (151/1)] .

وقال ابن رشد: تأخيرها عن يوم العيد، حرام بالاتفاق.

وقال ابن الوزير: اتفقوا على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخير، وهي دين عليه، حتى يؤديها. ا. هـ (حاشية الروض (282/3) والإفصاح (211/1).

قال الخرشي: في شرحه لمختصر خليل المالكي: ولا تسقط زكاة الفطر عمن لزمته بمضي زمن وجوبها وهو أول ليلة العيد أو فجره، بل يخرجها لماضي السنين عنه وعمن تلزمه عنه، وأما لو مضى زمن وجوبها وهو معسر فإنها تسقط عنه. انتهى.

والصواب في هذا والذي تقتضيه الأدلة، أنها لا تقبل زكاته منه إذا أخرها ولم يخرجها إلا بعد الصلاة من يوم العيد، بل تكون صدقة من الصدقات، ويكون بذلك آثما إذا كان قد أخرها لغير عذر.

وذلك بناء على القاعدة التي دلت عليها النصوص وهي: «أن كل عبادة مؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل». (الشرح الممتع(686/2)).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply