بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الاكتئاب هو اضطراب نفسي يتسم بانخفاض المزاج، وضعف التفكير، وبطء الحركة. يعاني الشخص المصاب بالاكتئاب من انخفاض تقدير الذات وفقدان الاهتمام بالحياة والنشاطات المعتادة. فالدنيا مجبولة على الكدر والكبد، فهي دار محن وابتلاءات وجسر عبور للآخرة.
في الإسلام، نجد التوجيهات والنصائح التي تساعد المؤمنين على التغلب على مثل هذه الحالات النفسية الصعبة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ".
أسباب الاكتئاب بعد الزواج:
الروتين اليومي: الحياة الزوجية تتحول في كثير من الأحيان إلى روتين ممل، مما يؤدي إلى فقدان الحماس والسعادة التي كانت موجودة في بداية الزواج. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: }وَمِنْ آياتهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً{ (الروم: 21)، وهو تأكيد على أهمية المودة والرحمة في الحياة الزوجية.
المسؤوليات الجديدة: الانتقال من حياة العزوبية إلى حياة الزوجية يأتي بمسؤوليات جديدة، مثل العناية بالمنزل، وتربية الأطفال، وإدارة العلاقات العائلية.
النقد المستمر: يمكن أن يؤدي النقد المستمر من الزوج أو أفراد العائلة إلى شعور المرأة بعدم التقدير والإحباط. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا"(رواه البخاري ومسلم).
الفقدان التدريجي للرومانسية: بعد فترة من الزواج، قد يشعر الزوجان بأن الرومانسية تضاءلت، مما يؤدي إلى شعور المرأة بالاكتئاب والانعزال.
كيفية التعامل مع الاكتئاب بعد الزواج:
الحفاظ على الهدوء: من المهم أن تحافظ المرأة على هدوئها، وتحاول تجنب الانخراط في مشاجرات أو نزاعات. قال الله تعالى: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{(آل عمران: 134).
البحث عن الدعم: يمكن للمرأة البحث عن دعم الأصدقاء أو أفراد العائلة المقربين للتحدث عن مشاعرها ومخاوفها.
تخصيص وقت للراحة: يجب على المرأة أن تخصص وقتًا لنفسها، لممارسة الهوايات التي تحبها أو القيام بنشاطات ترفيهية تساعدها على الاسترخاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقًا"(رواه البخاري).
البحث عن المشورة: إذا كانت الحالة تزداد سوءًا، يمكن للمرأة اللجوء إلى مستشار نفسي أو معالج لمساعدتها على التغلب على الاكتئاب. قال تعالى: }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{(النحل: 43).
دور المجتمع في دعم المرأة:
في مجتمعنا، نرى للأسف العديد من حالات الطلاق بين الأزواج الشبان بسبب قلة المعرفة بالحياة الزوجية والدعم غير الكافي من الأهل. يجب أن يتعلم الأهل كيفية تقديم الدعم الصحيح لأبنائهم، بدلًا من التدخل الزائد الذي قد يزيد من التوتر والصراع بين الزوجين. وقد قال الله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{(المائدة: 2).
أهمية الحفاظ على العلاقات الأسرية:
الحفاظ على العلاقات الأسرية الجيدة مهم جدًا للمرأة المتزوجة. يمكن للمرأة أن تجد الدعم والراحة في العلاقة الجيدة مع عائلتها وأصدقائها. لذا، من المهم أن تحافظ المرأة على هذه العلاقات وتسعى لتطويرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(رواه الترمذي).
النصائح العملية للمرأة المتزوجة:
الابتعاد عن السلبيات: يجب على المرأة أن تتجنب التفكير السلبي والتركيز على الجوانب الإيجابية في حياتها. قال الله تعالى: }إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{(الشرح: 6).
الاستفادة من الوقت: يمكن للمرأة استغلال وقتها في القيام بأعمال مفيدة، مثل التطوع، أو مساعدة الآخرين، أو تعلم مهارات جديدة.
البحث عن السعادة: السعادة تأتي من الداخل، لذا يجب على المرأة أن تبحث عن مصادر السعادة بداخلها وتعمل على تحقيقها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
*وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ، أَوْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْإِسْلَامِ: جَزِعَ وَكَلَّ وَنَاحَ، كَمَا يَنُوحُ أَهْلُ الْمَصَائِبِ؛ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ هَذَا؛ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ اَللَّهِ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوَى، وَأَنَّ مَا يُصِيبُهُ فَهُوَ بِذُنُوبِهِ؛ فَلْيَصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلْيَسْتَغْفِرْ لِذَنْبِهِ، وَلْيُسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّهِ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ* انتهى من )مجموع الفتاوى((18/295).
إن الحياة الزوجية مليئة بالتحديات، علينا أن نلجأ لله ونعتصم بدينه، والإكثار من الدعاء وخاصة في يوم الجمعة وأوقات الاستجابة الواردة في السنة، نسأل الله أن يردنا إلى دينه القويم ردًا حسنًا، قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{[يونس:57].
وليس أعظم علاجًا لذلك من الصبر والتقوى، وحسن الظن بالله تعالى، والتوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، واللجوء إليه في كل وقت.
بالإضافة إلى ذلك فالتفكير الإيجابي والدعم المناسب يعين الأسرة من التغلب على الاكتئاب والعيش حياة سعيدة ومستقرة. أيضًا فالمجتمع يلعب دورًا كبيرًا في دعم المرأة ومساعدتها على تجاوز الصعاب، وعلينا جميعًا أن نكون داعمين ومتفاهمين تجاه عائلاتنا. قال الله تعالى: }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{(الشرح: 5).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد