بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
شريعةٌ ما تجافَتْنَا مراميها | ولا أذَلَّ مُحَيَّانا أعَاديهَا | |
من سدرةِ المنتهى أنوارُها سطعَتْ | فأكرَمَتْ بِسَناها مَن يُواليها | |
وهل لنا غيرُ ماشاءَ الإلهُ لنا | فحالُنا ليس غيرُ اللهِ يُرضيها | |
نأتْ عن المللِ الجوفاءِ رفعَتُها | وآمنَتْ بالمثاني جلَّ مُوحيها | |
وبالتي أورثَ الهادي لأُمَّتِه | فَسُنَّةٌ لم تزلْ في الدَّهرِ تُحييها | |
(أبا أُسامة) ما ضلَّتْ مراكبُنا | ولا استنامَ بظلِّ الوهْنِ حاديها | |
(يا دندلَ الجبرِ) لم يجبرْ خواطرَنا | سوى الذي بالهدى الأسمى يُواتيها* | |
ألم نجدْها يبابا في مرابعِنا | وقلَّةٌ من كرامِ القومِ تفديها؟ | |
فغالَبَتْنا على نجداتِها فتنٌ | وحاولتْ بالأذى ترمي أمانينا | |
لكنَّها خُذِلَتْ واللهُ أوردَها | زيفَ السَّرابِ الذي أعمى مآقيها | |
وباتتِ الغُمَّةُ العميا تُمَحِصُنا | فما وَهَنَّا، وما رُدَّتْ أياديها! | |
وإخوةٌ بذلوا للهِ أنفسَهم | وليس يجزعُ يومَ البذلِ باكيها | |
وغالَبَتْ قسوةَ العادي عقيدتُهم | وجندلتْ سَفَهًا قد رامَ يٌقصيها | |
وكنتَ في غمرة الشِّدَّاتِ فارسَها | تُزجي مواجعَها من نفحِ واليها | |
أخا المآثرِ ما لانتْ عزائمُنا | وتشهدُ (الديرُ) لا تنسى أهاليها | |
لقد منَحْنَا مغانيها محبَتَنا | وسعيُنا لم يكنْ إلا لباريها | |
فنوديتْ لكتابِ اللهِ أمَّتُنا | ومدَّتِ اليومَ في الوادي أياديها | |
لا تستجيرُ بمَن جافوا ومَن جحدوا | شريعةَ اللهِ أو مَن عاشَ يُرديها | |
وإنَّما بشبابٍ زادُهم قيمٌ | من اليقينِ بربٍّ الخلقِ يحميها | |
فأقبلوا يبذلون الروحَ ما فزعوا | ويومها بلغتْ أعلى تراقيها | |
هذا هشامٌ وقد ألقى بمهجته | يفدي شريعتَه الرحمنُ يُعليها | |
وعانقتْ روحُه بالصِّدقِ غايتَها | فللشهادةِ شاريها وحاديها | |
وإخوةٌ من كرامِ الناسِ: أنفُسُهُم | هيهات في الجودِ تلقى مَن يجاريها | |
عبدالحميد الناصر المؤمن ابتسمتْ | له الجنانُ وقد وافى المنى فيها | |
ويوسُف الطلب المقدام أرسلها | أُغرودةً ما تلاشتْ في منافيها | |
هم عندَ بارئِهم طوبى لمقدمهم | في جنَّةِ الخلدِ هذا الركبُ يعنيها | |
قد أدلجوا بدروبٍ غيرِ مظلمةٍ | فيها شريعتُهم تُؤتَى مآتيها | |
هم من مئاتٍ من الأبرارِ أكرمهم | ويكرمُ اللهُ فيها مَنْ يواليها | |
عاشوا الليالي بأذكارٍ يحفِّزُهم | حبُّ النَّبِيِّ وركْعاتٌ لباريها | |
فما الحياةُ سوى ميدانِ مَن سبقوا | إلى الخلودِ وما هانوا لغاليها | |
فجنَّةُ الخلدِ والرحمنُ زيَّنَها | وهو المهيمنُ منشيها وواليها | |
لهم بها الدرجاتُ العالياتُ وهل | أغلى على القلبِ من رضوانِ باريها! | |
فنفسُك اليومً وطِّنْهَا لموطنِها | يوم اللقا، ولغِيٍّ لا تُماشيها | |
وَطَهِرَنْ سعيَها من كلِّ شائبةٍ | تشينُ نهجَكَ في حالٍ تُؤدِّيها | |
فالعيشُ في بهرجِ الدنيا بلا أملٍ | وإن طربْتَ لِلَحنٍ من أغانيها | |
فعشْ فصولَك بالتقوى ولا تَرِدَنْ | روضَ الفسادِ، وَصُنْها في فيافيها! | |
فوحشةُ العمرِ فيها أنت تصرمُها | بالبيِّناتِ التي بالشوقِ توليها | |
آمنْ بربِّك فالإيمانُ قوةُ مَن | عافَ البهارجَ ما أغراهُ شاديها | |
أما المطايا ففي أرسانِها شغفٌ | للمكرماتِ التي فاضت بواديها | |
وهذه المحنةُ البلهاءُ ما برحتْ | تُنَغِّصُ العيشَ لم تهدأ سوافيها | |
عدوُّنا فاغرٌ فاهُ الذي وجمتْ | عليه خسَّتُه يخشى تلاشيها | |
شُواظُها الحقدُ أزجاهُ لمركبنا | ليغرقَ النُّورَ في ديجورِ جانيها | |
وفوهةُ الغيِّ في أشداقها لهبٌ | له اندلاعٌ على دينٍ سيكويها | |
مساوئُ العصرِ ما اجتاحتْ عقيدتَنا | لكنَّها أخَّرتْ حينًا مساعيها | |
ونبتةُ البيدِ لم تثمرْ وقد عصفتْ | بها الرياحُ فلم تهنأْ مراعيها | |
أمَّا الرعاةُ ففي أحنائهم وهجٌ | يهيلُ مستعرًا يغشى تجلِّيها | |
يزجُّ أفئدةً لله ما برحتْ | ترجو معونتَه فتحًا يؤاخيها | |
في غيهبٍ وَعِرٍ تجترُّ وحشتُه | ما اقتاته الغيُّ في دنيا تلاحيها | |
ويعلمُ الجمعُ ممَّنْ رافقتْ يدُه | يدَ الوفاءِ التي عشنا نُقَوِّيها | |
ونافحُوا ما نأوا عنها ولا جحدوا | وكلُّهم في غمارِ النَّقعِ يفديها | |
وذوَّبوا مهجًا تفدي شريعتَهم | بمبخرِ الصَّبرِ فوَّاحًا يواتيها | |
وفي جوانحنا الإيمانُ يسعفُها | يجيرُ لهفتَها الرحمنُ منشيها | |
فَكِبْرُ شانئنا ماضرَّ زاخرَها | وما ونى مَن رأى نورَ الهدى فيها | |
وريحُ دعوتِنا هبَّت بوادرها | فأجفلتْ فَزَعًا منها أعاديها | |
إذْ ليس فيها سوى أفياءِ رحمتِها | وباءَ بالعارِ تَبًّا مَن يُجافيها | |
ليلعقَ الإثمَ تكويه مواجعُه | ويعلمَ اليومَ مَن يصحو مساويها | |
ليدحضَ الهمُّ بالإطراقِ هالتَه | لمَّا تصدَّى لركبِ النورِ شانيها | |
تطاولتْ يدُ طاغوتٍ وما جمعتْ | من بغيِها المرِّ إلا مِن تجنِّيها | |
تطاولت وهوى بالسوءِ خنجرُها | على النسورِ، وما أجدى تماديها | |
وأظلمتْ دارُهم في ليلِ كبوتِهم | ودارُنا أقمرتْ تزهو لياليها | |
جراحُنا والخطوبُ السُّودُ أروقةٌ | مكنونُها الغامرُ الميمونُ يُعليها | |
لم ينهدمْ مجدَها من فأسِ شانئِها | محاولا طمسَ ركنٍ في أعاليها | |
هيهاتَ يَحْفِنُ خبثُ الغيِّ أروقةً | شيدتْ على منهجِ التقوى مغانيها | |
أعيتْ مداركَهم أنوارُ رفعتِها | وأقعدتْهم على عارٍ مآتيها | |
إذ أمرعتْ بالجنى جنَّاتُهأ وزهتْ | لمَّا روى ودقُها الهاني بواديها | |
وأومأتْ بالهدى للخلقِ جنَّتُها | فليس يخشى تقيٌّ من سوافيها | |
وشجوُ أفذاذِها ولَّى وقد نُصِروا | من القويِّ الذي يُفني أعاديها | |
فلم تزل سابغاتُ الجندِ باهيةً | وللعدوِّ فقد سلَّتْ مواضيها | |
فأُمَّةٌ قد براها اللهُ مسلمةً | فليس بالغيِّ مكرُ العصرِ يؤذيها | |
قد عادَ رائحُها بالعزِّ تحرسُه | عنايةُ اللهِ والبشرى لغاديها | |
للغارسين بذورَ المجدِ ما تعبوا | وليس تقعدُهم يوما دواعيها | |
هي القلوبُ التي قد آمنتْ ورنتْ | لوعدِ بارئِها الأعلى مآقيها | |
إنْ مسَّها الضُّرُّ فالإيمانُ يسعفُها | أو نابَها الضَّيمُ فالدَّيَّانُ واليها | |
لا تجزعَنَّ أخا الإسلامِ من محنٍ | تثاقلتْ وعوى في الليلِ جانيها | |
وإنْ تبرَّجَ بالطغيانِ شانئُها | فلن تذلَّ لأوغادٍ نواصيها | |
فأمَّةٌ رفعتْ للهِ رايتَها | فلنْ يرفَّ على ذلٍّ تباهيها | |
عمادُها الشَّاهقُ: الأيامُ تعرفُه | وشاهدُ العصرِ في الدنيا يزكيها | |
وليس يردعُنا عن نصرةٍ وجبتْ | لها ولا لجهادٍ جاءَ يُحييها | |
قد حثَّنا اللهُ في القرآن واستمعتْ | إليه أرواحُنا: ذكرى وتنبيها | |
ومن نبيِّ الهدى جاءتْ فرائدُه | تحثُّ مَن في الورى بالروحِ يفديها | |
وليس مطمعُنا في غايةٍ سقطتْ | وليس ترقى إلى أسمى أمانيها | |
فأُمَّةٌ نهضتْ ما شلَّها وجلٌ | من الظلامِ الذي يغشى نواحيها | |
فمن أساها جرتْ أصداءُ محنتها | ترنُّ تُسمعُ مَن يصغي لحاديها | |
آنَ الأوانُ فدنياهم شكتْ وبكتْ | من الفسادِ الذي قد كادَ يُفنيها | |
ومن عقوقِ طواغيتٍ لبارئِها | وللأسى عَكفتْ ثملى مراثيها | |
تجوبُ أرجاءَها البلوى وتحرقُها | نارُ المكائدِ في غفْلاتِ أهليها | |
وليس يسعفُها إلا الرجوع إلى | ربِّ السَّماءِ فكم بالآيِ يوصيها | |
مذْ أدبرتْ عن مثانيها تَلَقَّفَهَا | مافي مخابئِهم من مكرِ شانيها | |
فأنفُسٌ من كُوى الإيذاءِ ما برحتْ | ترنو ليومٍ لها يُقصي عواديها | |
فأدركَتْهُ وفي أحنائها فرحٌ | وحينها كان عرسًا في مغانيها | |
فغدرةُ العَمَهِ المشؤومِ أتقنها | بنو الضَّلالِ ألا هُدَّتْ صياصيها | |
حتى إذا ما أتى أمرٌ يباركُه | ربُّ العبادِ فلأردى مَن يعاديها | |
وثبَّتَ اللهُ أقدامًا بساحتِها | وجاءَ بالفتحِ ما أبقى الأذى فيها | |
وكبَّرَتْ جنباتُ الأرضِ وابتهجتْ | بيضُ القلوبِ وما عاشتْ تصابيها | |
فالدينُ والأمَّةُ الثكلى وما افترقا | لا يرضيانِ نكوصًا عن مراقيها | |
فَسُنَّةُ اللهِ أعلى رغمَ سطوتهم | ورغم حشدِ القُوى باءت مساويها | |
فوعدُ ربِّيَ حقٌّ لا مِراءَ به | والناسُ لا يعلمون اليوم آتيها | |
يومَ استغاثتْ بيومِ الخطبِ أُمَّتُنا | ألفتْ شريعتَها خفَّتْ تدانيها | |
فليس من منقذٍ للناسِ من محنٍ | إلا مآثر قرآنٍ يواسيها | |
وسُنَّةٍ لرسولِ اللهِ ترشدُها | إذا العدوُّ بحقدٍ جاءَ يرميها |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أبو أسامة: هو فضيلة الشيخ الكاتب دندل جبر أحد الدعاة في مدينة ديرالزور في سوريا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد