عبدالله بن رواحة الشاعر الشهيد


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

نسبه: هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا محمد، وقيل: أبو رواحة. وأمه كبشة بنت واقد من بني الحارث بن الخزرج.

كان من الاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا الذين اخْتَارَهم رَسُولُ اللّهِ ليلة العقبة. وشهد بدرًا وأحدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها مع رسول الله ، وهو أحد الأمراء الشهداء في غزوة مؤتة.

فضله: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن رواحة أتى النبي وهو يخطب، فسمعه يقول:"اجلسوا". فجلس مكانه خارجًا من المسجد حتى فرغ النبي من خطبته، فبلغ ذلك النبي فقال له: "زادك الله حرصًا على طواعية الله وطواعية رسوله" وكان عبد الله أول خارج إلى الغزو وآخر قافل.[i]

قال أبو الدرداء: أعوذ بالله أن يأتي عليّ يوم، لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقيني مقبلًا ضرب بين ثديي، وإذا لقيني مدبرًا ضرب بين كتفي ثم يقول: يا عويمر، اجلس فلنؤمن ساعة. فنجلس، فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر، هذه مجالس الإيمان.[ii]

مكانته وسبقه: كان عبدالله بن رواحة رضي الله عنه من كُتّابِ الوحى لرسول الله [iii]:

وكان خارصا[iv] للنبي حيث كَانَ يَبْعَثُ الْخَارِصَ إلى مَنْ سَاقَاهُ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ وَزَارِعِهِ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ الثّمَارَ وَالزّرُوعَ وَيُضَمّنُهُمْ شَطْرَهَا وَكَانَ يَبْعَثُ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ.[v].

... وقد أشار إليه القرآن الكريم إشارة لطيفة بيّنها رسول الله ... وذلك لما نزلت آيات الشعراء: }وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) {الشعراء 224-226(، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله ، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآيات أنَّا شعراء. فتلا النبي : }إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ{ قال: "أنتم}وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا{ قال: "أنتم}وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا{قال: "أنتم"[vi].

شعره: يمتاز شعر عبدالله بن رواحة بالعذوبة والسهولة ووضوح المعنى وجمال التصوير وسمو الفكرة ... وكفى به شرفا أن رسول الله كان يتمثل بشعره... عَنْ عَائِشَةَ قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ النَّبِيُّ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ.[vii]

وعن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعرِ فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ يَنْقُلُ مِنْ التُّرَابِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا                     وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا                            وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا                         وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

   قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا. [viii]

فهو مِنْ شُعَرَاء رسول الله مع كَعْب بْن مَالِكٍ وحَسّان بْن ثَابِتٍ.

كما كان من حُدَاتِهِ[ix] الّذِينَ كَانُوا يحدونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي السّفَرِ.[x].

_ وكفاه شرفا ثناء رسول الله على مضمون شعره بقوله : "إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ" يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ                     إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنْ الْفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا                بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ                   إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ [xi] 

ولا يخفى ما فى هذه الأبيات – إضافة إلى سمو الفكرة – من جمال فى الاستعارة والكناية وروعة فى المحسنات اللفظية والمعنوية.

وهذه مواقف قال فيها الشعر فى حضرة رسول الله :

_ لما خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ عَام الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَقَفَ أَهْلُ مَكّةَ الرّجَالُ وَالنّسَاءُ ينظرون إليه وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ يَرْتَجِزُ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ يَقُولُ:

خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ                    قَدْ أَنْزَلَ الرّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ

فِي صُحُفٍ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ                  يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ

إنّي رَأَيْتُ الْحَقّ فِي قَبُولِهِ                       الْيَوْمَ نَضْرِبكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ                     وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ[xii]

_ وعن ابن إسحاق قال: سار عبد الله بن رواحة - يعني إلى مؤته - وكان زيد بن أرقم يتيمًا في حجره، فحمله في حقيبة رحله، وخرج به غازيًا إلى مؤتة، فسمعه زيدٌ من الليل وهو يتمثل أبياته التي قال فيها:

إذا أدنيتِني وحملتِ رحلي                       مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنُكِ فانعمي وخلاك ذمٌّ                    ولا أرجع إلى أهلي ورائي

وجاء المؤمنون وغادروني                       بأرض الشام مشهور الثواء

وردَّكِ كلُّ ذي نسبٍ قريب                    إلى الرحمن منقطع الإخاء

هنالك لا أبالي طلع بعل                      ولا نخل أسافلها رواء

فلما سمعه زيد بكى، فخفقه بالدرّة وقال: ما عليك أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبيتي الرحل![xiii]... إن هذه المقطوعة المؤثرة صورة تعبيرية رائعة تتمثل فى الوحدة العضوية بين أبياتها؛ فالموضوع واحد والجو النفسى فيها مفعم بالصدق العاطفى، فى ترابط وانسجام.

_ وروى عبد السلام بن النعمان بن بشير: أن جعفر بن أبي طالب حين قُتل دعا الناسُ عبدَ الله بن رواحة، وهو في جانب العسكر، فتقدم فقاتل: وقال يخاطب نفسه:

يا نفس إلا تقتلي تموتي                        هذا حياض الموت قد صلِيتِ

وما تمنيتِ فقد لقيتِ                          إن تفعلي فِعْلَهما هُدِيتِ

وأن تأخرتِ فقد شَقيتِ

يعني زيدًا وجعفرًا. ثم قال:

يا نفس ما لكِ تكرهين الجنة                  أقسم بالله لتنزلنّه

طائعة أو لتكرهنّه                              فطالما قد كنت مطمئنّه

هل أنت إلا نطفةٌ في شنّه                     قد أجلب الناس وشدوا الرّنّه[xiv]

... قصيدة تبدو صادقة العاطفة، منوعة القافية، منسابة الموسيقى باستخدام التصريع فى كل أبياتها، مع قافية مؤثرة؛ حيث التاء المكسورة فى المقطع الأول، والنون المشدّدة مع الهاء الساكنة فى المقطع الثانى، مع موسيقا داخلية عذبة... تهز النفس وتثير الوجدان.

-لقد دعا رسول الله لابن رواحة أكثر من مرة حين سمع منه شعرا... فعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله لعبدالله بن رواحة: "لو حـرّكْتَ بنا الــرِّكاب" فقال: لقد تركتُ قوْلي. فقال له عمر: اسمع وأطع. فقال:

اللهم لولا انت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا

فقال رسول الله ﷺ "اللهم ارحمه" فقال عمر: وجبت[xv].أى وجبت له الجنة.

-ولما مدح النبيَّ بقوله:

إني تفرّست فيك الخير أعرفه                  والله يعلم أن ما خانني البصرُ

أنت النبي ومن يُحرَم شفاعته                   يوم الحساب فقد أزرى به القدَرُ

فثبّت الله ما آتاك من حُسن                   تثبيتَ موسى ونصرًا كالذي نصروا

فقال النبي : "وأنت، فثبتك الله يا ابن رواحة". قال هشام بن عروة: فثبته الله أحسن الثبات، فقتل شهيدًا، وفتحت له أبواب الجنة، فدخلها شهيدًا.[xvi]

هذا هو عبدالله بن رواحة رضي الله عنه الشاعر الشهيد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

نشر هذا المقال فى مجلة الوعي الإسلامى الكويتية عدد ّذى القعدة 1444 هـ

الهوامش

 


[i] البداية والنهاية 4/294

[ii] السابق

[iii] زادالمعاد لابن القيم 1/113

[iv] الخارص هو الذي يقدّر ما على النخيل و الكروم من ثمر لمعرفة مقدار الزكاة فيها. (المعجم الوسيط 1/227)

[v] ابن حبان 11/608

[vi] رواه ابن أبي حاتم. وابن جرير ابن كثير 6/175

[vii] الترمذى 10/68

[viii] البخارى 13/10

[ix] الحداء: الغناء للإبل (أثناء سيرها) ... المعجم الوسيط 1/162

[x] زاد المعاد 125

[xi] البخارى 4/331

[xii] زاد المعاد 3/327

[xiii] حياة الصحابة 2/144

[xiv] الكامل فى التاريخ 2/113

[xv] تاريخ دمشق 28/104

[xvi] البداية والنهاية 4/294 والاستيعاب 3/900 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply