الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه فوائد وحِكَم في الصحبة وآدابها، التقطتُها لأتَّعظ بها ويتَّعظ بها غيري، وننتفع بها جميعًا، وتكون لنا مرشدة إلى طريق الخير في معاملة الأصحاب والأحباب - إن شاء الله.
• عن أنس رضي الله عنه:"ما تَحَابَّ اثنان في الله إلا كان أحبُّهما إلى الله أشدَّهما حبًّا لصاحبه"؛ أخرجه ابن حِبَّان والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
• عن علي رضي الله عنه:
ولا تَصْحَبْ أخَا الجهل ** فإيَّاك وإيَّاه
فكم مِن جاهلٍ أرْدَى ** حليمًا حين آخاه
• وقال عليٌّ رضي الله عنه رجَزًا:
إنَّ أخاك الحقَّ مَن كان معَكْ ** ومَن يَضرُّ نفسَه ليَنْفَعَكْ
ومَنْ إذا ريبُ زمانٍ صَرَعَكْ ** شتَّتَ فِيهِ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَكْ
• وفي الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه: "المؤمن مِرآةُ المؤمن، والمؤمنُ أخو المؤمن، يَكفُّ عليه ضَيْعتَه، ويَحوطُه من ورائِه"؛ رواه أبو داود.
أي: يجمع عليه معيشته، ويحفظ عليه حالته، وقوله: "المؤمن مِرآة المؤمن"؛ أي: يرى منه ما لا يرى من نفسه، فيستفيد المرءُ بأخيه في معرفة عيوبِ نفسه، ولو انفرد لم يَستفِدْ، كما يستفيد بالمرآة الوقوفَ على عيوب صورته الظاهرة.
• وقال الإمام الشافعي: مَن وعظَ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانيةً فقد فضَحَه وشانَه، والله سبحانه يُعاتِبُ المؤمن يوم القيامة تحت كَنَفِه، وفي ظِلِّ سترِه، ويُوقِفُه على ذنوبه سرًّا.
• وقال علقمة العطاردي في وصيته لابنه: يا بُني، إن عرَضَتْ لك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فاصحبْ من إذا خدمته صانك، وإذا صحبته زانك، وإن قعدتْ بك مؤنةٌ مانك، اصحبْ من إذا مددتَ يدَك بخيرٍ مدَّها، وإن رأى منك حسنةً عدَّها، وإن رأى منك سيئة سدَّها، اصحبْ مَن إذا سألته أعطاك، وإن سكتَّ ابتداك، وإن نزلتْ بك نازلة واساك، اصحبْ مَن إذا قلتَ صدَّق قولك، وإن تنازعتما آثرك.
• قال بعض الحكماء: كل إنسان يأنس إلى شكلِه، كما أن كل طير يطير مع مثله، وإذا اصطحب اثنان بُرهةً من الزمان ولم يتشاكلاَ في الحال، فلا بُدَّ أن يفترقَا في الاستقبال.
رُئِيَ غرابٌ يومًا مع حمامة، فعَجِبَ الحكيم من ذلك، فقال: اتفقَا وليسَا من شكل واحدٍ، ثم طارَا فإذا هما أعرجان، فقال: مِن هنا اتَّفقا!
• جاء فتح الموصلي إلى منزلِ أخ له - وكان غائبًا - فأمر أهله، فأخرجت صندوقَه ففتحه فأخذ حاجتَه، فأخبرت الجارية مولاها، فقال: إن صدقتِ فأنت حرة - سرورًا بما فعل - وذلك لأنه دلَّ على صداقته؛ كما حقق في قوله تعالى: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾[النور: 61].
• قال بعضهم: إذا استقضَيْتَ أخاك حاجة فلم يقضها، فذكِّره ثانية؛ فلعله أن يكون قد نَسِيَ، فإن لم يقضِها فتوضَّأ للصلاة وكبِّر عليه أربع تكبيرات، واقرأ هذه الآية: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾[الأنعام: 36].
• وقيل: ما مِن أحدٍ مِن الناس إلا وله محاسن ومساوئ، فإذا غَلبت المحاسنُ المساوئَ، فهو الغاية والمنتهى في المنى.
• وقيل: سترُ العيوب والتجاهل والتغافل عن الذنوب شيمةُ أهل الدين، ومن التخلُّق بأخلاق علاَّم الغيوب، فوَرَد: يا مَن أظهرَ الجميل، وستر القبيح.
• نظر أبو الدرداء رضي الله عنه إلى ثورَيْنِ يحرثان في فدان، فوقف أحدُهما يَحُكُّ جسمه، فوقف الآخر؛ فبكى أبو الدرداء وقال: هكذا الإخوان في الله يعملان لله، فإذا وقف أحدهما وافقه الآخر، وفي المثل: لولا الوئامُ لهلك الأنامُ.
• قيل لحكيم: أيما أحب إليك أخوك أو صديقك؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان صديقًا.
وكان الحسَن البصريُّ يقول: كم مِن أخ لم تلدْه أمُّك، ولذا قيل: القَرابةُ تحتاج إلى المودة، والمودة لا تحتاج إلى القرابة.
• وورد: قليلُ الوفاءِ بعد الوفاة خيرٌ من كثير في الحياة.
• وقيل: المحبة تكون لكل من يَلوذُ بالمحبوب.
ولله درُّ القائل:
رأى المجنونُ في البيداءِ كلبًا ** فمدَّ له من الإحسانِ ذيلا
فلامُوهُ على ما كان مِنْهُ ** وقالوا: لِمْ مَنحْتَ الكلبَ نيلا؟
فقال: دعوا المَلامَةَ إن عيني ** رَأَتْهُ مرةً في حَيِّ ليلَى
وقال بعضهم:
إن الكِرام إذا ما أَسْهَلُوا ذَكَروا ** مَن كان يَأْلَفُهُمْ في المَنْزِلِ الخَشِنِ
• وأوصى بعض السلَف ابنه فقال: يا بني، لا تصحبْ مِن الناس إلا مَن إذا افتقرت إليه قَرُبَ منك، وإن استَغْنيتَ عنه لم يطمعْ فيك، وإن عَلتْ مرتبتُه لم يرتفعْ عليك.
• وحكى الربيع أن الإمام الشافعي آخى رجلًا ببغداد، ثم إن أخاه ولي السِّيبَيْنِ - وهما نهران أحدهما بالبصرة - والآخر في ذنابة الفرات، فتغير له عما كان عليه، فكتب الشافعي هذه الأبيات:
اذهَبْ فوُدُّك مِن ودادي طالقٌ ** أبدًا وليس طلاقَ ذاتِ البَيْنِ
فإن ارعَوَيْتَ فإنها تَطْليقةٌ ** ويدومُ ودُّك لي على ثِنْتَيْنِ
وإذا امتَنَعْتَ شَفَعْتُها بمثالِها ** فتكونُ تَطْليقَيْنِ في حَيْضَيْنِ
فإذا الثلاثُ أتَتْكَ مني بتَّةً ** لم يُغْنِ عنك ولاية السِّيبَيْنِ
• وقال بعضُ الحكماء: تمامُ التَّخفيفِ بِطَيِّ بساط التكليف.
• وقال عليٌّ رضي الله عنه: شرُّ الأصدقاء مَن تكلَّف لك، ومَن أحوجك إلى مداراته، وألجأك إلى اعتذار في حالاته.
• وقال الفُضيل بن عياض: إنما تقاطع الناس بالتكلُّف، يزور أحدهم أخاه فيتكلَّف له، فيقطعه ذلك عنه.
• وقيل لبعضهم: مَنْ تصحب؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلُّف، وتَسقُط بينك وبينه مؤنة التحفُّظِ.
• وقد قيل: مَن سقطت كلفتُه دامتْ أُلفتُه، ومن خفَّت مؤنته دامت مَوَدَّتُه.
• وروى الدارقطني: المؤمن يَألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خير فيمن لا يَألَف ولا يُؤلَفُ، خيرُ الناس أنفعهم للناس.
• والمؤمن يستر العيوب؛ أي: عيوبَ غيره، وكذا عيوب نفسه، فورَد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "مَن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة".
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "مِنْ أحبِّ الأعمال إلى الله إدخالُ السرور".
• وعن عمر رضي الله عنه: (مَن أقام نفسَه مُقامَ التُّهْمة، فلا يُلومنَّ من أساء به الظن).
• والمؤمن يشفع في غير الحدود؛ لقوله تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾[النساء: 85]، وفي الصحيحين عن أبي موسى: (اشفعوا تُؤجَروا، ويقضي الله ما يشاء على لسان نبيه ما شاء).
• وينصر أخاه المظلوم؛ ففي الصحيحين: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، فقيل: كيف ينصره ظالمًا؟ فقال: "يَمنعُه مِن الظلم".
• ويسعى في حاجة أخيه؛ فالمشي فيها ساعةً خير من اعتكاف شهرين، وإن لم تُقضَ.
• ويحفظ غيبة أخيه؛ فيمنع أحدًا من أن يقع في غيبةٍ فيه.
• ويحسن المعاشرة مع المرأة؛ أمًّا، وأختًا، وزوجة، وبنتًا، ويحتمل الأذى عنهن ترحُّمًا عليهن، وورد: "خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي".
وقال رجل لزوجته:
خُذي العفوَ مني تستديمي مودَّتي ** ولا تنطقي في سَوْرتي حين أَغضَبُ
ولا تَنقُريني نقرةَ الدفِّ مرةً ** فإنك لا تدرين كيف المُغيَّبُ؟
لأني رأيتُ الحبَّ في القلب والأذَى ** إذا اجتمعَا لم يَلْبَثِ الحبُّ يَذهَبُ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد