من أقوال السلف في الأسباب المعينة على تحصيل العلم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فالعلم لا ينال بالراحة والتنعم، قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسد.

فمن رام العلم فليبذل ما يستطيع من وقت ومال وجهد لتحصيله، وليأخذ بالأسباب المعينة على ذلك.

للسلف أقوال في الأسباب المعينة على تحصيل العلم، يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.

• عن ابن المبارك قال: ما من شيءٍ أفضل من طلب العلم لله.

• قال بشر الحافي: لا أعلم أفضل من طلب الحديث والعلم لمن اتقى الله، وحسنت نيته فيه.

• قال سفيان الثوري: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه، قيل: وأي شيء النية؟ قال: تريد به وجه الله والدار الآخرة.

• قال الخطيب البغدادي رحمه الله: إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه.

• قال الإمام النووي رحمه الله: الاشتغال بالعلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى، وإن كان هذا شرطًا في كل عبادة، لكن عادة العلماء يقيدون هذه المسألة به، لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس، ويغفل عنه بعض المبتدئين ونحوهم.

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: على المتعلم أن يحسن نيته في ذلك ويقصد به وجه الله تعالى

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: يعتقد أن....تعلمه وتعليمه، طريق يوصله إلى ربه، ويحتسب به ثوابه، ويخرج به نفسه وغيره من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

من فوائد الإخلاص والنية الصالحة:

• قال ابن الانماطي: حنبل بن عبدالله بن الفرج بن سعادة، سمعت منه جميع مسند أحمد ببغداد، ولما فرغت من سماعه، أخذت أرغبه في السفر إلى الشام.

فقلت: يحصل لك من الدنيا طرف صالح، وتقبل عليك وجوه الناس ورؤساؤهم، فقال: دعني، فوالله ما أسافر لأجلهم، ولا لم يحصل منهم، وإنما أسافر خدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أروى أحاديثه في بلد لا تروى فيه.

ولما علم الله هذه النية الصالحة أقبل بوجوه الناس إليه، وحرك الهمم للسماع عليه، فاجتمع عليه جماعة لا نعلمها اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق، بل لم يجتمع مثلها قط لأحد ممن روى المسند.

• قال أحمد بن عطاء الروباذي: الإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل.

• قال ابن أبي رزمة: من طلب هذا العلم لله تعالى شرف وسعِد في الدنيا والآخرة.

• قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: من طلب العلم للعمل، وأراد به الله، فالقليل يكفيه إن شاء الله.

من علامات الإخلاص:

قال ابراهيم بن أدهم: من طلب العلم لله، كان الخمول أحب إليه من التطاول.

·       ملازمة خشية الله تعالى، ودوام المراقبة له:

قال العلامة بكر عبدالله أبو زيد رحمه الله: التحلي بخشية الله تعالى... وبدوام المراقبة لله تعالى، في السر والعلن.

فائدة: سئل الإمام أحمد عن معروف، وقيل له: هل كان معه علم؟ فقال: كان معه أصل العلم خشية الله عز وجل.

·       الدعاء وسؤال الله العلم النافع:

• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع، والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع، وسؤال العلم النافع. ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذُ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".

وخرج النسائي من حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وأعوذ بك من علم لا ينفع".

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: فيا أيها الطالب: ضاعف الرغبة، وافزع إلى الله في الدعاء واللجوء إليه والانكسار بين يديه.

• قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: لا شك أن الدعاء له مكانة عظيمة، فإن الله قد وعد عباده بإجابة دعائهم فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم﴾[غافر:60] فسؤال الله العلم، والعمل، والفسح في المدة، والحياة الطيبة، والابتعاد عن الأعراض السيئة، من أعظم الأسباب التي يحصل الإنسان بها العلم.

وباب الدعاء باب عظيم، وأثره على الناس عظيم، فمن استعان بالله وسأله أن ييسر له العلم، وأن يهيئ له طرقه، تيسرت له بإذن ربه عز وجل.

·       تعظيم النصوص الشرعية:

• قال العلامة السعدي رحمه الله: كلما كان العبد أعظم علمًا وتصديقًا بأخبار ما جاء به الرسول، وأعظم معرفة بحكم أوامره نواهيه، كان من أهل العلم الذين جعلهم الله حجة على ما جاء به الرسول.

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: وإنني بهذه المناسبة أودُّ أن أقول لكم: إنَّ قولي وقول غيري من أهل العلم إذا خالف النص، فلا عبرة به... لأنه لا قول لأحد بعد قول الرسول علية الصلاة والسلام.

ولقد قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فيما روي عنه: يُوشكُ أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر.

وإذا كان قول ابن عباس رضي الله عنهما فيمن عارض قول الرسول بقول أبي بكر وعمر، فما بالك بمن عارض قول الرسول بقول من دونهما بمراحل؟ مَن هو في الثرى وهو في الثريَّا، فلا يمكن أن يُعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد، فمتى رأيتمُ من كلامي أو كلام غيري من العلماء ما يخالف النصَّ، فاطرحوه وخُذُوا بالنصِّ، ولا تقولوا: قال فلان وقال فلان الذي يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم.

فائدة: ومن أمثلة تعظيم الشيخ للنصوص، قوله رحمه الله: أما قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن المتمتع يكفيه سعي واحد: السعي الأول، فقول ضعيف غير سديد؛ لأن حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا، والمعنى يقتضي ذلك لأن العمرة منفردة عن الحج تمامًا، وبينهما حل كامل، وما دام النص والقياس يدل على وجوب السعي في الحج فلا عبرة بقول أحد كائنًا من كان.

·       السير على منهج السلف الصالح:

• قال مالك: إن حقًا على من طلب العلم... أن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: كُن سلفياُ على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، بالتزام آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال والمراء، والخوض في علم الكلام،

• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: ينبغي على كل من طلب العلم أن يحرص على الاستقامة بمعناها الواسع الاستقامة في سلوك منهج السلف الصالح.

فائدة: قال الإمام الذهبي رحمه الله: مات الحافظ الأعين (240) فترحم عليه الإمام أحمد، وقال: إني لأغبطه، مات وما يعرف إلا الحديث، لم يكن صاحب كلام، قلت: هكذا كان أئمة السلف لا يرون الدخول في الكلام، ولا الجدال، بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة والتفقه فيهما، ويتبعون، ولا يتنطعون.

·       الحرص على طلب العلم في زمن الشبيبة:

• طلب سفيان الثوري العلم وهو مراهق.

• قال أبو حاتم الرازي: كتبت الحديث، وأنا ابن عشر سنوات.

• عبدالله بن وهب بن مسلم، طلب العلم وله سبع عشرة سنة.

• قال معمر بن راشد: سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشره سنة.

• قال الخطيب البغدادي رحمه الله: التفقه في زمن الشبيبة واقبال العمر، والتمكن منه بقلة الاشتغال، وكمال الذهن، وراحة القريحة، يرسخ في القلب، ويثبت، ويتمكن ويستحكم، فيحصل الانتفاع به، والبركة، إذا صحبه من الله حسن التوفيق.

·       البداية القوية:

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: من كانت بداياته في العلم قوية متينة محرقة من قوتها، في نهاياته تكون حاله مشرقه، فتشرق شمسه فيضئ لنفسه ويضئ للآخرين.

·       التدرج في الطلب، والبداءة بالأهم فالأهم:

• قال الزهري: إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة غلبك، ولم تظفر منه بشيء، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذًا رفيقًا تظفر به.

• قال الزهري: من طلب العلم جُملة، فاتهُ جملة، وإنما يدرك الحديث وحديثان.

• قال الخطيب البغدادي رحمه الله: لا يأخذ الطالب نفسه بما لا يُطيقه، بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه، ويُحكم حفظه ويتقنه.

قال الإمام الغزالي رحمه الله: من آداب المتعلم:

• أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم.

• أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله، فإن العلوم بعضها طريق إلى بعض، والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدرج.

• قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة غلبك، ولم تظفر منه بشيء، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذًا رقيقًا تظفر به.

• قال العلامة السعدي رحمه الله:

• يتعين البداءة بالأهم فالأهم من العلوم الشرعية وما يعين عليها من علوم العربية.

• يتعين على طالب العلم أن يسعي بجهده لتحصيل ما يحتاجه من الفهم، وتشتد إليه ضرورته، مبتدئًا بالأهم فالأهم، قاصدًا بذلك وجه الله.

قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: "من لم يتقن الأصول حرم الوصول" و "من رام العلم جملة ذهب عنه جملة".

وعليه فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي، آخذًا الطلب بالتدرج.

• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لا بد في طلب العلم من التدرج فيه على أصوله، وعلى منهجية واضحة، ولا بد أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل، بل كلّه ثقيل من حيث فهمه، وتثبيته، واستمراره مع طالب العلم، فهو ثقيل لا بد له من مواصلة ومتابعة، فالعلم يُنسى إذا ترك، وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى.

• قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: هذه المختصرات طريق المطولات، فلا يمكنُ أن تُفهم المطولات إلا بعد فهم المختصرات، والتدرج منها شيئًا فشيئًا، ولهذا قالوا في معنى قوله تعالى: ﴿لَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].

إن الربانيين هم الذين يبدؤون بصغار مسائل العلم قبل كِباره، يُربُّون أنفسهم وطلابهم ابتداءً على من المسائل الصغيرة إلى المسائل الكبيرة، وهذا شيء طبيعي، لأن كل الأشياء تبدأ من أصولها وأساساتها ثم تكبر، وتعظم بعد ذلك.

فأما الذي يهجُمُ على العلم هُجومًا من أعلاه، فهذا يتعب ولا يحصُل على شيءٍ، بينما الذي يبدأ من الأصول ويتدرج هذا هو الذي _ بإذن الله _ يسير مع الطريق الصحيح والاتجاه السليم.

·       تدوين العلم وتقيد الفوائد:

• قال عمر بن عبدالعزيز: قيدوا العلم بالكتابة.

• قال الإمام القرطبي رحمه الله: الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع، فيقيده لئلا يذهب عنه قال معاوية بن قرة من لم يكتب العلم لم يعد علمه علمًا.

• قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: تقيد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها.

• قال العلامة العثيمين رحمه الله: كم من فائدة تمُرُّ بالإنسان فيقول: هذه مسألة سهلة لا تحتاج إلى قيد، ثم بعد مدة وجيزةٍ يتذكرها ولا يجدها، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها، أو التي يتجدد وقوعها... فكم من مسألة نادرة مهمة تمرُّ بالإنسان فلا يقيدها اعتمادًا على أنه لن ينساها، فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها.

فائدة: عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره، فقال: فقد كنت أقيد بعض المسائل الهامة التي تمر بر حرصًا على حفظها، وعدم نسيانها، في دفتر وسميتها *فرائد الفوائد* وقد انتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة وأعظم أهمية وسميت ذلك *المنتقى من فرائد الفوائد* أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل لطلبة العلم فيه أسوة، ومن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

·       ملازمة العلماء والشيوخ:

• قال الزهري: جلست إلى ثعلبة بن أبي صغيرة. فقال: أراك تحب العلم؟ فقلت: نعم قال: عليك بذلك الشيخ – يعني: سعيد بن المسيب – فلزمت سعيد سبع سنين.

• قال هشام بن عبدالملك ليحيى بن سعيد القطان: رأيت أحدًا أحسن حديثًا من شعبة؟ قال: لا، قال: كم صحبته؟ قال: عشرين سنة.

• قال ابن جريج: اختلفت إلى عطاء ثمان عشرة سنة... وجالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء سبع سنين.

• قال الإمام أبو حنيفة جلست إلى حماد فكنت أسمع مسائله، فاحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فاحفظها... فصحبته ثماني عشرة سنة.

• قال القاضي أبو يوسف: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة.

• قال محمد بن جعفر بن غندر: لزمت شعبة عشرين سنة.

• قال الإمام الذهبي رحمه الله: قتيبة بن مهران الإصبهاني الأزاذاني المقرئ، صحب الكسائي أربعين عامًا، وقرأ عليه.

فائدة: قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومئة شيخ.

·       الصبر واحتمال المشقة في طلب العلم:

• قال ابن اللباد: من لم يحتمل آلة التعلم لم يذق لذة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح.

• قال أحمد الدورقي: لما قدم أحمد بن حنبل من عبدالرزاق، رأيت به شحوبًا بمكة، وقد تبين عليه النصب والتعب، فكلمته: فقال: هيِّنٌ فيما استفدنا من عبدالرزاق.

• غضب الأعمش يومًا على رجل من الطلبة فقال آخر: لو غضب علي مثلك لم أعدُ إليه، فقال له الأعمش: إذا هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعهُ لسوء خُلُقي.

• قال يحيى بن أبي كثير: لا يأتي العلم براحة الجسد.

• قال الشافعي: قال محمد بن الحسن: ليس يبلغ هذا الشأن إلا من أحرق قلبه البن، يريد في طلب العلم.

• قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: يُقال: من ذل للعلم طالبًا عزّ مطلوبًا.

• قال سعيد المسيب: كنت أسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

• قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة.

• قال مكحول: طفت الأرض كلها في طلب العلم.

• قال أبو حاتم الرازي: خرجت في طلب الحديث فأقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيًا ثم إلى الرملة ثم إلى دمشق....كل هذا وأنا ابن عشرين سنة.

• قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ما يتناهى في طلب العلم إلا عاشق العلم، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره.

• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: *باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر* هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم، لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه.

• قال العلامة السعدي رحمه الله: من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه ليس بأهل لتلقي العلم.

• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله، تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، فالأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يُراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرؤون لكنهم جادُّون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، وليس هذا عملًا ضائعًا؛ بل هو كالجهاد في سبيل الله.

• ليس العلم يأتي هكذا هدية للإنسان كأنه طبق طعام؛ بل هو بالتعلُّم، وأيضًا بالتعلُّم الجاد لا بالتعلُّم المتقطع، ولا بالتعلُّم المتماوت، ويُقال: *اجعل كلك للعلم يأتك بعضه، وإن جعلت بعضك للعلم فاتك العلم كله*، فلا بد من التفرُّغ التام للعلم والاجتهاد التام والمذاكرة والمناقشة؛ لأن المذاكرة تحفظ العلم، والمناقشة تفتح فهم الإنسان حتى يستطيع أن يعرف الأدلة، ويستنتج الأحكام منها، ويعرف كيف يتخلَّص من الأشياء المتشابهة والمتعارضة، وهذا أمر مُجرب.

• العلم يحتاج إلى تعب... الذي يريد أن يستريح، لا يقول: إنه طالب علم، فلا بد لطالب العلم أن يكون طالب علم على سبيل الحقيقة، وسيجد أثر ذلك فيما بعد، سيجد النتيجة والتحصيل، وهو قد يشق عليه في أول الأمر أن يحبس نفسه على العلم، لكن إذا اعتاد حبس نفسه على العلم صار ذلك سجية له وطبيعة له، حتى إنه إذا فقد ذلك الحبس انحبس، وجرِّب تَجِد، فأنا قد جربت وغيري قد جرب، فإذا حبست نفسك على العلم فإنك تفقد ذلك الحبس لو تأخرت عنه... فالله الله على الحرص على طلب العلم... الذي يريد العلم لا بُدَّ أن يُكبَّ عليه وأن يجتهد، وهو وأن أتعب جسمه الآن سيجد الراحة فيما بعد.

• قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان العلم ليس له نهاية ولا حد، قال تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾[يوسف:76] ومن قال: أنا عالم فهو جاهل، وطلب العلم ينبغي ان لا ينقطع لأنه عبادة.

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الصبر والثبات في التلقي، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن *من ثبت نبت*.

·       النهمة في طلب العلم وبذل كل ما يمكن لتحصيله والزيادة منه:

• قال الإمام الغزالي رحمه الله: أفضل الأشياء التزيد في العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيًا استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعًا له من الاستفادة، والمذاكرة تبين له خطأه، وربما كان معظمًا في النفوس فلم يُتجاسر على الرد عليه، ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساوئه فعاد عنها.

• قال خلف بن هشام: أشكل عليّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حذقته.

• قال محمد بن سلام بن الفرج البخاري: أنفقت في طلب العلم أربعين ألفًا.

• قال هشام بن عبيد الرازي الفقيه: خرج مني في طلب العلم سبعمائة ألف درهم.

• قال محمد بن يحيى الذهلي: أنفقت على العلم مائة وخمسين ألفًا.

• قال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: الإنسان مهما فعل في طلب العلم فلا يعتبر كثيرًا، فإن الشياطين حرصت على العلم، حتى أن الواحد منهم يركب الآخر، من أجل أن يسمعوا كلمة، يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، هذا يدل على أن المسلم مهما بذل في تحصيل العلم، فلا يعدُّ كثيرًا.

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: عليك الاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق.

فائدة: قال الشيخ: شيخ الإسلام ابن تيمية... لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال به، ولا تكل من البحث فيه.

·       الرحلة لطلب العلم:

• قال سعيد بن المسيب: إن كنتُ لأسافر مسيرة الليالي والأيام في الحديث الواحد.

• عن الشعبي قال: لو أن رجلًا سافر من أقضى الشام إلى أقصى اليمن فسمع كلمةُ تنفعه فيما يستقبل من أمره ما رأيتُ سفره ضاع.

• قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير سورة الكهف: في هذه القصة العجيبة الجليلة... فوائد

فمنها: فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور فإن موسى عليه السلام رحل مسافه طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.

• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: من لم يرحل في طلب العلم للبحث عن الشيوخ والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه.

·       الاستمرار في طلب العلم وعدم الانقطاع:

• قال أحمد بن حنبل: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.

• قال صالح: رأى رجل معي أبي محبرة، فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين، قال: معي المحبرة إلى المقبرة.

• سئل عبدالله بن المبارك: إلى متى تكتب العلم؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد.

• قال الجصاص: قلتُ: لأحمد إلى ما يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت.

• قيل: ما زال قتادة بن دعامة متعلمًا حتى مات.

• قال سفيان الثوري: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلمنا.

قال أبو الوفاء ابن عقيل: وأنا في عشر الثمانين، أجد من الحرص على العلم أشدَّ ما كنت أجده وأنا ابن عشرين.

• قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أفضل الأشياء التزيد في العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيًا استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعًا له من الاستفادة، والمذاكرة تبين له خطأه، وربما كان معظمًا في النفوس فلم يُتجاسر على الرد عليه، ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساوئه فعاد عنها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply