بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَالْزَمُوا أَمْرَهُ وَاِجْتَنَبُوا نَهْيَهُ، فَقدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْاِجْتِمَاعِ وَالْاِئْتِلَاَفِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْفِرْقَةِ وَالْاِخْتِلَاَفِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.
وَإِنَّ الْاِعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللهِ هُوَ الْحِصْنُ الْحَصِينُ، وَالْحِرْزُ الْمَتِينُ لِجَمَعِ الْكَلِمَةِ، وَلَمِّ الشَّمْلِ، وَحُصُولِ الْقُوَّةِ وَالْمَنْعَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإمَامَةٍ، وَلَا إمَامَةَ إِلَّا بِسَمْعٍ وَطَاعَةٍ، وَمِنْ هُنَا اهْتَمَّتِ الشَّرِيعَةُ بِهَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ فَأَمَرَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ؛ فِي الْمَنْشِّطِ وَالْمَكْرَهِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِالتَّمَسُّكِ بِالْجَمَاعَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْفُرْقَةِ، فَهِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ قَالَ ﷺ: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ؛ فَمِيتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ وَصَايَاهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يُعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اِخْتِلَاَفًًا كَثِيرًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَأخبرَ ﷺ أَنْ مِنْ عَلَاَمَاتِ النُّصْحِ المَحَبَةُ وَالدُّعَاءُ لِإمَامِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "خِيَارُ أئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَّيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْوَطَنُ الْآمِنُ يَقُومُ عَلَى الْاِئْتِلَاَفِ وَالْاِجْتِمَاعِ، الَّذِي بِهِ قِوَامُ الشَّرِيعَةِ، وَاِنْتِظَامَ الْعِبَادَاتِ، وَاِسْتِقْرَارَ الْحَيَاةِ، وَأَمْنُ السُّبَلِ. ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾.
الْجَمَاعَةُ تُحْفَظُ بالالتِزَامِ بِثَوَابِتِ الدِّينِ، وَاِتِّبَاعِ هَدْي سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ومَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، وقِيَامِ كُلِّ مُوَاطِنٍ وَمُقِيمٍ بِدَورِهِ فِي صَوْنِ الْوَطَنِ، وَاِحْتِرَامِ نِظَامِهِ، وَعَدَمِ خِيَانَتِهِ، وَحِرَاسَتِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَالْبُعْدِ عَنْ إِثَارَةِ الْفِتَنِ.
وَمِنْ وَاجِبِ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالمُرَبينَ تَرْبِيَةُ النَّشْءِ عَلَى الْوَسَطِيَّةِ وَالْاِعْتِدَالِ، وَترْسِيخُ وحْدَةِ الصَّفِّ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَعَانِي الْجَلِيلَةِ الَّتِي تُقْوِي اللَّحْمَةُ وَتُرَسِّخُ الْاِنْتِمَاءِ.
وَفِي ظِلِّ مَا نَرَاهُ مِنْ أَوْطَانٍ صَارَ أَمْنُهَا مَهْزُوزًا، وَحِمَاهَا مَسْلُوبًا، وَالْخَوْفُ فِي قُرَاِهَا مَمْدُودًا؛ بِسَبَبِ التَّفَرُّقِ وَالْاِخْتِلَاَفِ؛ فَإِنَّ هَذَا يَحْتِمُ عَلَيْنَا الْاِعْتِبَارَ، وَمَعْرِفَةَ قَدْرِ نَعَمَةِ الجْمَاعِةِ وَالْأَمْنِ، فَالسَّعِيدُ مِنْ جُنَّبَ اِلْفِتِنَ، وَاعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ.
الْوَطَنُ الْآمِنُ نِعْمَةٌ لَا تُضَاهَى، وَكَنْزَ ثَمِينَ يَبْحَثُ عَنْهُ الْمَلَاَيِينُ، وَالْمَمْلَكَةُ الْعَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّةُ -حَرَسَهَا اللهُ-، نَمُوذَجٌ مَشْرِقٌ بَيْنَ الْأَوْطَانِ، يَرْتَدِي- بِفَضْلِ اللهِ- حُلَلَ الْأَمْنِ وَالرَّخَاءِ وَالْاِسْتِقْرَارِ، حَتَّى أَضْحَى لِلدِّينِ مَأزِرًَا وَلِلنَّاسِ مَوْئِلًا، ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.
اللَّهُمَّ أَدَمْ عَلَيْنَا نِعَمَةَ الْأَمْنِ وَالْإيمَانِ، وَارْزُقْنَا شُكْرَهَا عَلَى الْدَوَامِ، يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَالْإكْرَامِ.
الخُطبَةُ الثَّانيةُ:
اتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، فَفِيهُ عِصْمَةُ أَمْرِكُمْ، وَحُسْن عَاقِبَتِكُمْ، وَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى نَعَمِهِ وَآلَائِهِ، فَالشُّكْرُ قَيِّدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنًَا مُطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، ووليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد