حكم التداول باستخدام البوت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

في ظل التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، أصبحت الكثير من المهام المتعلقة بالتداول المالي أكثر سهولة ويسرًا- من أبرز هذه التطورات هو استخدام برامج الحاسوب المساعدة التي تسهل عملية البيع والشراء- سنتحدث في هذا المقال عن حكم استخدام -البوتات- (الروبوتات) في التداول المالي، ونوضح الأحكام الفقهية المتعلقة بها.

ما هو البوت في التداول؟

البوت هو عبارة عن -برنامج حاسوبي- يقوم بمساعدة المتداولين في تنفيذ عمليات البيع والشراء على أسعار محددة- يقوم هذا البرنامج بتخفيف عبء مراقبة السوق بشكل مستمر، حيث يُبرمج على تنفيذ أوامر معينة وفقًا لأحوال السوق- بمعنى آخر، إذا وصل سعر العملة إلى مستوى معين من الربح، يقوم البوت تلقائيًا بتنفيذ عملية البيع، وإذا وصل السعر إلى مستوى محدد من الخسارة أو السعر المستهدف للشراء، يبدأ البوت في تنفيذ عملية الشراء.

هذه الآلية توفر على المتداولين الكثير من الوقت والجهد، حيث يمكنهم - تحديد الأسعار- التي يرغبون في البيع أو الشراء عندها، ويترك البوت ليقوم بهذه المهمة بالنيابة عنهم- ومن هنا، يمكن القول إن البوت هو مجرد -أداة مساعدة-، مثل الآلة الحاسبة أو غيرها من الأدوات التي يستخدمها البائعون والتجار لتسهيل عملياتهم.

حكم استخدام البوت في التداول:

من الناحية الفقهية، فقد تمت إثارة بعض تساؤلات حول مدى شرعية استخدام البوت في التداول- ومن بين الشبهات المطروحة، هي أن المتداول قد لا يعرف متى سيبيع أو يشتري ما دام البوت هو من ينفذ الأوامر بالنيابة عنه- ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن البوت ليس هو البائع أو المشتري الحقيقي، وإنما هو مجرد -وسيلة تقنية- تساعد صاحب الحساب في تنفيذ العمليات بناءً على الأوامر المبرمجة مسبقًا.

إن التعامل مع البوت في التداول لا يختلف عن استخدام أي وسيلة أخرى في العمل التجاري -البائع والمشتري الحقيقي- هو المتداول صاحب الحساب، بينما البوت - مجرد برنامج ينفذ أوامر محددة سلفًا- بالتالي، لا يوجد في استخدام البوت أي -مخالفة شرعية، من حيث المبدأ، طالما كان المتداول هو من يحدد أوامر البيع والشراء.

ضوابط استخدام البوت في التداول:

على الرغم من أن استخدام البوت في التداول يعتبر جائزًا من حيث الأصل، إلا أن هناك بعض الضوابط والشروط التي يجب الالتزام بها لضمان أن يكون هذا الاستخدام في إطار التشريع الإسلامي:

1- تحديد العملات المستخدمة في التداول:

يجب أن يحرص المتداول على تحديد العملات التي سيتداول بها البوت، فلا يجوز أن يترك الأمر للبوت ليقوم بالتداول في أي عملة دون تحديد مسبق، بل يجب على المتداول أن يتأكد من أن العملات التي سيتم التداول بها هي عملات مباحة شرعًا. فلا يجوز التداول بالعملات المحرمة أو التي تتضمن شبهة ربا أو غش.

2- التداول في السوق الفورية فقط:

من الضوابط المهمة أن يكون البوت مبرمجًا للتداول في السوق الفورية -(السبوت) فقط -. وهذا يعني أنه يجب تجنب التداول في العقود الآجلة أو المشتقات أو ما يُعرف بـ "الأوبشن"، والتي قد تتضمن مخالفات شرعية مثل الربا أو المقامرة، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(البقرة: 275).

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الترمذي أن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "نهى عن بيعتينِ في بَيعةٍ".

التداول الفوري هو التداول الذي يتم فيه تبادل العملة أو الأصل المالي بشكل مباشر دون تأجيل، أي لا يوجد فيه تأجيل أو تأخير في التسليم والدفع، مما يجعله جائزًا شرعًا، أما العقود الآجلة والمشتقات والرافعة المالية، فهي تتضمن معاملات مؤجلة قد تتضمن فوائد أو ممارسات محرمة.

3- التحكم في الربح والخسارة:

من الأفضل للمتداول أن يقوم بتحديد نسب الربح أو الخسارة التي يرغب في تحقيقها أو تجنبها، ويبرمج البوت بناءً على هذه المعايير، فإذا تم تحديد نسبة معينة من الربح أو الخسارة، فإن البوت ينفذ الأوامر وفقًا لهذه المعايير، وألا يترك الأمر للبوت ليقوم بأي تصرف عشوائي.

إذن فيجب على المتداول الذي يستخدم البوت في التداول أن يلتزم بالضوابط الشرعية التي تم ذكرها، وأن يتأكد من أن التداول يتم في إطارٍ مباح، وخالٍ من الشبهات والمحرمات. وإذا تم الالتزام بهذه الضوابط، فإن استخدام البوت يعد جائزًا ولا شيء فيه إن شاء الله، أما إذا تم تجاوز هذه الحدود، فلا يجوز استخدامه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والنفع، وأن يرزقنا الرزق الحلال، ويبعدنا عن الحرام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply