الإشراف العلمي بين الأستاذية الهادية والأمومة أو الأبوة الرحيمة والشخصية الحازمة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

ما من كاتب يريد أن يكتب إلَّا يعيش مدة بين الإحجام والإقدام وإن غلب الأول فلن يكتب أحد سوداء في بيضاء، ولا سيما حين يقرأ كلمةً مثل كلمة العلامة الراحل عن دنيانا شيخ الأزهر الأسبق د. عبد الحليم محمود رحمه الله تعالى رحمة واسعة قال: "وقضية {ألا لله الدين الخالص} في ذروتها تلغي أنا، إنه لا بقاء للعبد الذي أخلص العبودية مع سيده".

ولكن حين تأْسِرُه كلمةٌ مثل كلمة أ.د. عبدالحميد مدكور حفظه الله (ولد 1942م) عن مشرفه في رسالة التخصص أ.د. محمود قاسم رحمه الله تعالى (1913-1973): قال "ملاحظاته القيمة التي أبداها في أستاذية هادية وأبوة حانية" يجد فؤاده يتشوف إلى مثال حي وخلف صالح لهذه المدرسة المباركة التي سأذكر معالمها على النحو التالي:

الأستاذية الهادية:

في نظري لا بد أن يكون المشرفُ عالما ربانيًّا عفيف اللسان نقي السريرة معتنيا بالأدب قبل العلم لا يفرط في حق أدب الأستاذ؛ لأن العلم بلا أدب شجرة بلا ثمر.

والأستاذية تعني -فيما تعني- الإلمام بالنحو والصرف والبلاغة واللغة المعجمية وما في معنى الأربعة.

تعني الإلمام بالفقه والتفسير والحديث والعقيدة.

 تعني الإلمام بعلوم الآلات الأخرى.

تعني الأصالة والمعاصرة.

تعني معرفة بالطبعات القديمة والحديثة، وطبقات المحققين والمصححين.

تعني خلفية عن تحقيق التراث.

تعني تدرجا تعليميا وعلميا وتربويا.

تعني جمعًا بين طريقة المتون وطريقة الكتب المدرسية.

تعني التخصص والتعمق والأخذ من كل علم بطرف.

تعني عدم التسليم للمكتبة الشاملة دون الرجوع للمطبوع.

تعني فكرا وعقلا حرًّا متحررا من قيود ورسوم لا دليل عليها ولا صلاحية لها ولا فائدة ترجى من ورائها حدثت بعد القرون الثلاثة الأولى المفضلة.

تعني التجديد المنضبط.

تعني النقد البناء والنفس الهادئة لا الهاجمة الشرسة.

تعني حب العلماء وحب كتبهم حبا صادقا يجعل المطالعة دواءً ويجعل كل حائل داءً، تعني أشياء لا تكاد تحصر بل غاية ما يمكن حيالها أن تذكر في أمثلة.

حين تتوفر الأستاذية تكون هادية، وبقدر متانة الأستاذية تكون الهداية، إلى آخر ما هنالك مما هو بدهي.

الأبوة أو الأمومة الحانية:

الحنان -في نظري هنا- هو رحمة وتقدير من يستحق الرحمة، رحمة أهل الحياء من الباحثين، أهل الأدب منهم، الذين يودون سماع المشرف أكثر من أي شيء؛ لأنهم تلاميذ، وحق التلميذ أن يسمع الأستاذ، لا أن يقاطعه بل أن يماريه، أكبر هم التلميذ الموفق -في نظري- ألا يتغير عليه قلب أستاذه؛ لأن العاقل من راعى وداد لحظة.

وثمت صور كثيرة لحنان المشرف: منها تقدير ظروف كل باحث صادق في ظرفه وعذره، ومنها إكرام الباحث بما تيسر وتقديم ضيافة يسيرة -كذا يسميها المشرف الرحيم- ولكنها ضيافة عالية الجودة ثمينة المبنى والمعنى، ومنها أن العامل والعاملة اللذين قدَّما الضيافة ألح المشرف عليهما إلحاحا قارب الأمر الذي لا يقتضي إلا الوجوب ولا يوجد ما يصرفه إلى الاستحباب.

الشخصية الحازمة:

الرحمة والرأفة والحنان والشفقة معانٍ عظيمة، لكن بعض ضعاف العقول يظنها ضعفا وتساهلا، فتحمله على الجرأة وتدعوه إلى التقصير بل إلى إهمال حق المشرف وأدب الأستاذ، ومثل هذا تأتيه صاعقة الحزم، ولطمة الموج العالي، وقوة فأس الحارث في أرض بور وقد يئس المشرف أن تنبت.

كل هذه المعاني وغيرها كثير رأيتها وسمعتها وقرأتها ووجدتها وألفيت عليها أستاذتي الكريمة زينب عبد السلام أبو الفضل أمدها الله بالعافية والصحة والسلامة، وأطال بقاءها على طاعته وأحسن عملها وغفر لها، وسلام على فقيهة قائمة بدور ومهام عجز عنه كثير من الرجال، دون تعصب منها لغير الحق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply