تذكير الأنام بفضائل سيد الأيام


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الرابعةِ مِن شَهرِ جُمَادَى الأُولَى، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ.

تَذكِيرُ الأَنَامِ بِفَضَائِلِ سِيِّدِ الأَيَّامِ:

1- فَضَائِلُ وَمَنْزِلَةُ يَوْمِ الجُمُعَةِ.

2- أَخْطَاءٌ يَقَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ.

مستفاد من موعظة للشيخ علي غلاب حفظه الله.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: لبيان منزلة ومكانة يوم الجمعة، والإشارة إلى أبواب الخير في هذا اليوم والحث عليها، مع ذكر الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس للتحذير منها.

-  مُقَدِّمَةٌ ومَدخَلٌ للمُوْضُوعِ:

■ أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ الله، فإن ليوم الجمعة منزلة عظيمة قد رفعه الله تعالى بها؛ ولذا كان ادِّخَارُهُ لهذه الأمة، وإضلالُ غيرِها عنه، هو من أعظم النِّعَمِ والمِنَنِ مِنَ الله تعالى على هذه الأمة، بعد نعمة الإسلام؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: "ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خيرٍ من يوم الجمعة، هدانا الله له وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تَبَعٌ، هو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد".

• ولبيان منزلته وفضله؛ نقف بإذن الله تعالى هذه الوقفات:

أولًا: فضائل ومنزلة يوم الجمعة:

1- فمما يبين فضله ومنزلته: نزول سورة تحمل اسم هذا اليوم؛ فإن من فضائل يوم الجمعة أنه اليوم الوحيد من أيام الأسبوع الذي أنزل الله تعالى في حقه قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى في سورة الجمعة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 9].

2- ومما يدل على منزلته ومكانته: أن الله تعالى قد أقسم به في كتابه العزيز؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: 3] ؛ ذكر بعض العلماء: *الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة*.

3- ومما يدل على منزلته ومكانته: ما جاء على لسان رسول الله من صيغ التفضيل لبيان منزلته:

• فهو خير يوم طلعت عليه الشمس؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، ولا تقومُ الساعةُ إلا في يوم الجمعة".

• وهو أفضل الأيام؛ فعن أوس بن أوس رضي الله عنه، أن النبي قال: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ... " [رواه أبو داود، وصححه الألباني].

• وهو سيد الأيام وأعظمها؛ فعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ" [رواه ابن ماجه، وحسَّنه الألباني].

4- ومن فضائل ومنزلة يوم الجمعة: أنه يوم عيد للمسلمين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: "إن هذا اليوم جعله الله عيدًا للمسلمين، فمن جاء في الجمعة، فليغتسل، وإن كان له طِيبٌ، فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواك"؛ [صحيح الجامع].

5- ومن فضائله: أنه يوم حافل بالمغفرة، وتكفير السيئات؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "الصَّلوات الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ"، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام"، وفي صحيح البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي قال: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهْرٍ، ويَدَّهِن من دُهْنِهِ، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام - إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".

6- ومن فضائله: أنه يوم متميز بنوره يوم القيامة؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُحشر الأيام على هيئتها، وتُحشر الجمعة زهراءَ منيرةً، أهلها يحُفُّون بها كالعروس، تُهدَى إلى خِدْرِها – كريمها - تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضًا، وريحهم كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثَّقَلان، لا يطرفون تعجبًا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذِّنون المحتسبون"؛ [رواه الطبراني، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب].

7- ومن فضائله: أنه يوم حافل بالدرجات والحسنات؛ فقد خص الله تعالى العاملين الطائعين في هذا اليوم بالمنازل العالية، والأجور والحسنات الكثيرة؛ ومنها:

• زيادة فضل صلاة الفجر في جماعة يوم الجمعة؛ ففي الحديث الصحيح: "إن أفضل الصلوات صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة"؛ [رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني].

• التبكير إلى الجمعة يعدل أفضل القربات والصدقات؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بَدَنَةً، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام، حضرتِ الملائكة يستمعون الذكر".

• الخطوة إلى الجمعة تعدل جبالًا من الحسنات والأجور، وتأمل هذا الأجر والثواب العظيم لمن حافظ على آداب ومستحبات يوم الجمعة؛ فقد روى الإمام أحمد، وأصحاب السنن من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكَّر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنةٍ؛ صيامها وقيامها"؛ [صححه الألباني في صحيح الترمذي].

• قراءة سورة الكهف يوم الجمعة نورٌ لقارئها طوال الأسبوع؛ فقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين".

• يوم الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو خير وأفضل الأيام، فناسب أن تصلي وتسلم على خير الأنام؛ فقد روى النسائي من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، أن النبي قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم عليه السلام، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ أي: قد بليت، قال: إن الله عز وجل قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، وما رواه البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي قال: "أكْثِروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه عشرًا".

• يوم الجمعة هو يوم إجابة الدعاء؛ ففي الحديث الصحيح: "فيها ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئًا إلا أعطاه الله"؛ [رواه البخاري].

• وللصدقة يوم الجمعة خيرية خاصة؛ كما قال ابن القيم رحمه الله في بيان خصائص يوم الجمعة: *إن للصدقة فيه مَزِيَّة عليها في سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع، كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور، وقال: وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه إذا خرج إلى الجمعة، يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره، فيتصدق به في طريقه سرًّا*.

8- ومن فضائله: أنه حتى الأموات ينالهم الخير في ذلك اليوم؛ فإن الوفاة في يوم الجمعة من علامات حسن الخاتمة؛ حيث يأمن المتوفَّى فيها من فتنة القبر؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: أن رسول الله قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؛ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ"؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني].

نسأل الله العظيم أن يغفر لموتانا وموتى المسلمين، وألَّا يحرمنا من أجر وثواب يوم الجمعة.

 

الخطبة الثانية:- أَخْطَاءٌ يَقَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ.

1- فمن الأخطاء: ترك سنة الاغتسال ليوم الجمعة؛ فقد جاء الأمر بالاغتسال ليوم الجمعة، ويرى بعض العلماء وجوب الغسل؛ كما في الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". وذهب آخرون إلى استحباب الغسل للجمعة؛ واستدلوا بحديث سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ].

2- ترك لبس أحسن الثياب، وسُنة مس الطيب والدهن والتنظيف وكذا السواك؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، رضي الله عنهما، أن النبي قال: "من اغتسل يوم الجمعة، واستاك، ومَسَّ من طيب، إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخطَّ رقاب الناس، حتى ركع ما شاء أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته - كانت كفارةً لِما بينها وبين الجمعة التي قبلها".

3- ترك سنة التبكير ليوم الجمعة؛ فقد مرَّ معنا الأجور العظيمة للتبكير إلى الجمعة، وتأمل هذا الأجر والثواب العظيم لمن حافظ على آداب ومستحبات يوم الجمعة، ومن ضمنها التبكير إلى المسجد؛ فقد روى أحمد وأصحاب السنن من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "من اغتسل يوم الجمعة وغَسَّل، وبكَّر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة؛ صيامها وقيامها"؛ [صححه الألباني في صحيح الترمذي].

4- ترك ثلاث جُمَع فأكثر تهاونًا وتكاسلًا؛ ففي صحيح مسلم عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".

5- ترك قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها؛ فقد مر معنا الأجر والثواب والنور العظيم لمن قرأها يوم الجمعة أو ليلتها.

6- عدم الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن من أفضل الأعمال يوم الجمعة وليلتها هو استحباب كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر معنا ما رواه البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي قال: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه عشرًا".

7- ومن الأخطاء أيضًا: جلوس بعض الناس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأولى؛ وفي ذلك تفريط وتضييع لأجور عظيمة، وردت في فضل الصلاة في الصف الأول أو الصفوف المتقدمة؛ منها:

• ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه، لاستهموا".

• وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي قال: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"؛ ففيه حثُّ الرجال على المسارعة إلى الطاعات والصفوف الأولى في الصلوات، وهو محل الأفضلية لهم.

• وروى ابن ماجه عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول"، ومر معنا الحديث وفيه: "ثم دنا من الإمام".

8- استمرار البيع والشراء بعد أذان الجمعة؛ والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: *يحرم البيع حينئذٍ، وكما يحرم البيع يحرم الشراء أيضًا*.

9- عند دخول المسجد والمؤذِّن يؤذن، فمن الأخطاء ترك تحية المسجد أو تأخيرها بعد الأذان؛ فعن جابر رضي الله عنه، أن النبي خطب فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام، فليصلِّ ركعتين"؛ [رواه البخاري]، وكان يأمر من جلس ولم يركع ركعتي تحية المسجد بذلك؛ ففي الصحيحين عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّيَخْطُبُ، فَقَالَ: "صَلَّيْتَ؟" قَالَ: لَا. قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ".

10- ومن الأخطاء أيضًا: الكلام أثناء الخطبة، ولو بالهمس أو إسكات الآخرين؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: "إذا قال الرجل لصاحبه يوم الجمعة، والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا"، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ؛ لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ" [رَوَاهُ أَحْمَدُ].

11- ومن الأخطاء أيضًا: ترك الأولاد الصغار يعبثون ويلعبون في المسجد وعدم التنبيه عليهم؛ والصواب أن يعلم أولاده آداب المسجد، وكذا آداب يوم الجمعة والاستماع إلى الخطبة، ولا يمل من التكرار كل جمعة، فما تكرَّر تقرَّر.

12- ومن الأخطاء أيضًا: الاحتباء أثناء الخطبة؛ فقد نهى النبي عنها - أي الحبوة - والإمام يخطب يوم الجمعة.

• والاحتباء هو: ضم الركبتين إلى الصدر، ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه، ويعتمد بمقعدته على الأرض (وضع القُرْفُصاء).

• قال الشيخ العثيمين رحمه الله؛ وذلك لسببين:

الأول: أنه ربما تكون هذه الحبوة سببًا لجلب النوم إليه؛ فينام عن سماع الخطبة.

والثاني: أنه ربما لو تحرك لَبَدَتْ عورته؛ لأن غالب لباس الناس فيما سبق الأُزُر والأرْدِية، ولو تحرك أو انقلب، لبدت عورته.

• وقال بعض الفقهاء: بجواز الاحتباء والإمام يخطب.

13- ومن الأخطاء أيضًا: تشبيك الأصابع أثناء الخطبة؛ فقد نهى رسول الله عن التشبيك بين الأصابع في الصلاة، أو كان في الطريق إليها، أو في انتظارها؛ كما في الحديث الصحيح: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد، فلا يشبكنَّ يديه؛ فإنه في صلاة"؛ [رواه أبو داود].

14- ومن الأخطاء أيضًا: الاستسلام للنوم أثناء الخطبة؛ فلا يجوز تعمد النوم أثناء خطبة الجمعة؛ لأن الإنصات لها واجب، أما من غلبه النوم في هذا الوقت، فعليه أن يدفع ذلك ما استطاع، ولا يأثم بما كان غلبه؛ وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيقال: "إذا نعس أحدكم وهو في المسجد، فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره".

• قال العلماء: لأن الحركة قد تُذهِب النعاس، وتكون باعثًا على اليقظة.

• فإن نام نومًا ثقيلًا بحيث تغيب حواسه عن الشعور بما حوله، فليتوضأ للصلاة؛ لأن النوم الثقيل من نواقض الوضوء.

15- ومن الأخطاء أيضًا: تخطي الرقاب؛ فعن جابر رضي الله عنه: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله ﷺ يخطب، فجعل يتخطى الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس؛ فقد آذيتَ وآنيت"؛ [رواه ابن ماجه].

• باستثناء الإمام، أو من كان أمامه فرجة في الصف، ومن كان يريد أن يرجع إلى مكانه الذي قام منه؛ بشرط أن يتجنب أذية الناس.

16- ومن الأخطاء أيضًا: المرور بين يدي المصلين عند الدخول، أو عند سرعة الخروج بعد الصلاة؛ ففي الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه".

17- ومن الأخطاء أيضًا: الغفلة عن أغلى وأثمن الأوقات لإجابة الدعوات؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

• وأرجح الأقوال أنها الساعة الأخيرة من يوم الجمعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي قال: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبدٌ مسلم يسأل الله شيئًا، إلا آتاه إياه، التمسوها آخر ساعة بعد العصر".

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

1- الموضوعُ قابلٌ للزيادةِ والتعديل، أو إعادة الترتيب، وإن كان ترتيب الخطبة الأولى قد اختصرت فيها فضائل وخصائص يوم الجمعة في ثمانية عناصر فقط، وكل عنصر تفرَّعَ عنه فضائل؛ تسهيلًا للحفظ والإلقاء.

2- الخطبة الثانية من المفترض أن تكون عن آداب ومستحبات الجمعة، فأبدلت بها عنوان: (أخطاء يقع فيها كثير من الناس)؛ فالكلام عن الآداب والمستحبات من هذا الجانب؛ أعني: الأخطاء، سيكون أقوى وأنفع بإذن الله تعالى في إيصال المعلومة، ولفت انتباه السامع.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply