فوائد من درس دلائل الإعجاز 36


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف، الأحد: 26 من رجب 1446ه = 26 من يناير 2025م:

• بدأ شيخُنا الدَّرسَ بهذا الدُّعاء: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمَّ أعنَّا على أن نَتبيَّن، وأعنَّا على أن نُبيِّن، وأعنَّا على أن نَفْهَم، وأعنَّا على أن نُفْهِم، وتَقبَّلْ منَّا يا ربَّ العالمين.

• مِن الخيرِ الذي أكرمَنا الله به اللَّبْسُ والخطأُ الذي وقع فيه القائلون بأن مَزِيَّة الكلام ترجع إلى اللَّفظ؛ لأنه أثار عقولَ الكرام الكبار، وتكلَّموا في ذلك كلامًا دقيقًا جدًّا، وهو مِن أفضلِ ما كُتِبَ في علم البلاغة، ولولا هذا اللَّبسُ وهذا الخطأُ الذي وقع فيه القائلون بأن مَزِيَّة الكلام ترجع إلى اللَّفظ = ما وُجِدَ هذا في علم البلاغة.

• عجيبٌ جدًّا أن يُنتِجَ الخطأُ علمًا ما كان له أن يكون بيننا، وهذا شيءٌ جليلٌ جدًّا، ويَجعلُني ويَجعلُك تُحِبُّ الخلافَ؛ إذا كان بين أهل العقل، وأهل العلم، وأهل الحكمة، أمَّا الخلافُ الذي بين الغوغاء وبين الجَهَلة، والذي لا يُنتِجُ إلَّا سِبَابًا وتُهَمًا وباطلًا وقَهْرًا واستبدادًا = فذلك شيءٌ آخرُ؛ هذا عالَم التخلُّف، هذا عالم المتخلِّفين.

• ليس في الكون أفضلُ من إنتاج العلم، ليس في الوجود الإنسانيِّ أفضلُ من إنتاج المعرفة، وأفضلُ المعرفة التي قرأناها ونقرؤها هي ثمرةُ خلافِ العُقلاء الحُكماء.

• لمَّا أصرَّ القائلون بأن مَزِيَّة الكلام ترجع إلى اللَّفظ، واستشهدوا بدليلٍ مُهمٍّ جدًّا؛ هو أن تفسير الشِّعر العالي والكلام العالي تفسيرٌ مُتضمَّنٌ لكلِّ ما في معنى النَّص؛ فالنَّصُّ المُفسَّر ليس فيه معنى زائدٌ على التفسير، ومع ذلك يبقى الفَضلُ للمُفسَّر، وهذا الفَضلُ ما دام لا يَرجع إلى معنًى فيه فهو - لا مَحالةَ - يَرجع إلى لفظه؛ فبدأ عبدُ القاهر يَنقُضُ هذا الدَّليلَ القويَّ جدًّا، وذَكَر صُورًا من التشبيه، ومعاني هذه الصُّوَر المختلفة معنًى واحد؛ هو تشبيهُ الشُّجاع بالأسد، ولكنْ هناك صُورٌ أوقعُ وأعلى مِن بقيَّة الصُّور؛ فأنت أمامَ كلامَيْن المعنى فيهما واحد، وأحدُهما أفضلُ من الآخر، إذن الفَضلُ ليس في اللَّفظ، وإنَّما الفَضلُ في «صُورة المعنى»؛ صُورةُ المعنى في «زيدٌ كالأسد» غيرُ صُورة المعنى في «كأنَّ زيدًا الأسد».

• احذرْ أنْ تَحفظ مِن ورائي كلامًا، وإنَّما تَدبَّرْ.

• قيمةُ المعرفة أنها تَصنعُ إنسانًا يُفكِّر، قيمةُ العلم أنه يَصنعُ إنسانًا أفضل.

• أدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يكونَ منكم مَن هو أعلمُ منِّي.

• حياتي كلُّها في التعليم في الكُلِّيات، ورأيت أوائل الطَّلبة وعقولُهم بالغةُ الذَّكاء، ثم تَخرَّجوا وناموا، ولم يكنْ لهم قيمة، ورأيت شبابًا مُتوسِّطي الذَّكاء، لكنَّهم دَاومُوا القراءة، ودَاومُوا البحثَ والنظر؛ فكانوا كرامًا كبارًا.

• الخطأُ القويُّ  قيمةُ العلم، ورَحِمَ الله «العقاد»؛ كان يقول: الأُمم القويَّةُ قويَّةٌ في صوابها، وقويَّةٌ في خطئها.

• يا سيِّدنا، لن نَنتقل من التخلُّف المُزرِي المَعِيب الذي نحن فيه إلَّا بتكوين العقول، والذي يُحاول أن يُكوِّن عقولًا ب«عَصًا» لن يُكوِّن إلَّا عقولًا كعَقلِه، إنَّما تتكوَّن العُقولُ بالفِكْر وحريَّة الفِكْر.

• حين أقرأ القرآنَ أَعْجَبُ أن الله - سبحانه وتعالى - ترك مخلوقاتِه تتكلَّم بما في نفوسها، ولم يُلزِمْ مخلوقاتِه بأن تتكلَّم بما يُريد، عجيب! اللهُ الذي خَلَق لم يُلزِم خَلْقَه بأن يتكلَّموا بما يُريد، ولذلك حين قال للملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، رَاعَنِي هؤلاء الملائكة حين قالوا: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»؛ فبِكَرمٍ جليلٍ قال لهم: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».

• وأنا خارجٌ مرَّةً مِن درسِي هنا سألني طالبٌ سؤالًا مُهمًّا جدًّا، لكنِّي لم أُجِبْ عنه؛ لأن الكلامَ المُهمَّ لا يجوز أن تُجيب عنه وأنت مَاشٍ في الطريق؛ قال لي: «هل هناك حقائقُ ومَعانٍ ودقائقُ في النُّفوس يَصعُب التعبيرُ عنها؟»، فأرجأتُ الإجابةَ عن هذا السؤال؛ لأن عبد القاهر نفسَه سأل نفسَ السؤال، وعرض نفسَ القضية؛ ذَكَر أن هناك خفايا تُدركها النُّفوس ولا يُعبِّر عنها اللِّسان، خفايا تُدركها المعرفة ولا تُحيط بها الصِّفة.

• المُخلصون من أهل الله في خدمةِ هذه الأُمَّة يُعطيهم اللهُ عطاءً جَزْلًا؛ لأنك حين تَعرفُ قيمةَ هذه الأُمَّة عند الله تَستحيي من نفسِك حين لا تَبذلُ كلَّ طاقتِك في خدمتها.

• إنَّ الله يُحِبُّ رسولَه، وهو خيرُ خَلْقِه، ويُحِبُّ أُمَّتَه لحُبِّه لرسوله، ونحن نُحِبُّ الله ونُحِبُّ من يُحبُّهم الله، ونُحِبُّ رسولَه ونُحِبُّ من يُحِبُّ رسولَه.. هذه فِطرة.

• وصولُ عبد القاهر إلى الفروق بين صُوَر المعاني كان وُصولًا ل«الكعبة»، كان وُصولًا لأفضلِ ما يَصِلُ إليه الإنسان؛ لأنك لن تَجِدَ فرقًا بين كلامٍ وكلامٍ إلَّا في – ليس في المعنى – وإنما في صُورة المعنى.

• أهمُّ مِن كلِّ الذي قُلْتُه أن إدراك صُورة المعنى لا سبيلَ له إلَّا بتدبُّرك أنت ووَعْيِك أنت.

• رَقَبَ شيخُنا شخصًا دخلَ الدَّرسَ متأخرًا ووَقَف يَلتقط صُورًا للشيخ؛ فنَهَاه وعَنَّفه، ثم قال: المجتمع تعلَّم «التصوير» و«البهلوانية»؛ لأن حياتَه هي هذا، لأنه لم يَعرف الطريقَ الصحيح، وإنَّما عَرَف طريقَ «الرَّقْص» و«الزَّمْر»، وهذا هو الخَرابُ: أنْ ترى النَّاسَ في عَمَايةٍ عن معرفة الطريق الصَّواب، الذي هو طريقُ المعرفة وطريقُ العلم.

• الله لم يُزوِّد «آدمَ» حين جعله خليفة في الأرض بسَيفٍ ولا برُمح، وإنَّما زوَّده بالمعرفة؛ علَّمه الأسماء.

• نهايةُ المَطاف في علم البلاغة لا تُعوِّلُ إلَّا على تدبُّر الإنسان؛ يتكلَّم العلماءُ فيما يشاءون وتبقى القضيةُ الحاسِمةُ، والموقفُ الحاسِمُ، والفَهْمُ الحاسِمُ = متوقِّفًا على تدبُّر العقل الإنساني.

• يُمكن أن أُعلِّمك كلَّ ما عندي من العلم، ولكنْ ليس من الممكن لي ولا لغيري أن يُعلِّمَك التدبُّر، ولن يُعلِّمَك التدبُّرَ إلَّا أنت، ولن تكون إنسانًا أفضلَ إلَّا بما فيك مِن قُدرةٍ على التدبُّر، أنت الذي تجعل من نفسك إنسانًا أفضلَ، بشيءٍ يسيرٍ جدًّا؛ هو إعمالُ عقلِك.

• اعلمْ - ولن أقولَ لك كلمةً أفضلَ من هذه الكلمة التي سأقولها - اعلمْ أن معرفةَ علم العلماء ليست نهايةَ الطريق، وإنَّما هي بدايةُ الطريق، بدايةُ الطريق أن تُعمِلَ عقلَك فيما عَلِمْتَ، فإذا عَلِمْتَ عِلمَ الأوَّلين والآخرين ولم تُعمِلْ عقلَك فيما عَلِمْتَ فكأنك لم تَعْلَم.

• عِلمُك بمقدار إعمالِ عقلِك في العِلْم.

• كان هَمِّي كلُّه مِن أوَّل حياتي أن أكشفَ جَوهرَ عِلم أوائلنا، وكَشفُ جَوهرِ عِلم أوائلنا لا يكون إلَّا بإعمال عقولِنا فيه، وهذا هو الذي جعلني أؤكد لكم أن تحصيلَ العلم مِن غير مُراجعة العقول للعِلم كأنه ليس شيئًا.

• لن تُدرِكَ صُورةَ المعنى بتعاويذ الأوَّلِين والآخرين، لن تُدرِكَ صُورةَ المعنى إلَّا بالتدبُّر.

• بحُكْم عملِي في تحليل البيان أجِدُ الجُملَ الثانيةَ كأنها بناتٌ بارَّاتٌ بالجُملِ التي قبلها، وقلتُ لكم: تكاد الجُملةُ الأولى - لو كان لها لِسانٌ - تَنطِقُ بالجُملة الثانية، أجِدُ هذا في القرآن الكريم، وفي الشِّعر، وفي الكلام كلِّه؛ أجِدُ المعانِيَ يُهيِّئ بعضُها لبعض، وإذا لم تُدرِكْ هذا ضاع منك فَهْمُ الكلام.

• حين تَجِدُ الجُملةَ الثانيةَ قد هيَّأتْ لها الجُملةُ الأولى، وأن الجُملةَ الثالثةَ قد هيَّأتْ لها الجُملةُ الثانيةُ، تَجِدُ أشياءَ جليلةً جدًّا، وتَشعرُ بمَذاقٍ للبيان لا حُدودَ له.

• مِن كرمِ الله أنه جَعلَ لا يَبْنِيك أنتَ إلَّا أنت؛ حتى لا تكونَ عبدًا لمَنْ بَنَاك.

• الأذانُ تركيبةٌ عجيبةٌ جدًّا؛ «اللهُ أكبر»: ليس في الكون أكبرُ من الله، «أشهدُ أن لا إله إلَّا الله»: خَيرُ ما قُلتُ أنا والنبيون، «أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله»: شيءٌ عظيمٌ، «حَيَّ على الصَّلاة»: عَمودُ الدِّين الذي جاء به محمَّد، «حَيَّ على الفلاح» هذه هي التي كان «أشهدُ أن لا إله إلَّا الله» لها، وكان «أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله» لها، و«حَيَّ على الصَّلاة» لها؛ لأن «حَيَّ على الفلاح» هي عمارةُ الكَوْن الذي جعل الله أبانا خليفةً فيه؛ قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وقال: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»؛ فدلَّ ذلك دلالةً صريحةً على أن عبادةَ الله هي حُسْنُ خلافة الله في الأرض.

• اجعلوا مِن أنفُسِكم «مِسحَّراتية» لإيقاظ شعوبكم؛ لأن على حدودنا عدوًا يؤمن بأن الأرض لا تَسَعُنا نحن وهو، وإمَّا أن يَقضِيَ علينا أو نَقضِيَ عليه؛ فهو يَجتهد في أن يجعلنا في نومٍ عميق ليُعِدَّ نفسَه للقضاء علينا؛ فلابد أن تستيقظوا.

• مِن تكريم الله للإنسان أنَّ حقائقَ العِلم ودقائقَه لا يَدلُّك عليها إلَّا الرجوعُ إلى النَّفْس.

• تعقيبًا على قول الإمام عبد القاهر: «.. ثمَّ إنه إذا أراد بيانَ ما يَجِدُ في نفسِه والدِّلالة عليه رأى المسلكَ إليه يَغْمُض ويَدِقُّ»، قال شيخُنا: قرأتُ وأنا في سِنِّكم أن الموسيقى تُعبِّر عن معنًى قائمٍ في النَّفس لا يستطيع اللِّسانُ أن يُعبِّرَ عنه، وأن النَّغَمَ بيانٌ ولكنْ ليس بلُغة اللِّسان، وأن نَغماتِه هي الكلمات.

• المعرفةُ فيها أشياءُ وصفها «ابنُ جنِّي» بأنها مَسْهُوٌّ عنها، هناك خفايا في البيان الإنساني، وخفايا في الكون، وخفايا في النَّفْس.

• هناك خفايا في نفسي أنا لا أعلَمُها؛ لذلك أدهشني عُمَرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه لمَّا سأل الصَّحابيَّ الجليل: «هل رأيتَنِي من المنافقين الذين سمَّاهم لك رسولُ الله؟»؛ «عُمَرُ» يَعلمُ أنه ليس منافقًا، لكنَّه يَعلمُ أن النَّفس أحيانًا تُخفِي وتُضْمِر أشياءَ وأحوالًا وخواطرً لا يَعلمُها الإنسان؛ فخَشِي أن يكون قد استكنَّ في نفسه خاطرٌ مِن خواطر النِّفاق وهو لا يَعلَمُه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply