العلاقة العلمية بين البحرين وعلماء السعودية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فقد من الله على العالم الإسلامي بالدعوة الإصلاحية التي نصرتها الدولة السعودية في مراحلها الثلاث من سنة 1157ه إلى وقتنا الحالي والتي قام بها ابتداءً الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوهيبي رحمه الله (1115 ه-1206ه)، واستمر فيها تلاميذه فمن بعدهم إلى وقتنا الحالي، وقد كانت أسس الدعوة الإصلاحية في البلاد الإسلامية هي:

١- توحيد الله ربا خالقا مدبرا، فلا يتولى الخلق أو التدبير والتصرف في الأكوان لا ولي حاضر ولا غائب ولا جن ولا غيرهم.

٢- توحيد الله إله معبودا، فلا يذبح لغير الله من جن أو شجر أو صخر أو غار ولا يدعى غير الله ولا يلاذ بغير الله تعالى كمن يلوذ بالنبي أو بالأولياء أو الجن، أو يستشفع بالأولياء والأنبياء.

٣- توحيد الله بأسمائه وصفاته كما وصف به نفسه بلا تحريف أو تأويل أو تفويض، لا كما يفعل المعتزلة من إمامية وإباضية وزيدية، وكما يفعل الماتريدية ومن ينتهج نهجهم من بعض الحنفية وكما يفعل الأشاعرة ومن يقلدهم من بعض الشافعية وبعض المالكية، وكما هو موجود عند مفوضة الحنابلة، بل نثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له نبيه من غير شبيه ولا تأويل ومن غير تمثيل ولا تعطيل.

٤- توحيد النبي في الاتباع، فإذا صح الحديث وجب اتباعه ولو خالف المذاهب المتبوعة، لا كما عليه المقلدة المتعصبة من أتباع المذاهب الأربعة.

٥- وجوب إنكار المخالفات العقدية باليد للمستطيع والإنكار اللسان والقلب والبراءة من المخالفات ومن أهلها بالقلم واللسان. وإنكار المنكرات العملية باليد واللسان والقلب، مثل: الإلزام بالصلاة جماعة والنهي عن البرطيل (رشوة القضاة) وتعاطي التنباك وغيرها.

٦- وجوب الهجرة من البلاد التي فيها تلك المخالفات عند عدم القدرة على الإنكار والإظهار للدين الصحيح إلى البلاد الخالية من تلك المخالفات.

وقد كاتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وتلاميذه قادة الناس من علماء وأمراء في البلاد القريبة منه والبعيدة، أسوة بمكاتبة النبي حين كاتب عظماء الروم والفرس والحبشة ومصر وعمان ودومة الجندل وغيرهم.

وقد لحظت في زياراتي لبلاد البحرين تمسك أهلها بالسلفية والبعد عن البدع والمظاهر المخالفة للشريعة التي تلحظ في البلاد الأخرى، فكتبت هذا المقال الذي يبحث العلاقة التاريخية بين البحرين والدعوة الإصلاحية التي دعمتها الدولة السعودية في مراحلها الثلاث.

عوامل تأثير الدعوة الإصلاحية في بلاد البحرين:

العامل الأول: أثر المذهب الحنبلي في البحرين في نشر الدعوة الإصلاحية:

يعد مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني البكري الوائلي أكثر المذاهب تمسكا بالآثار، والبدع عن البدع، ومخالفة البدع الكلامية والإضافية. والدعوة الإصلاحية منتهجة لمذهب الإمام أحمد رحمه الله، ولذلك فإن الحنابلة هم الأقرب لقبول الدعوة الإصلاحية.

وقد كان السائد في البحرين المذهب المالكي، وعلى ذلك عدد من الأسر العلمية مثل آل صحاف والنبهاني وآل جودر وآل محمود ومثل عالم المحرق الشيخ راشد بن عيسى بن خميس النجدي الأصل والمولد، وكان له مدرسة دينية، وابنه الشيخ عيسى مفتي المحرق (ت: 1927م)، وقد كان هو ووالده على المذهب المالكي مع أصولهما النجدية، ولكن بسبب كون القضاء في البحرين على المذهب المالكي فقد درسوا المذهب المالكي.

كما أن المذهب الشافعي حاضر بسبب التداخل بين البحرين والأحساء من جهة حيث يوجد المذهب الشافعي، كما يوجد المذهب الشافعي في ساحل فارس، ومن أبرز العلماء الشيخ عبدالعزيز الصديقي وابنه العلامة الشيخ السلفي محمد الصديقي المتوفى بالرياض سنة 1381ه وله كتب كثيرة في نشر العقيدة الصحيحة وشروح لبعض رسائل الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.

وأما المذهب الحنبلي فإن أشهر علماء الحنابلة في البحرين: الشَيخ العلَّامة القاضي عثمان بن عبدالله آل جامع الحنبلي (ت:1240 ه) صاحب كتاب (الفَوَائِدُ المنْتَّخَبَاتِ فِي شَرْحِ أَخْصَرِ المُخْتَصَرَاتِ) في الفقه الحنبلي، وتولت أشرة آل جامع القضاء في البحرين على المذهب الحنبلي، وقد بنى عبدالله بن سُليمان الجامع (مسجد الحنابلة) وهو موجود في المحرق، والذي بناه. إلى أن تحول حفيده الشَّيخ عبدالعزيز بن عيسى بن إبراهيم بن عبدالعزيز بن عثمان آل جامع(ت:1386ه) إلى المذهب المالكي، حيث إن الأسرة الحاكمة في البحرين تعتمد المذهب المالكي مرجعا للقضاء.

العامل الثاني: دخول البحرين ضمن البلاد السعودية في الدولة السعودية الأولى:

في سنة 1224 ه دخلت البحرين تحت حكم الدولة السعودية الأولى بقيادة القائد إبراهيم بن عفيصان، ثم شارك معه القائد رحمة بن جابر الجلاهمة في بعض المعارك.

وقد كانت الدولة السعودية تنشر الدعوة الإصلاحية في كل بلاد تدخلها، وتعين العلماء والدعاة لنشر الدعوة، ولذا بقي أثر الدعوة الإصلاحية في بعض البلدان الخليجية التي دخلت في الحكم السعودي.

العامل الثالث: هجرة بعض علماء الدعوة للبحرين بعد دمار الدرعية سنة 1233-1234ه

يلحظ أن البحرين مكان مناسب وقريب من البلاد النجدية، فيكثر فيها النجديون من يبحث عن التجارة لشهرتها بالتجارة البحرية مع بلاد الهند وفارس والبصرة، وشهرتها باستخراج اللؤلؤ من الخليج، ولذا يختارها بعض العلماء موطنا عند وجود اضطرابات أمنية في بلادهم الأصلية.

ونضرب مثالا على هجرة العلماء للبحرين العلامة الفقيه الشيخ عبدالعزيز بن حمد ابن معمر (ولد سنة 1203ه وتوفي: ١٢٤٤ه)، فقد ولد في الدرعية وتتلمذ على علماء الدرعية، ثم ترك الدرعية بعد دمارها على يد الجيوش المصرية سنة 1233ه - 1234ه وسكن في البحرين ونشر اعتقاد السلف في توحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ورد على المنصرين في البحرين بكتاب: منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، وسببه أن القسيس الإنجليزي في البحرين ألف كتابا أورد فيه شبهات نصرانية يزعم فيها صحة الديانة المسيحية ودفعه إلي أمير البحرين وشيخها عبدالله بن خليفة وأورد فيه وشبهات كثيرة لظنه أنها ستروج على أهل البحرين وما جاورها، فلم يكن لدى علماء تلك النواحي القدرة على الرد عليه، لضعف التحصيل ونقص التأصيل، فتناوله الشيخ عبدالعزيز ابن معمر وأمعن النظرَ فيه وقال: تأخذونَ مني دحض هذه الشبهةِ بعد شهر إن شاء الله تعالى، فلبث شهرًا وأتمَّ الردَّ وبعث به إلى الأميرِ وفَرحَ به أشَدَّ الفَرَحِ، ودُعِيَ القسيس الإنكليزي وأعطاه الردَّ، فلما طالعه عَجِبَ له واندهش جدًّا لِما كان يظنه من عجز ِعلماء البحرين، وقال: هذا الرد لا يكونُ مِن هنا وأشار إلى جهة نجد، فقال له الأمير: نعم، إنه أحَدُ طلبة العلم النجديين. وقد أقام الشيخ عبدالعزيز في البحرين حتى توفِّيَ فيها سنة ١٢٤٤ه.

العامل الرابع: المدارس والتعليم الديني

وكان القاضي الشيخ قاسم بن مهزع المالكي المرجع العلمي الأول في البحرين، وكان عالما سلفيا عابدا ناصحا، وقد لزمه عدد من حنابلة نجد ودرسوا عليه، ومن هؤلاء الشيخ علي اليحيى، و الشيخ عبدالرحمن الدوسري وغيرهم. ومن عظيم أثره على تلميذه الشيخ الدوسري أنه استنصحه فنصحه بعلم التفسير، فسأله عن شروط المفسر فقال على البديهة: ‏"أن يملأ الفرح قلبه بالقرآن".

ويوجد كتب عن سيرة الشيخ قاسم مثل كتاب: القاضي الرئيس قاسم بن مهزع لمبارك الخاطر، كما يوجد مواد صوتية ومرئية موجودة على منصة اليوتيوب.

وقد كان التعليم الديني في البحرين كما هو الحال في كثير من البلاد في الكتاتيب ولم يكن ثمت مدارس دينية منظمة، ثم طلب أهل البحرين من الشيخ محمد ابن مانع (من علماء عنيزة) فتح المدارس الدينية لتثبيت الناس على الدين الصحيح بعد غزو الأفكار من المستعمر الإنجليزي، ففعل ثم انتقل لقطر.

وقد استمر التعليم الديني في البحرين على منهج السلف الصالح على يد ثلة من العلماء وطلبة العلم، ممن تأهلوا عبر الدراسة في الجامعات السعودية أو عبر الدورات العلمية التي تقام في الحرمين وفي الرياض وعنيزة (عند العلامة الفقيه محمد العثيمين رحمه الله) وبريدة.

كما تقام الدورات العلمية بشكل مستمر في البحرين باستقطاب علماء كبار مثل دورة العلامة الشيخ عبدالله الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري وشرح كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب وشرح العقيدة التدمرية وشرح العقيدة الطحاوية.

ومن المشايخ الذين لهم دور كبير في بث العلم، ولهم تأثر واضح وقوي بالدعوة الإصلاحية:

1)   الشيخ الوجيه نظام اليعقوبي، وله نشاط في نشر السنة، والدعوة للمصرفية الملتزمة بالشريعة الإسلامية، ومحاضرات قليلة ونشاط معلوم.

2)   الشيخ خالد بن سالم المنصوري رحمه الله، وهو من تلاميذ الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، كان له دروس في شرح صحيح البخاري وتفسير القرآن وشرح عمدة الأحكام وكتاب التوحيد والنحو المصطلح وغيرها ول كتاب مفرغ من دروسه في تفسير جزء عم، ودروسه ومحاضراته تشهد له بالتمكن وهي في منصة يوتيوب وصدر كتاب في سيرته.

3)   الشيخ الدكتور ياسر المحيميد، وقد درس على الشيخ محمد العثيمين رحمه الله ويوجد مقابلة معه في الحلقة 48 من برنامج مع طلاب الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.

4)   الشيخ حسن الحسيني، ونشاطه ملأ الآفاق عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل، والمعاهد الدينية.

5)   الشيخ يونس بن محمد الصبَاحي، وله مشاركات مميزة بالدروس والمحاضرات وهي منشورة على منصة يوتيوب، وله عدد من المؤلفات منها: الدرر البحرينية في الذب عن أئمة الدعوة النجدية، وكتاب: الجامع الفريد لرسائل التوحيد.

وغيرهم كثير، ممن يملؤون مساجد البحرين تعليما للعلم وبثا له، من البحرينيين وغير البحرينيين، وممن له مشاركات في التعليم من حسابات إدارة الأوقاف السنية بالبحرين الشيخ الدكتور عبدالعزيز المعاودة والشيخ محمد بن عبداللطيف والشيخ أحمد بن حميد هادي والشيخ الدكتور فاضل الحمادة والشيخ الدكتور محمد حمزة فلامرزي والدكتور يوسف النجار والدكتور زياد السعدون والشيخ مصعب فيصل والشيخ أنس دبوان والشيخ حسام السعدي والشيخ يعقوب بوجيري والشيخ محمد إبراهيم عبدالقادر والدكتور حبيب النامليتي والدكتور أحمد العسيري والدكتور هود العبيدلي والدكتور محمد حمزة والشيخ إبراهيم القرعان والدكتور محمد فؤاد الكواري والشيخ بلال يوسف والشيخ دعيج خليفة الظاعن والدكتور صلاح الزياني والشيخ مصعب فيصل والدكتور صلاح عبدالكريم والدكتور جمعة توفيق الدوسري والشيخ أحمد الدعيس والدكتور صلاح حيدر والدكتور سعدالله المحمدي والشيخ إسماعيل برقو والدكتور فريد التوني وغيرهم كثير ولله الحمد.

العامل الخامس: وجود التجار الدعاة الباذلين لنشر العمل

كان للتجار السلفيين دور في نشر الدعوة الإصلاحية من أمثال الشيخ مُقْبل بن عبدالرحمن الذِّكير الحنبلي (ت:1341 ه)، وقد طَبَع: الكثير من كتب الحنابلة ك(شَرْحُ الإِقْنَاع) و(شَرْحُ المنْتَهَى) كلاهما في الفقه لحنبلي، و(إِعْلَامُ الموَقَّعِيْن) و(حَادِي الأَرْوَاح) في ثلاث مجلدات كلاهما لابن القيِّم، و(إِثْبَاتُ العُلُّو) لموفَّق الدِّين المقدسي الحنبلي، و(العَقِيْدَةُ الصَّابُوْنِيَّة) لأبي عثمان الصَّابوني، وكتاب (تَأْييدُ مَذْهَبُ السَّلَفِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ انْحَادَ وَانْحَرَفَ ودُعِيَ بِاليَمَانِيِّ شَرَف) للعلامة سُليمان بن سَحْمان النَّجدي الحنبلي، وغيرها من الكتب.

كما كان لبعض العوائل التجارية مثل آل زامل وال بسام والقاضي، والرُّوق، والزَّامل، والمنيع، والعَجَاجِي والجلاهمة والقصيبي وعائلة كانو وآل فخرو دور في نشر العقيدة السلفية.

ومن الحنابلة السلفيين قبيلة الدواسر، وقد حصل صدام بين الدواسر والعجم، ومال البريطانيون إلى العجم، وذلك في سنة 1923 م فرحل جزء منهم إلى الجانب المقابل في المنطقة الشرقية، فأسسوا الدمام واستوطنوا فيها. ونرفق مقالا في حادثة الدواسر وقصيدة عن رحيلهم في آخر المقال.

وأخيرًا، فإن المحب للخير ليفرح بانتشار الخير، وكثرة طلبة العلم، فهنيئا لأهل البحرين بما هم فيه، وأسأل الله أن يزيدهم من فضله، وأن ينشر العلم بالشريعة ويعين على العمل بما يرضيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply