أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ؛ وإنَّ أقربَ ما يَكونُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ منَ العبدِ جوفَ اللَّيلِ الآخِرَ فإنِ استطعتَ أن تَكونَ مِمَّن يذكرُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ في تلكَ السّاعةِ فَكُن فإنَّ الصَّلاةَ مَحضورةٌ مشهودةٌ إلى طلوعِ الشَّمسِ. إنّ لقيام الليل شأنًا عظيمًا عند الله سبحانه وتعالى عزّ وجلّ؛ فقيامُ اللَّيلِ عُبوديَّةٌ وشُكرٌ، ومن أفضل الأعمال، ومن أسبابِ دُخولِ الجَنَّةِ ورفْعِ الدَّرجاتِ فيها، ويقرِّبُ إلى الله سبحانه وتعالى عزّ وجلّ، ومن أسبابِ تَكفيرِ السيِّئاتِ ومغفرةِ الذنوب، وهو دَأَبُ الصَّالحينَ، وأفضَلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ، وهو أفضل من تطوع النهار؛ لما في سرِّيته من الإخلاص لله تعالى، ولما فيه من المشقة بترك النوم، واللذة التي تحصل بمناجاة الله عزّ وجلّ، ومن أطال قيام الليل؛ هُوِّن عليه موقفه يوم القيامة، وقيامُ اللَّيلِ يُغبط عليه صاحبه؛ لعظيم ثوابه، فهو خير من الدنيا وما فيها، ويُنَوِّر صاحبه، ويكسو وجهه نورا، ويجد لذلك فرحاً في قلبه، وصلاة الليل نور، وصَلاةُ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ؛ تشهدها الملائكة، وتحضرها ملائكة الرحمة، وفي الليل ساعة إجابة للدعاء، وقيام الليل يعرض صاحبه للنفحات الإلهية، وينهى صاحبه عن الإثم، وهو مطردة للداء عن الجسد؛ فهو سبب لذهاب الأسقام وإبعاد الآلام، وسبب في زيادة الرزق، ويُحصّل لصاحبه الثواب المضاعف، والعبادة التي تنشأ في جوف الليل لها مزية خاصة على القلب من تثبيت وإعانة وتسديد وفتوح، وصَلاةُ القيامِ في اللَّيلِ شَرفُ المؤمنِ، وهي صلاةُ الخاشِعين والقانِتين للهِ ربِّ العالَمينَ، وقراءة القرآن في قيام الليل؛ غنيمة عظيمة؛ فقليله يُزيلُ عنه اسم الغفلة، ويجعله من الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، ويدخله في مَعِيَّة الله تعالى عز وجلّ، ومتوسطه يكسوه اسمَ القنوت، وكثيره يجلبُ له قناطير الأجر، وإنَّ البيتَ لَيُتْلى فيه القرآنُ؛ فيتراءى لأهل السماءِ كما تتراءى النجومُ لأهل الأرضِ، والقُرآنُ والذِّكرُ يُحْيي البُيوتَ والقُلوبَ ويُعمِّرُها.