بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عَن أَبي وَائِلٍ, القَاصٌّ قَالَ: دَخَلنَا عَلَى عُروَةَ بنِ مُحَمَّدٍ, السَّعدِيِّ فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغضَبَهُ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَد تَوَضَّأَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَن جَدِّي عَطِيَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : إِنَّ الغَضَبَ مِن الشَّيطَانِ، وَإِنَّ الشَّيطَانَ خُلِقَ مِن النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُم فَليَتَوَضَّأ . أخرجه أبو داود (4784)، وأحمد (4/226)، والبغوي في شرح السنة (3583).
وأكتفي بكلام العلامة الألباني في الضعيفة (582) فقال -رحمه الله-: ضعيف. أخرجه أحمد بالسند الذي قبله - يقصد الشيخ حديث رقم (581) -. وكذلك أخرجه البخاري في "التاريخ"، وأبو داود، وابن عساكر.
قلت: وسنده ضعيف فيه مجهولان، كما بينته آنفا. -وهما كما ذكر الشيخ عروة بن محمد وأبوه-.
وقد سكت عنه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (3/145، 151) وابن حجر في الفتح (10/384).
والحديث روي عن معاوية بلفظ:
"الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يطفي النار، فإذا غضب أحدكم فليغتسل".
رواه أبو نعيم في الحلية (2/130)، وابن عساكر (16/365/1) عن الزبير بن بكار نا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ياسين بن عبد الله بن عروة عن أبي مسلم الخولاني عن معاوية بن أبي سفيان أنه خطب الناس وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال له أبو مسلم: يا معاوية إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك، ولا مال أمك، فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا، ونزل فاغتسل ثم رجع فقال: أسها الناس إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، وصدق أبو مسلم، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (فذكر الحديث) اغدوا على عطاياكم على بركة الله -عز وجل-.
قلت وهذا إسناد ضعيف أيضا، ياسين بن عبد الله بن عروة لم أجد له ترجمة.
وعبد المجدي بن عبد العزيز فيه ضعف، قال الحافظ: "صدوق يخطىء، وكان مرجئاً، أفرط ابن حبان فقال: متروك".
قلت: لفظ ابن حبان (2/152):
منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك". ا. هـ.
وقد ذكر الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (29/506) أن ياسين هو بن معاذ الزيات، وهو ضعيف، وتحرف في مطبوع "الحلية" يا سين عن عبد الله، إلى: ياسين بن عبد الله.
ولهذا قال الشيخ الألباني آنفا: ياسين بن عبد الله بن عروة لم أجد له ترجمة.
والصواب: ياسين عن عبد الله بن عروة.
وقد جاء في حديث آخر أن من غضب فعليه أن يقصد الأرض وذلك بأن يضطجع ونص الحديث:
عَن أَبِي سَعِيدٍ, الخُدرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خُطبَةً بَعدَ العَصرِ إِلَى مُغَيرِبَانِ الشَّمسِ حَفِظَهَا مِنَّا مَن حَفِظَهَا وَنَسِيَهَا مِنَّا مَن نَسِيَهَا، فَحَمِدَ اللَّهَ. قَالَ عَفَّانُ: وَقَالَ حَمَّادٌ: وَأَكثَرُ حِفظِي أَنَّهُ قَالَ: بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعدُ فَإِنَّ الدٌّنيَا خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُستَخلِفُكُم فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيفَ تَعمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدٌّنيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ, شَتَّى، مِنهُم مَن يُولَدُ مُؤمِنًا، وَيَحيَا مُؤمِنًا، وَيَمُوتُ مُؤمِنًا، وَمِنهُم مَن يُولَدُ كَافِرًا، وَيَحيَا كَافِرًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنهُم مَن يُولَدُ مُؤمِنًا، وَيَحيَا مُؤمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنهُم مَن يُولَدُ كَافِرًا، وَيَحيَا كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤمِنًا، أَلَا إِنَّ الغَضَبَ جَمرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوفِ ابنِ آدَمَ، أَلَا تَرَونَ إِلَى حُمرَةِ عَينَيهِ، وَانتِفَاخِ أَودَاجِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُم شَيئًا مِن ذَلِكَ فَالأَرضَ الأَرضَ، أَلَا إِنَّ خَيرَ الرِّجَالِ مَن كَانَ بَطِيءَ الغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا، وَشَرَّ الرِّجَالِ مَن كَانَ سَرِيعَ الغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ بَطِيءَ الغَضَبِ بَطِيءَ الفَيءِ، وَسَرِيعَ الغَضَبِ، وَسَرِيعَ الفَيءِ، فَإِنَّهَا بِهَا، أَلَا إِنَّ خَيرَ التٌّجَّارِ مَن كَانَ حَسَنَ القَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ، وَشَرَّ التٌّجَّارِ مَن كَانَ سَيِّئَ القَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ القَضَاءِ سَيِّئَ الطَّلَبِ، أَو كَانَ سَيِّئَ القَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ فَإِنَّهَا بِهَا، أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ, لِوَاءً يَومَ القِيَامَةِ بِقَدرِ غَدرَتِهِ، أَلَا وَأَكبَرُ الغَدرِ غَدرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ,، أَلَا لَا يَمنَعَنَّ رَجُلًا مَهَابَةُ النَّاسِ أَن يَتَكَلَّمَ بِالحَقِّ إِذَا عَلِمَهُ، أَلَا إِنَّ أَفضَلَ الجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ, عِندَ سُلطَانٍ, جَائِرٍ,، فَلَمَّا كَانَ عِندَ مُغَيرِبَانِ الشَّمسِ قَالَ: أَلَا إِنَّ مِثلَ مَا بَقِيَ مِن الدٌّنيَا فِيمَا مَضَى مِنهَا مِثلُ مَا بَقِيَ مِن يَومِكُم هَذَا فِيمَا مَضَى مِنهُ .
أخرجه الترمذي (2191)، وأحمد (3/18)، والشاهد منه قوله -صلى الله عليه وسلم-: أَلَا إِنَّ الغَضَبَ جَمرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوفِ ابنِ آدَمَ، أَلَا تَرَونَ إِلَى حُمرَةِ عَينَيهِ، وَانتِفَاخِ أَودَاجِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُم شَيئًا مِن ذَلِكَ فَالأَرضَ الأَرضَ.
قال الترمذي: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ!!
وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.
وضعف سنده الشيخ الأرنؤوط في تخريج المسند (17/228)، والشيخ مصطفى العدوي في تخريجه لمسند عبد بن حميد (862).
ولبعض ألفاظه شواهد.
ومعنى قوله: فَالأَرضَ الأَرضَ: بالنصب، أي فليقصد الأرض. أو بالرفع، أي: فالأرض دافعة له، والمقصود: فليضطجع وليتلبد بالأرض.
وجاء عند الترمذي: فَليَلصَق بِالأَرضِ.
قال صاحب التحفة: مِن بَابِ عَلِمَ يَعلَمُ أَي فَليَلتَزِق بِهَا حَتَّى يَسكُنَ غَضَبُهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِن الضَّعَةِ عَن الِاستِعلَاءِ، وَتَذكَارِ أَنَّ مَن كَانَ أَصلُهُ مِن التٌّرَابِ لَا يَستَحِقٌّ أَن يَتَكَبَّرَ.
وفي معنى الاضطجاع في حال الغضب ورد حديث آخر:
عَن أَبِي الأَسوَدِ عَن أَبِي ذَرٍّ, قَالَ: كَانَ يَسقِي عَلَى حَوضٍ, لَهُ، فَجَاءَ قَومٌ فَقَالَ: أَيٌّكُم يُورِدُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ,، وَيَحتَسِبُ شَعَرَاتٍ, مِن رَأسِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا فَجَاءَ الرَّجُلُ ، فَأَورَدَ عَلَيهِ الحَوضَ، فَدَقَّهُ ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ, قَائِمًا فَجَلَسَ، ثُمَّ اضطَجَعَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ,، لِمَ جَلَستَ، ثُمَّ اضطَجَعتَ قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَنَا : إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُم وَهُوَ قَائِمٌ فَليَجلِس، فَإِن ذَهَبَ عَنهُ الغَضَبُ وَإِلَّا فَليَضطَجِع .
رواه أحمد (5/152)، وأبو داود (4782).
والحديث مختلف فيه على داود بن أبي هند، ورجح أبو داود أنه مرسل من حديث بكر المزني فقال عقب الحديث المرسل (4783):
حَدَّثَنَا وَهبُ بنُ بَقِيَّةَ، عَن خَالِدٍ,، عَن دَاوُدَ، عَن بَكرٍ, أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا ذَرٍّ, بِهَذَا الحَدِيثِ . قَالَ أَبُو دَاوُد : وَهَذَا أَصَحٌّ الحَدِيثَينِ.
وبكر لم يسمع من أبي ذر كما قال أبو حاتم.
والحديث خرجه الأرنؤوط في تحقيق المسند (35/278)، وذكر الاختلاف في طرقه.
فائدة: أشار الشيخ مصطفى العدوي في كتابه "فقه الأخلاق والمعاملات بين المؤمنين" (3/127) إلى رسالة بعنوان: "المنتخب من فقه الغضب" لأحمد العيسوي، فلعله جمع ما ورد في هذا الباب ما صح وما لم يصح، وسأبحث عن هذه الرسالة.
ومن كان له إضافة أو تعقيب، فأكون له من الشاكرين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد