لقد حدثت بعضُ الخلافاتِ في مجتمع الصَّحابَةِ, وخُصوصاً بعد مقتلِ عُثمانَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- \"فبعد الفتن والأحداث الداخلية التي وقعت في صدر الدولة الإسلامية, والتي كان وراء إثارتها أيدي شريرة تعمل في الخفاء من اليهود النصارى والمجوس وغيرهم الذين أخبر الله عن عداوتهم وكيدهم لهذا الدينº وفي تلك الآونة نشأت الفرق والأحزاب وظهرت الطوائف والأهواء المنحرفة عن السبيل السويº فأخذت كُلٌّ فرقة تلبس ثوبَ الحقِّ زُوراً, وتدَّعي أنها تعمل لأجله، وتضع من الأحاديث التي تنسبها إلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- ما يُؤيِّدُ مذهبَها الذي ابتدعتهُ، وتؤول من آياتِ القرآن ما استطاعتº لأنَّها لا تستطيع أن تضع الآيات القرآنية أو تزيد فيها كما وضعت الأحاديثº لأنَّ القرآنَ محفوظٌ في الصدور, ومُدوَّنٌ بكاملِهِ في المصاحف, وبهذا نشأ الوضعُ في الحديث النبويِّ كما شمل الوضعُ الأخبارَ والأحداثَ التَّاريخيةَ, مِمَّا جعلَ علماءَ المسلمين يُطبِّقُونَ في المرويَّات مبدأ من أين لك هذا؟ فإذا جاء شخصٌ بروايةٍ,, سُئِلَ عمَّن حَدَّثَهُ بها, فَسُجِّلتِ الأخبارُ والأحداثُ بأسانيدِها في غالبِ الأحيانِ، غير أنها لم تلقَ من النَّقدِ والتمحيصِ ما لقي الحديثُ النَّبويٌّº بل كان من مناهج العلماءِ التَّساهلُ في روايةِ الأخبارِ, كما قدمنا. ولقد دخل ميدانَ التاريخ من أتباع الفرقِ المنحرفةِ وأهل الأهواءِ العديدُ من الرٌّواةِ والإخباريين والقُصَّاصِ والمؤرِّخين, فابتدعوا الرِّواياتِ الكاذبةَ ونشروها مما أصاب تاريخَ الصَّدرِ الأولِ بكثيرٍ, من التَّشويهِ والتَّحريفِ.
وإنَّ من أعظمِ الفِرَقِ أثراً في تحريف التاريخِ الإسلاميِّ الشِّيعةَ بمختلف طوائفِها وفِرَقِها، فهم من أقدم الفرق ظُهُوراً, ولهم تنظيم سياسي وتصور عقائديُّ ومنهج فكريُّ، وأصل نشأة هذا المذهب أخلاطٌ من اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة والباطنية الذين اتخذوا سمةَ التشيعِ لآلِ البيتِ سِتاراً لبلوغ أغراضِهم في هدمِ الدِّين الإسلاميِّ وتحريفِ تعاليمِهِ 1. وهم أكثرُ الطَّوائفِ كَذِباً على خُصُومِهم, وهم يدينون بالتقية التي هي كذبٌ في حقيقتها. وقد وصفهم شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة بقولِهِ: \"ولا يُوجَدُ في جميع الطَّوائفِ أكذبُ منهم ولا أجهل منهم، وشيوخُهم يُقرِّونَ بألسنتِهم، يقولون: \"يا أهلَ السٌّنةِ, أنتم فيكم فتوة ولو قدرنا عليكم ما عاملناكم بما تعاملونا به عند القدرة علينا\"2 ويقول الشَّيخُ طاهر الجزائريٌّ -أثناء محاورةٍ, جرت بينه وبين أحد علماء الشيعة هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء- : \"...ونحن قد راقبنا سيرةَ أهل العلم والأدب في مختلف الطوائف, فرأينا أكثرَ ما خُولِفَ به الحقٌّ تعصباً وتعنتاً كان من ناحيتِكم، بل لاحظنا أنَّ كُلَّ أديبٍ, ومُؤرِّخٍ, منكم يرى فرضاً عليه أن يخترعَ ما لم يسبقهُ إليه سلفُهُ من خبرٍ, موضوعٍ, أو قصةٍ, مخترعةٍ, تشويهاً لسيرة السَّلفِ، فإذا رجعنا إلى الكتب المتقدِّمةِ عليه لا نجد لذلك أثراً, فكأنَّ الواحدَ منهم يرى أنَّ مِن زكاةِ تشيعهِ أن يخترعَ ما يشينُ سيرةَ خيار المسلمينº ليتناقله النَّاسُ من بعده, ويحسبه الجاهلون حَقَّاً. كَمَا أنَّهم من أشدِّ النَّاسِ خصومةً للصَّحابةِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُم- وسبٌّ الصَّحابَة وتكفيرُهم من أساسياتِ معتقدِهم وأركانِهِ, وخاصة الشَّيخين أبي بكر وعمر ويسمونهما الجبت والطاغوت. وقد كانَ للشيعة أكبرُ عددٍ, من الرٌّواةِ والإخباريين الذين تولوا نشرَ أكاذيِبهم ومفترياتِهم وتدوينها في كتبِ ورسائلَ عن أحداثِ التَّاريخِ الإسلاميِّ خاصة الأحداث الداخلية. كما كان للشعوبية والعصبية أثرٌ في وضعِ الأخبارِ التَّاريخيةِ والحكاياتِ والقصصِ الرَّاميةِ إلى تشويه التَّاريخِ الإسلاميِّ وإلى إعلاء طائفةٍ, على طائفةٍ,, أو أهلِ بلدٍ, على آخرَ, أو جنسٍ, على جنسٍ,، وإبعاد الميزان الشَّرعيِّ في التفاضل, وهو ميزانُ التَّقوى:{إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم {الحجرات: من الآية13.
كما أنَّ الفِرَقَ المنحرفةَ -وبخاصة الشيعة الشنيعة- قد استغلت وضعَ القُصَّاصِ وانتشارَهم وجهلَ معظمِهم وقلةَ علمِهم بالسٌّنَّةِ، وانحراف طائفةٍ, منهم تبغي العيشَ والكسبَ، فنشروا بينهم أكاذيبَهم وحكاياتهم وقصصَهم الموضوعةَ،فتلقفها هؤلاء القُصَّاصُ دُونَ وعيٍّ, وإدراكٍ, ونشروها بين العامة. ولقد انتشر عن طريقِهم مئاتُ الأحاديثِ المكذوبةِ على النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- وعددٌ لا يُحصَى من الأخبارِ والأقوالِ المكذوبةِ عَلَى الصَّحابَةِ والتَّابعينَ وعلماءِ الإسلامِ مِمَّا يُسيء لهم ويُشوِّه تاريخَهم وسيرتَهم.
وقد كان من فضلِ اللهِ وتوفيقِهِ أن قَيَّضَ مجموعةً من العلماءِ النٌّقَّادِ الذين قامُوا بجهد في نقدِ الرٌّواة والمرويَّاتِº فبيَّنوا الزَّائفَ من الصَّحيحِ, ودافعُوا عن عقيدةِ الأُمَّةِ وتاريخِها، وجهد علماء السٌّنَّةِ في بيانِ الأحاديثِ المكذوبةِ بالنَّصِّ عليها, وبيان الرٌّواةِ الضِّعافِ والمتهمينَ وأصحاب الأهواء وفي رسم المنهج في نقد الروايات وقبولهاº وهو جهد كبير وموفَّقٌ.
ومن أبرز من تصدَّى لإيضاحِ المغالطات التاريخيةِ وردِّ زِيُوفِ الرِّواياتِ المكذوبةِ القاضي ابنُ العربيِّ في كتاب\"العواصم من القواصم\", والإمام ابن تيمية في كثيرٍ, من كتبِهِ ورسائلِهِ، وبخاصة كتابه القيم\" منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية\", وكذا الحافظ الناقد الذهبي في كثير من مؤلفاته التاريخية مثل كتاب \" سير أعلام النبلاء \" و\" تاريخ الإسلام ومشاهير الإعلام\" , و\" ميزان الاعتدال في نقد الرجال\", وأيضاً الحافظ ابن كثير المفسر المؤرخ في كتابه \" البداية والنهاية \", وأيضاً الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه \"فتح الباري شرح صحيح البخاري \", وكتاب \"لسان الميزان\", و\" تهذيب التهذيب\", و\"الإصابة في معرفة الصَّحابَة \".
ويمكننا القولُ أنَّ منهجيةَ هذه الفِرَقِ المنحرفةِ -وبخاصة الشيعة الشنيعة- قائمةٌ على تحريفِ الوقائعِ التَّاريخيةِ, وتشويه سير رجالِ الصَّدرِ الأولِ من الصَّحابَةِ والتَّابعينَ، ولها وسائلُ كثيرةٌ نذكرُ منها:
· الاختلاق والكذب.
· الإتيان لخبر أو حادثة صحيحة فيزيدون فيها وينقصون منها حَتَّى تتشوه وتخرج عن أصلِها.
· وضع الخبر في غيرِ سياقِهِ حَتَّى ينحرفَ عن معناه ومقصدِهِ.
· التأويل والتفسير الباطل للأحداث.
· إبراز المثالب والأخطاء وإخفاء الحقائق والصور المستقيمة.
· صناعة الأشعار وانتحالهاº لتأييد حوادث تاريخية مُدَّعاةº لأنَّ الشعر العربي ديوان العرب, و يُنظر له كوثيقةٍ, تاريخيةٍ,، ومستندٍ, يُساعِدُ في توثيقِ الخبرِ وتأييدِهِ.
· وضع الكتب والرَّسائلِ المكذوبةِ, ونحلها لعلماء وشخصياتٍ, مشهورةٍ,, كما وضعتِ الرَّافضةُ كتاب \"نهج البلاغة\", ونحلته الخليفةَ الرَّاشدَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ, - رَضِيَ اللهُ عَنهُ- وكتاب \"الإمامة والسياسة\" لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قُتيبة الدِّينَوَريِّ لشهرتِهِ عند أهلِ السٌّنة وثقتِهم به(3).
· المبالغة والغلو الشَّديدينِ في النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أو في آل البيت أو الأئمة المزعومين, وتأليف القصائد التي تدل على ذلك كصنيع كثير من الشيعة و المتصوفة.
وقد كانت هذه الأكاذيبُ والتَّحريفاتُ التي أحدثها أصحابُ الفِرَقِ المنحرفةِ في القرن الماضي مادةَ علماءِ الغربِ, وكُتَّابِهِ من المستشرقين والمنصِّرين - إبان غزوهم للبلدان الإسلامية-, فوجدُوا فيها ضالَّتهم, وأخذُوا يعملون على إبرازِها والتَّركيز عليها مع ما زادوه مِن عندهم - بدافعٍ, من عصبيتهم وكُرههم للمسلمين - من الكذب مثل اختراع حوادث لا أصل لها, أو التفسير الخاطئ تبعاً للتصور والاعتقاد الذي يدينون به, ثم شايع هؤلاء طائفةٌ غيرُ قليلةِ العددِ من تلاميذ المستشرقين في البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ, وأخذُوا طرائقَهم ومناهجَهم في البحثِ، وأفكارَهم وتصوراتهم في الفهمِ والتَّحليلِ, وتفسير التَّاريخِ, وحملوا الرايةَ بعد رحيلهم عن بلاد المسلمين, وكم يعاني المسلمون من جرَّاء ذلك إلى يومِنا هذا والله المستعان..(4)
نماذج لبعض كتب الشيعة:
كثيرةٌ هي كتبُ الرَّافضةِ ومؤلفاتُهم التي تطعنُ بأحاديثِ السِّيرةِ النَّبويةِ المتفق على صحتِها, وتُصوِّرُ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- , وكأنَّهُ مغلوبٌ على أمرِهِ، وتتهم السابقين الأولين من أصحابِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بالكذبِ, والمكرِ, والتَّضليلِº بل والكفر في كثيرٍ, من الأحيان، وتفننَ علماؤهم في القديمِ والحديثِ في اختلاقِ الأحاديثِ، والرِّواياتِ الكاذبةِ وإلصاقها بالصَّحابَةِ -رضوان الله عليهم- (5)، ومن الذين ألّفُوا في السِّيرةِ والتَّاريخِ من الشِّيعةِ أبو حنيفة الدِّينوَريٌّ(6)واليعقوبي(7).
ومن خلال عرضنا لبعض هذه الكتب سيُكشف مدى الزَّيفِ والتَّحريفِ, والانحرافِ الذي أصابَ تاريخَنا(8)..
1 - راجع أبو الحسين الملطي، التنبيه والرد ص( 18-34) وإحسان إلهي ظهير الشيع والسنة ص (24- 29) و د. عبد الله محمد الغريب، وجاء دور المجوس فصل ماذا وراء تشيع المجوس لأهل البيت ص 56 وما بعدها. نقلاً عن حاشية السلمي منهج كتابة التاريخ الإسلامي ص 498 ح 1.
2 -الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال ص 68.
3 - راجع المزيد في : منهج كتابة التاريخ الإسلامي للسلمي ص497.
4 -راجع: منهج كتابة التاريخ الإسلامي د. محمد السلمي (498-502).
5 -دراسات في السيرة النبوية لمحمد سرور بن نايف زين العابدين (344).
6 - يقول الدكتور محمد السلمي: ومن خلال قراءتي لكتابة التَّاريخي تبين أنه تنزعه عرق فارسية مع ميول شيعية. ( منهج كتابة التَّاريخ الإسلامي د. محمد بن صامل السلمي ص( 422).
7 - يقول الدكتور السلمي:هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي مولى بني هاشم مؤرخ شيعي إمامي كان يعمل في كتابة الدواوين في الدولة العباسية حَتَّى لقب بالكاتب العباسي. (منهج كتابة التاريخ الإسلامي426).
8 - من أكبر من دسَّ في تاريخنا وشوهه في العصور المتقدمة الرافضة الجعفريةº لأنهم يعتقدون في الخلفاء والملوك جميعاً أنهم مغتصبون للخلافة إلا علياً –رضي الله عنهم-º ولذلك عمدوا إلى تشويه التاريخ واختلاق الأكاذيب والطعن في الخلفاء بدءاً بالطعن في أبي بكر وعمر –رضي الله عنهم-وزاد الطين بلة أن بعض المؤرخين قمش ولم يفتش , فجمع الغث والسمين , فاستغلوا هذه الفرصة وأصبحوا يقولون إن هذا الكلام في كتبكم. وأما الدس والتشويه في العصر الحديث فتولى كبره المستشرقون وأذنابهم ممن ينتسب إلى الإسلام اسماً ورسماً , إلا فهو من ناحية المعنى مع المستشرقين الحاقدينº ولذلك نحن بحاجة إلى نقد تراثنا وتاريخنا حاجة ماسة ضرورية من أجل نهضة وصحوة صحيحة فتية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد