بسم الله الرحمن الرحيم
مصرع غرناطة – الجزء الأول
ظهر في أواخر عهد الموحدين ابن هود الذي سعى لتخليص الأندلس من الموحدين ، ومن النصارى أيضاَ ، وحكم قواعد شرقي الأندلس ، ودخلت في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس ، وانتزع غرناطة من المأمون الموحدي سنة 628 هـ ، وحكم ابن الأحمر قواعد أخرى في الجنوب.
وخاض ابن هود مع فرديناند الثالث ملك قشتالة معركة انتهت بسقوط ماردة وبطليوس في يد الإسبان النصارى سنة 628هـ ، و هزم مرة أخرى فسقطت أبدة عام 631هـ ، ثم سار ابن هود لمحاربة خصمه ومنافسه ابن الأحمر في أحواز غرناطة فوجد النصارى الفرصة سانحة للزحف على قرطبة التي سقطت بيدهم سنة 633 هـ فكانت من أشد الضربات القاصمة .
وتوفي ابن هود سنة 635 هـ وبوفاته انهارت دولته ، فسقطت بلنسية في يد النصارى سنة 636 هـ ، ثم شاطبة ودانية ، وانضوت مرسية تحت حماية ملك قشتالة سنة 641هـ .
ومع انهيار دولة ابن هود سارع محمد بن يوسف ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها في أواخر رمضان سنة 635هـ فغدت مقر حكمه .
ورأى النصارى أن ابن الأحمر أصبح منافسهم الأول بعد موت ابن هود ، فكانت معركة صغيرة سنة 636 انتصر فيها ابن الأحمر ، فاغتاظ فرديناند الثالث فأرسل ابنه ألفونسو فاستولى على حصن أرجونة ، وحاصر غرناطة سنة 642 فردهم ابن الأحمر بخسائر فادحة .
ولمس ابن الأحمر تفوق النصارى عليه فهادن ملك قشتالة ورضي أن يحكم باسمه ، وأن يؤدي له الجزية سنوياً وقدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب ، وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه بتقديم عدد من الجند ، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي ، وسلم جيان وأرجونة وغيرها رهينة لحسن طاعته .
وسيطرت إسبانية بذلك على الولايات الشرقية وبقي التهام الولايات الغربية ، وفي عام 645 ضم النصارى طلبيرة وشلب والخزانة ومرشوشة والحرة ، وفتحت قرمونة بمعاونة ابن الأحمر ، وبدأ حصار أشبيلية ودام الحصار ثمانية أشهر ثم استسلمت المدينة للنصارى في 27 رمضان 646هـ ، ثم سقطت مدن أخرى تباعاً لهذا السقوط الكبير ، كل هذا بمعاونة ابن الأحمر .
وبدأ ابن الأحمر يواجه النصارى بعد أن رأى الخطر يحوم حوله فبدأ يخرج عن طاعتهم فغزوا أرضه عام 660هـ فردهم ، ثم شددوا الهجوم عليه بدءاً من عام 663 هـ وبدأت الهزائم تتوالى عليه فاضطر ثانية لمهادنة النصارى وتنازل لهم عن أكثر من مائة موضع معظمها غربي الأندلس ، وفي عام 668 هـ ساءت العلاقة بينه وبين النصارى فطلب ابن الأحمر العون من دولة المرينيين حكام المغرب الأقصى ، وهنا مات ابن الأحمر وحكم ابنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الذي كان شاعراً وفقيهاً وسمي محمد الفقيه ، ونهض أمير المرينيين أبو يوسف يعقوب المنصور المريني ابن عبد الحق لنجدة غرناطة ، وهزم النصارى في معركة قوية في 25 ربيع الأول سنة 674هـ ، ووطد لحكم بني الأحمر قرابة مدة مائتين وخمسين عاماً أخرى .
ومرت سنون طويلة كانت العلاقة تسوء بين بني الأحمر وبين ملك قشتالة ومرة تهدأ الأوضاع ، وكلما ساءت العلاقة وجاءت نذر الحرب استغاث بنو الأحمر بحلفائهم بني مرين الذين كانوا يجوزون البحر في كل مرة ليغيثوا إخوانهم من مجازر النصارى ، حتى سقطت دولة بني مرين وقامت على أنقاضها دولة بين وطاس الضعيفة التي لم تكن بقوة بني مرين ولا تستطيع جواز البحر لنجدة المسلمين هناك .
وتوحد الأسبان في مملكة واحدة بزواج فرديناند ملك أراغون بإيزابيلا وريثة عرش قشتالة ، واستقر العرش لهما ، وكانا ذوي نزعة صليبية حاقدة ، وكانت غرناطة غارقة في حرب أهلية بين أمير غرناطة أبي الحسن الملقب الغالب بالله وبين أخيه أبي عبد الله محمد المعروف بالزغل الذي طلب عون النصارى على أخيه أبي الحسن مراراً ، ثم اتفق الأخوان على الهدنة والصلح وأن يبقى أبو عبد الله بمالقة وأحوازها.
وحاول أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع قشتالة ولكن الملكين الجديدين رفضا إلا بعد دفع جزية سنوية فرفض أبو الحسن طلبهما وزحف لقلعة الصخرة وفتح مدينة رندة .
وكان أبو الحسن قد تزوج من عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر وهي المعروفة بعائشة الحرة ، وكانت قوية الشخصية مع سمو في الروح مع رفيع القيم والمثل ، ورزقت من أبي الحسن بولدين هما : أبو عبد الله محمد ، وأبو الحجاج يوسف ، وكان أبو الحسن قد ترك الجهاد وعشق حياة الدعة وغرق في عشق رومية نصرانية اسمها ثريا ، وأصبح أبو الحسن أداة سهلة في يد زوجته ثريا التي كانت ذات دهاء وأطماع ، وتريد أن يكون ولدها يحي ولياً للعهد ، وتقدمه على أخيه الأكبر من عائشة الحرة أبي عبد الله ، وتمكنت ثريا من إقناع أبي الحسن بإقصاء عائشة وولديها حتى أقنعته باعتقالهم ، فتم ذلك في برج قمارش أمنع أبراج الحمراء ، وشدد الحجر عليهم ، وانقسم المجتمع الغرناطي إلى فريقين : فريق يؤيد السلطان وثريا ، وفريق يؤيد الأميرة الشرعية عائشة وولديها . ولم تستسلم عائشة الحرة فاتصلت بمؤيديها وتمكنت من الهرب من قصر الحمراء سنة 887 هـ وظهرت في وادي آش عند أنصارها .
وقرر فرديناند وإيزابيلا البدء بالحرب بعد أن رأوا أن الحرب الأهلية بدأت تؤتي ثمارها، واستولوا على مكان اسمه الحامة ، الذي يمهد لهم احتلال غرناطة ومالقة معاً ، وتم لهم ذلك ، ولم يستطع أبو الحسن استردادها ، ونشبت الثورة داخل غرناطة تعاطفاً مع عائشة وولديها ففر أبو الحسن إلى مالقة عند أخيه أبي عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزغل .
وجلس أبو عبد الله محمد مكان أبيه على عرش غرناطة سنة 887 هـ ، وعمره 25 سنة ، وأراد أن يحذو حذو المجاهدين فخرج في قوات هزم بها النصارى في عدة معارك ، ولما عاد مثقلاً بالغنائم داهمه النصارى في ظاهر قلعة اللسانة ، فخسر المعركة وأسر على أثرها ، وعاد الجيش دون ملكه ، وحاولت غرناطة إعادة أبا الحسن إلى عرشه بدل ابنه الأسير ولكن الإعياء هدمه والمرض فتك به فتنازل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله الزغل حاكم مالقة .
عرضت أم عبد الله الصغير ووالده الذي خشي من مكر فرديناند وخبثه في التلاعب بابنه دفع فدية كبيرة للنصارى مقابل تسليمه لهم فرفض فرديناند ، واستغل فرديناند قلة خبرة أبي عبد الله الصغير وانعدام حزمه وضعف إرادته وطموحه للحكم ليس غير فاتخذه أداة رائعة يوجهها كيف يشاء ، فأقنع فرديناند أبا عبد الله الصغير أن الصلح مع قشتالة خير ، فأرسل أبو عبد الله الصغير من يقنع المسلمين بذلك ، وسير فرديناند في اللحظة ذاتها ينتزع ما يمكن انتزاعه من مملكة غرناطة ، فاحتل رندة سنة 890 هـ فهددوا بذلك مالقة من الغرب ، وحاولوا احتلال حصن مكلين على مقربة من غرناطة ولكن أبا عبد الله الزغل ردهم .
وفي هذه الأثناء قامت فتنة عاملها الرئيس أبو عبد الله الصغير وحزبه ، حيث دعاه حي البيازين ، فشغل أبو عبد الله الزغل بإخماد الفتنة عن مقاتلة الإسبان ، وفي أحرج المواقف أطلق فرديناند سراح أبي عبد الله الصغير بعد أن وقعه على معاهدة أعلن بها خضوعه وطاعته لملك قشتالة لمدة عامين ، وأن تطبق في جميع البلدان التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله الصغير ، وأخذ يبث أبو عبد الله الصغير دعوته في شرق الأندلس ، والحرب الأهلية في غرناطة منذ بداية سنة 891 هـ .
وفي هذه الحروب ضرب القشتاليون الحصون الإسلامية بالأنفاط أي المدافع التي بها صخور من نار فتهلك كل من نزلت عليه وتحرقه ، وحينما نشبت الثورة في حي البيازين أمدوا فريقاً من الثوار بالرجال والأنفاط والبارود .
وفي شوال 891 هـ ظهر أبو عبد الله الصغير في حي البيازين ومن حوله أنصاره وأمده فرديناند بالرجال والذخائر والمؤن ، فزادت الفتنة اضطراباً ، واستغل فرديناند الفتنة القاتلة واحتل بلش مالقة على الرغم من استبسال أهلها في الدفاع عنها بمساعدة الزغل ، فعاد الزغل منها باتجاه غرناطة ليجدها قد خضعت لأبي عبد الله الصغير وتبوأ عرشها في 5 جمادى الأولى 892 هـ ، فارتد الزغل إلى وادي آش ، وبذلك انقسمت مملكة غرناطة إلى قسمين : غرناطة وأعمالها ويحكمها أبو عبد الله الصغير ، ووادي آش وأعماله ويحكمه عمه محمد بن سعد أبو عبد الله الزغل . وهذا ماكان يسعى إليه فرديناند.
وترك فرديناند أبا عبد الله الصغير الخاضع له وبدأ بالأنحاء الشرقية والجنوبية التي تخضع لعمه أبي عبد الله الزغل ، وزحف على مالقة وطوقها براً وبحرا ًفي جمادى الآخرة 892 هـ وخاف الزغل أن يسير إلى إنجادها من وادي آش أن يغدر به ابن أخيه ، فاستنجد بسلطان مصر الأشرف قايتباي ولكن مالقة سقطت في أواخر شعبان 892 هـ ونكث فرديناند بوعوده فغدر بأهل المدينة واسترقهم جميعاً .
ثم سقط ثغر المنكب والمرية عام 895 ، فلم يبق ثغر واحد يصل غرناطة بالمغرب ، وتطور سير الأحداث فانضوى الزغل تحت لواء النصارى فقد رأى أنه يغالب المستحيل ، ودخل النصارى وادي آش في صفر 895 هـ، وبقي الزغل يحكم وادي آش تحت حماية ملك قشتالة ، ولم يقبل بهذا الوضع المهين فجاز البحر إلى المغرب ونزل وهران ثم استقر في تلمسان حزيناً على ضياع الأندلس .
وبقيت غرناطة آخر القواعد الإسلامية وعلى عرشها أبو عبد الله الصغير تنتظر الضرب القاضية .
تابع الجزء الثاني ....
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد