بسم الله الرحمن الرحيم
إن أساس الإصلاح الإسلامي هو الـتـوحـيد الخالص لله (تعالى)، فهو الذي يرتقي بالإنسان المكان اللائق به، وهو الذي ينقذه من رق العبودية لغير الله، ويحرره من استعباد الإنسان، ومن استعباد الخرافة والأهواء، وهو الذي ينقذه من المحتالين الدجالين أحبار السوء الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، وإذا لم يتـعـبد الإنسان لله (تعالى) فسوف يقع في الوثنية - لا محالة - بشتى صورها وأشكالهاº فإن الإنسان كما جاء في الحديث (حارثٌ وهمّام)، فلا بد أن يمتلئ بشيء، فإذا لم تكن العبودية لله فـهـي لغيره مهما تظاهر بأنه حر، فالعبودية هي عبودية القلب كما يقول ابن تيمية (رحمه الله)، فمن ركض وراء الشهوات فهو الأسير المملوك، ولو كان حاكماً يستعبد الناس.
الـتـوحـيـد الخالص لله (تعالى) هو الذي يجعل المسلم شخصية تستعصي على الطغيان، ولا تخضع للـمــلأ أو الـمــــال، كما استعصى الصحابي الجليل بلال بن رباح حين قالها لملأ قريش: أحد أحد، والتوحـيد هو الذي يحفظ الإنسان من الانفلات بلا قيد أو ضابط، كما حُفظت الأفلاك بالجاذبية.
التوحيد الخالص لله (تعالى) هو الذي أنقذ العرب من وهدة النسيان والخمول، وجعلهم أمة تحـمـل رسالة وتشعر بالمسؤولية، وتحول العربي إلى إنسان لا تأسره الأوهام والتقاليد، ولا القبيلة والعشيرة، ولا الإقليمية والقومية.
إن مــن أصعب الأشياء على الإنسان الذي يحب الفساد في الأرض أن يسمع كلمة التوحيد ((أَجَعـَـلَ الآلِهَةَ إلَهاً وَاحِداً إنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ)) [ص: 5] وكأنهم يقولون: كيف يكون إله واحــــد ينـظـر في أمر الجميع؟ ((وَإذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحدَهُ اشمَأَزَّت قُلُوبُ الَذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ...)) [الزمر: 45] وقدخشي فرعون من هذا التوحيـد الـذي جـاء بـه موسـى (عليه الـســلام) فـقــال: ((إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم...)) [غافر: 26] والدين هنا يعني الحكم، وكأنه يقول: إن هـــــذا الـنـبـــي الذي جاء بالتوحيد خطير جدّاًº لأنه سيذهب بملككم وسيادتكم وطريقتكم في العيش. فــــلا مــانــع عند الطغاة أن يكون الدين حركة ثقافية أو حضارية تتكلم عن الزخرفة الإسلامية أو الـعـمــــارة الإسلامية، وتذكر ما أنتجه العلماء القدامى في الطب، والهندسة، وعلم الفلك، ولا مــانــع من تشجيع الطرق الصوفية التي تربط الفرد بالشيخ والولي والأقطاب والأوتاد وما هنالك من خيالات وخرافات.
ومن المؤسف أن بعض الذين يوسمون أنفسهم بأنـهـم (مـثـقـفـــون)، أو بعض من دخلت في قلوبهم شبه (علم الكلام) يأنفون من هذا التوحـيــــد، فلا يدرسونه ولا يُدرّسونهº لأن هذا عندهم أقرب أن يكون للعوام!، أما هم فــــلا بد أن يخوضوا فـي الــذات الإلهية، وكيف ولماذا؟... ولا بد أن يذكروا أقوال الفلاسفة الـقــدامى والمعاصرينº فتراهم يلوكون الكلمات التي لا تقيم حقًّا ولا تهدم باطـــلاً، والتي هي كلحم جمل غَثّ على رأس جبل وعر، ولا يكتفون بهذا، بـل يُنفّرون الـنـــاس عـن هذا التوحيد باللمز والغمز لأهله الذين يقومون به ويعلمونه الناس.
إذا أردنــا الـنـهـــوض فلا بد أن نرتفع بمستوى الأمة كي تفهم وتمارس التوحيد الخالص، وحتى لا تكون قطيعاً يُنادى من مكان بعيد، وتكون أمة تقوم بواجباتها وتحمل الرسالة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد