بسم الله الرحمن الرحيم
مرض القلب: قال الله - تعالى -: {فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ} [البقرة: 10]. قال الطبري: \"معنى قول الله جل ثناؤه: {فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ} إنما يعني: في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين والتصديق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من عند الله مرض وسقم، فاجتزأ بدلالة الخبر عن قلوبهم على معناه عن تصريح الخبر عن اعتقادهم. والمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه هو شكّهم في أمر محمد وما جاء به من عند الله وتحيّرهم فيه، فلا هم به موقنون إيقانَ إيمان، ولا هم له منكرون إنكار إشراك، ولكنهم كما وصفهم الله - عز وجل - مذبذبون بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما يقال: فلان يُمَرِّضُ في هذا الأمر، أي: يُضَعِّف العزمَ ولا يصحّح الروِيَّة فيه\"[1]. قال ابن القيم: \"قد نهكت أمراضُ الشّبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها، وغلبت القصودَ السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها، ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك، فعجز عنه الأطبّاء العارفون، {فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ}\"([2]).
2- الطمع الشهواني: قال الله - تعالى -: {فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَض} [الأحزاب: 32]. قال الطبري: \"فيطمع الذي في قلبه ضعف، فهو لضعف إيمانه في قلبه، إما شاكّ في الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستخفّ بحدود الله، وإما متهاون بإتيان الفواحش\"[3].
3- الزيغ بالشبه: قال الله - تعالى -: {لِيَجعَلَ مَا يُلقِي الشَّيطَانُ فِتنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ, بَعِيدٍ,} [الحج: 53]. قال الطبري: \"يقول: اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق، وذلك الشكّ في صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحقيقة ما يخبرهم به\"[4].
4- التكبّر والاستكبار: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوا رُؤُوسَهُم وَرَأَيتَهُم يَصُدٌّونَ وَهُم مُستَكبِرُونَ} [المنافقون: 5]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -مخبِرا عن المنافقين عليهم لعائن الله أنهم إذا قيل لهم: {إِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا يَستَغفِر لَكُم رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوا رُؤُوسَهُم} أي: صدّوا واعرضوا عمّا قيل لهم استكبارا عن ذلك، واحتقارا لما قيل، ولهذا قال - تعالى -: {وَرَأَيتَهُم يَصُدٌّونَ وَهُم مُستَكبِرُونَ}. ثم جازاهم على ذلك فقال - تعالى -: {سَوَاءٌ عَلَيهِم أَستَغفَرتَ لَهُم أَم لَم تَستَغفِر لَهُم لَن يَّغفِرَ اللهُ لَهُم إِنَّ اللهَ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ}\"[5]. 5- الاستهزاء بآيات الله والجلوس إلى المستهزئين بآيات الله: قال الله - تعالى -: {يَحذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ استَهزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخرِجٌ مَا تَحذَرُونَ} [التوبة: 64]. قال الطبري: \"يقول - تعالى -ذكره: يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم. وقيل: إن الله أنزل هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن المنافقين كانوا إذا عابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكروا شيئا من أمره وأمر المسلمين قالوا: لعلّ الله لا يفشي سرّنا، فقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: قل لهم: {استَهزِئُوا}، متهدِّدا لهم متوعّدا، {إِنَّ اللَّهَ مُخرِجٌ مَا تَحذَرُونَ}\"[6]. وقال الله - تعالى -: {وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
6- الاستهزاء بالمؤمنين: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ % اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدٌّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ} [البقرة: 14-15]. قال ابن القيم: \"لكل منهم وجهان: وجه يلقى به المؤمنين، ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين، وله لسانان: أحدهما يقبله بظاهره المسلمون، والآخر يترجم به عن سرّه المكنون، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ}. قد أعرضوا عن الكتاب والسنّة استهزاءً بأهلهما واستحقارًا، وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحًا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه إلا أشرًا واستكبارًا، فتراهم أبدًا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون {اللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِم وَيَمُدٌّهُم فِي طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ}\"[7].
7- الظن السيئ بالله - تعالى -: قال الله - تعالى -: {وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشرِكِينَ وَالمُشرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوءِ عَلَيهِم دَائِرَةُ السَّوءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا} [الفتح: 6].
8- عدم الثقة بوعد الله - تعالى -ووعد رسوله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله - تعالى -: {وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
9- صدّ الناس عن الإنفاق في سبيل الله: قال الله - تعالى -: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَن عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضٌّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَفقَهُونَ} [المنافقون: 7]. عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: كنت في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حولِه، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر، فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثلُه قطّ، فجلست في البيت فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقتك، فأنزل الله - تعالى -: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ}. فبعث إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ، فقال: ((إن الله قد صدقك يا زيد))[8].
10- التستّر ببعض الأعمال المشروعة للإضرار بالمؤمنين: قال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسجِدًا ضِرَارًا وَكُفرًا وَتَفرِيقًا بَينَ المُؤمِنِينَ وَإِرصَادًا لِمَن حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبلُ وَلَيَحلِفُنَّ إِن أَرَدنَا إِلاّ الحُسنَى وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 107].
11- التفريق بين المؤمنين والدّسّ والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلال الخلافات وتوسيع شقّتهاوالإفساد في الأرض وادعاء الإصلاح: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم لا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لا يَشعُرُونَ} [البقرة: 11]. قال الطبري: \"وهذا القول من الله جلّ ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهمº إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم الله عنه قالوا: إنما نحن مصلحون لا مفسدون، ونحن على رشد وهدى فيما أنكرتموه علينا دونكم لا ضالّون، فكذّبهم الله - عز وجل - في ذلك من قيلهم، فقال: {أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ} المخالفون أمرَ الله - عز وجل -، المتعدّون حدودَه، الراكبون معصيتَه، التاركون فروضَه، وهم لا يشعرون، ولا يدرون، أنهم كذلك، لا الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين، وينهونهم عن معاصي الله في أرضه من المسلمين\"[9].
12- السفه ورمي المؤمنين بالسفه: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤمِنُ كَمَا آمَنَ السٌّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُم هُمُ السٌّفَهَاءُ وَلَكِن لا يَعلَمُونَ} [البقرة: 13]. قال الطبري: \"هذا خبر من الله - تعالى -عن المنافقين الذين تقدّم نعته لهم ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجهّال في أديانهم، الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوّته، وفيما جاء به من عند الله وأمر البعثº لإساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك، وهم يحسبون أنهم إليها يحسِنون، وذلك هو عين السفهº لأن السفيه إنما يفسِد من حيث يرى أنه يصلح، ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق يعصي ربّه من حيث يرى أنه يطيعه، ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به، ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يحسن إليها، كما وصفهم به ربّنا جل ذكره، فقال: {أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لا يَشعُرُونَ}، وقال: {أَلا إِنَّهُم هُمُ السٌّفَهَاءُ} دون المؤمنين المصدّقين بالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه {وَلَكِن لا يَعلَمُونَ}\"[10]. وقال ابن القيّم: \"المتمسّك عندهم بالكتاب والسنّة صاحب ظواهر، مبخوس حظّه من المعقول، والدائر مع النصوص عندهم كحمار يحمِل أسفارا، فهمه في حمل المنقول، وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة، وما هو عندهم بمقبول، وأهل الاتباع عندهم سفهاء، فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم يتطيرون، {وَإِذَا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤمِنُ كَمَا آمَنَ السٌّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُم هُمُ السٌّفَهَاءُ وَلَكِن لا يَعلَمُونَ}\"[11].
13- موالاة الكافرين: قال الله - تعالى -: {بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا % الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138-139]. قال الطبري: \"يقول الله لنبيه: يا محمد، {بَشِّرِ المُنَافِقِينَ} الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلاّء من دون المؤمنين، يعني: من غير المؤمنين. {أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ} يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي، {فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم هم الأذلاء الأقلاء، فهلاّ اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمِسوا العزّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، فيعزّهم ويمنعهم\"[12].
14- التربص بالمؤمنين: قال الله - تعالى -: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُم فَإِن كَانَ لَكُم فَتحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَم نَكُن مَعَكُم وَإِن كَانَ لِلكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَم نَستَحوِذ عَلَيكُم وَنَمنَعكُم مِنَ المُؤمِنِينَ فَاللَّهُ يَحكُمُ بَينَكُم يَومَ القِيَامَةِ وَلَن يَجعَلَ اللَّهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]. قال الطبري: \"يعني جل ثناؤه بقوله: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُم} الذين ينتظرون ـ أيها المؤمنون ـ بكم، {فَإِن كَانَ لَكُم فَتحٌ مِنَ اللَّهِ} يعني: فإن فتح الله عليكم فتحا من عدوكم، فأفاء عليكم فيئا من المغانم، {قَالُوا} لكم {أَلَم نَكُن مَعَكُم} نجاهد عدوّكم، ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبا من الغنيمة، فإنا قد شهدنا القتال معكم، {وَإِن كَانَ لِلكَافِرِينَ نَصِيبٌ} يعني: وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظ منكم بإصابتهم منكم {قَالُوا أَلَم نَكُن مَعَكُم} يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين {أَلَم نَستَحوِذ عَلَيكُم} ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين، ونمنعكم منهم بتخذيلنا إياهم، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا، {فَاللَّهُ يَحكُمُ بَينَكُم يَومَ القِيَامَةِ} يعني: فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل بإدخال أهل الإيمان جنته، وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار نارَه\"[13]. وقال ابن القيم: \"يتربّصون الدوائر بأهل السنة والقرآن، فإن كان لهم فتح من الله قالوا: ألم تكن معكم؟! وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم، وإن كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا: ألم تعلموا أنّ عقد الإخاء بيننا محكم، وأن النسب بيننا قريب؟! فيا من يريد معرفتهم، خُذ صفتهم من كلام ربّ العالمين، فلا تحتاج بعده دليلاً: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُم فَإِن كَانَ لَكُم فَتحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَم نَكُن مَعَكُم وَإِن كَانَ لِلكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَم نَستَحوِذ عَلَيكُم وَنَمنَعكُم مِنَ المُؤمِنِينَ فَاللَّهُ يَحكُمُ بَينَكُم يَومَ القِيَامَةِ وَلَن يَجعَلَ اللَّهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤمِنِينَ سَبِيلاً}\"[14].
15- الاتفاق مع أهل الكتاب ضدّ المؤمنين والتولي في القتال: قال الله - تعالى -: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ لَئِن أُخرِجتُم لَنَخرُجَنَّ مَعَكُم وَلا نُطِيعُ فِيكُم أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلتُم لَنَنصُرَنَّكُم وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ لَئِن أُخرِجُوا لا يَخرُجُونَ مَعَهُم وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُم وَلَئِن نَصَرُوهُم لَيُوَلٌّنَّ الأَدبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ} [الحشر: 11-12].
16- الطبع على القلوب فلا يفقهون: قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن يَستَمِعُ إِلَيكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِن عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِم وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم} [محمد: 16].
17- فتنة النفس والتربّص والاغترار بالأماني: قال الله - تعالى -: {يُنَادُونَهُم أَلَم نَكُن مَعَكُم قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُم فَتَنتُم أَنفُسَكُم وَتَرَبَّصتُم وَارتَبتُم وَغَرَّتكُمُ الأَمَانِيٌّ حَتَّى جَاءَ أَمرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ} [الحديد: 14].
18- مخادعة الله - تعالى -والكسل في العباداتوالرياء في الطاعات وقلة ذكرالله: قال الله - تعالى -: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً} [النساء: 142]. قال الطبري: \"فتأويل ذلك: إن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم بنفاقهم دماءَهم وأموالهم، والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان، مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر، استدراجا منه لهم في الدنيا، حتى يلقوه في الآخرة فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نار جهنم. وأما قوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ} فإنه يعني أن المنافقين لا يعملون شيئا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرّب بها إلى الله، لأنهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة بقاء على أنفسهم، وحذارا من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة قاموا كسالى إليها رياء للمؤمنينº ليحسبوهم منهم، وليسوا منهمº لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالى. وأما قوله: {وَلا يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً} فلعل قائلا أن يقول: وهل من ذكر الله شيء قليل؟! قيل له: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، إنما معناه: ولا يذكرون الله إلا ذكرا رياءº ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد الله، مخلص له الربوبيةº فلذلك سماه الله قليلاº لأنه غير مقصود به الله، ولا مبتغى به التقرب إلى الله، ولا مرادا به ثواب الله وما عنده، فهو وإن كثر من وجه نصب عامله وذاكره في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء\"[15]. وقال ابن القيم: \"لهم علامات يعرفون بها مبيّنة في السنة والقرآن، بادية لمن تدبّرها من أهل بصائر الإيمان، قام بهم ـ والله ـ الرياء، وهو أقبح مقام قامه الإنسان، وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن، فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلا {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلاّ قَلِيلاً}\"[16]. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد))[17]. قال ابن حجر: \"وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهماº لقوة الداعي إلى تركهماº لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم\"[18].
19- التّذبذب والتردّد بين المؤمنين والكافرين: قال الله - تعالى -: {مُذَبذَبِينَ بَينَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاء} [النساء: 143]. قال الطبري: \"عنى بذلك أن المنافقين متحيّرون في دينهم، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحّة، فهم لا مع المؤمنين على بصيرة، ولا مع المشركين على جهالة، ولكنّهم حيارى بين ذلك\"[19]. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة))[20]. قال النووي: \"العائرة: المتردّدة الحائرة، لا تدري لأَيِّهِمَا تتبع، ومعنى تعير أي: تردّد وتذهب\"[21].
20- مخادعة المؤمنين: قال الله - تعالى -: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ} [البقرة: 9]. قال الطبري: \"وخداع المنافق ربّه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول والتصديق خلاف الذي في قلبه من الشكّ والتكذيبº ليدرَأ عن نفسه بما أظهر بلسانه حكمَ الله - عز وجل - اللازم من كان بمثل حاله من التكذيب، لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار من القتل والسباء، فذلك خِداعُه ربّه وأهلَ الإيمان بالله\"[22]. وقال ابن كثير: \"أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذاك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين، كما قال - تعالى -: {يَومَ يَبعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحلِفُونَ لَكُم وَيَحسَبُونَ أَنَّهُم عَلَىٰ شَىء أَلاَ إِنَّهُم هُمُ ٱلكَـٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: {وَمَا يَخدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ} يقول: وما يغرّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال - تعالى -: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم}\"[23].
21- التحاكم إلى الطاغوت والصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم إليه: قال الله - تعالى -: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالاً بَعِيدًا % وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدٌّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 60-61]. قال ابن القيم: \"إن حاكمت المنافقين إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين، وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - رأيتهم عنه معرضين، فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدا بعيدا، ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضا شديدا، {وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَوا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ المُنَافِقِينَ يَصُدٌّونَ عَنكَ صُدُودًا}\"[24].
22- الإفساد بين المؤمنين: قال الله - تعالى -: {لَو خَرَجُوا فِيكُم مَا زَادُوكُم إِلاّ خَبَالاً وَلأَوضَعُوا خِلالَكُم يَبغُونَكُمُ الفِتنَةَ وَفِيكُم سَمَّاعُونَ لَهُم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47]. قال ابن كثير: \"{لَو خَرَجُوا فِيكُم مَا زَادُوكُم إِلاّ خَبَالاً} أي: لأنهم جبناء مخذولون، {وَلأَوضَعُوا خِلالَكُم يَبغُونَكُمُ الفِتنَةَ} أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة، {وَفِيكُم سَمَّاعُونَ لَهُم} أي: مطيعون لهم، ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدّي إلى وقوع شرّ بين المؤمنين وفساد كبير\"[25].
23- الحلف الكاذب والخوف والجبن والهلع: قال الله - تعالى -: {وَيَحلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُم لَمِنكُم وَمَا هُم مِنكُم وَلَكِنَّهُم قَومٌ يَفرَقُونَ لَو يَجِدُونَ مَلجَئاً أَو مَغَـٰرَاتٍ, أَو مُدَّخَلاً لَّوَلَّوا إِلَيهِ وَهُم يَجمَحُونَ} [التوبة: 56، 57]. قال ابن كثير: \"يخبر الله - تعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم {يَحلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُم لَمِنكُم} يمينا مؤكّدة، {وَمَا هُم مِنكُم} أي: في نفس الأمر، {وَلَكِنَّهُم قَومٌ يَفرَقُونَ} أي: فهو الذي حملهم على الحلف. {لَو يَجِدُونَ مَلجَئاً} أي: حصنا يتحصنون به، وحرزا يتحرزون به، {أَو مَغَـٰرَاتٍ,} وهي التي في الجبال، {أَو مُدَّخَلاً} وهو السرب في الأرض والنفق...{مُدَّخَلاً لَّوَلَّوا إِلَيهِ وَهُم يَجمَحُونَ} أي: يسرعون في ذهابهم عنكمº لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة، وودّوا أنهم لا يخالطونكم، ولكن للضرورة أحكام، ولهذا لا يزالون في هم وحزن وغمº لأن الإسلام وأهله لا يزال في عزّ ونصر ورفعة، فلهذا كلّما سرّ المسلمون ساءهم ذلك فهم يودّون أن لا يخالطوا المؤمنين ولهذا قال: {لَو يَجِدُونَ مَلجَئاً أَو مَغَـٰرَاتٍ, أَو مُدَّخَلاً لَّوَلَّوا إِلَيهِ وَهُم يَجمَحُونَ}\"[26].وقال الله - تعالى -: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدٌّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُم آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لا يَفقَهُونَ} [المنافقون: 1-3]. قال الشافعي: \"فبيّن في كتاب الله - عز وجل - أن الله أخبر عن المنافقين أنهم اتخذوا أيمانهم جُنَّة يعني ـ والله أعلم ـ من القتل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جُنَّة فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُم آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} بعد الإيمان كفرًا إذا سئلوا عنه أنكروه، وأظهروا الإيمان وأقروا به، وأظهروا التوبة منه، وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله - تعالى -على الكفر\"[27]. وقال ابن القيم: \"تسبق يمين أحدهم كلامَه من غير أن يعترض عليهº لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه، فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به، وكشف ما لديه، وكذلك أهل الريبة يكذبون ويحلفونº ليحسب السامع أنهم صادقون {اتَّخَذُوا أَيمَانَهُم جُنَّةً فَصَدٌّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ}\"[28]. وقال الله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم هُمُ العَدُوٌّ فَاحذَرهُم قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ} [المنافقون: 4]. قال الطبري: \"يقول جل ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: وإذا رأيت هؤلاء المنافقين ـ يا محمد ـ تعجبك أجسامهمº لاستواء خلقها وحسن صورها، {وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم} يقول جل ثناؤه: وإن يتكلموا تسمع كلامهم، يشبه منطقهم منطق الناس، {كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} يقول: كأن هؤلاء المنافقين خشب مسندة، لا خير عندهم، ولا فقه لهم، ولا علم، وإنما هم صور بلا أحلام، وأشباح بلا عقول، وقوله: {يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم} يقول جل ثناؤه: يحسب هؤلاء المنافقون من خبثهم وسوء ظنهم وقلة يقينهم كلّ صيحة عليهمº لأنهم على وجل أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم ويفضحهم، ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم، فهم من خوفهم من ذلك كلما نزل بهم من الله وحي على رسوله ظنوا أنه نزل بهلاكهم بالأسن\"[29]. وقال ابن القيم: \"أحسن الناس أجسامًا وأخلبهم لسانًا وألطفهم بيانًا وأخبثهم قلوبًا وأضعفهم جنانًا، فهم كالخشب المسندة التي لا ثمر لها، قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمهاº لئلا يطأها السالكون، {وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم هُمُ العَدُوٌّ فَاحذَرهُم قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ}\"[30].
24- يحبون أن يحمَدوا بما لم يفعلوا: قال الله - تعالى -: {لا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبٌّونَ أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا فَلا تَحسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ, مِنَ العَذَابِ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188]. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: إن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لا يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَفرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبٌّونَ أَن يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلُوا}[31].
25- ظهور الرعب عليهم عند ذكر القتال في آيات الله - تعالى -: قال الله - تعالى -: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَولا نُزِّلَت سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَت سُورَةٌ مُحكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القِتَالُ رَأَيتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيكَ نَظَرَ المَغشِيِّ عَلَيهِ مِنَ المَوتِ فَأَولَى لَهُم} [محمد: 20].
26- يعيبون العمل الصالح ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم: قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِن أُعطُوا مِنهَا رَضُوا وَإِن لَم يُعطَوا مِنهَا إِذَا هُم يَسخَطُونَ} [التوبة: 58]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: {وَمِنهُم} أي: ومن المنافقين {مَن يَلمِزُكَ} أي: يعيب عليك {فِي} قسم {الصَّدَقَاتِ} إذا فرقتها، ويتهمك في ذلك، وهم المتّهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما ينكرون لحظ أنفسهمº ولهذا إن أعطوا من الزكاة {رَضُوا وَإِن لَم يُعطَوا مِنهَا إِذَا هُم يَسخَطُونَ} أي: يغضبون لأنفسهم\"[32].
27- يكرهون الجهاد والاستشهاد في سبيل الله - تعالى -: قال الله - تعالى -: {وَلِيَعلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُم تَعَالَوا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادفَعُوا قَالُوا لَو نَعلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعنَاكُم هُم لِلكُفرِ يَومَئِذٍ, أَقرَبُ مِنهُم لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفوَاهِهِم مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِم وَاللَّهُ أَعلَمُ بِمَا يَكتُمُونَ} [آل عمران: 167]. قال الطبري: \"يعني - تعالى -ذكره بذلك عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق وأصحابَه الذين رجعوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، حين سار نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بأحد لقتالهم، فقال لهم المسلمون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا، أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لسِرنا معكم إليهم، ولكُنّا معكم عليهم، ولكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال، فأبدَوا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه، وأبدوا بألسنتهم بقولهم: {لَو نَعلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعنَاكُم} غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل الإيمان به\"[33].
28- يسخرون من العمل القليل من المؤمنين: قال الله - تعالى -: {الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهدَهُم فَيَسخَرُونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّهُ مِنهُم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]. عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: لما أمرنا بالصدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: {الَّذِينَ يَلمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهدَهُم... }[34]. قال ابن كثير: \"وهذا أيضا من صفات المنافقين، لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مُراءٍ,، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقته\"[35].
29- الرضا بأسافل المواضع: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا أُنزِلَت سُورَةٌ أَن آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ استَأذَنَكَ أُولُوا الطَّولِ مِنهُم وَقَالُوا ذَرنَا نَكُن مَعَ القَاعِدِينَ} [التوبة: 86]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول، واستأذنوا الرسول في القعود، وقالوا: {ذَرنَا نَكُن مَعَ القَاعِدِينَ}، ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء وهن الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما، كما قال - تعالى -عنهم في الآية الأخرى: {فَإِذَا جَاء ٱلخَوفُ رَأَيتَهُم يَنظُرُونَ إِلَيكَ تَدورُ أَعيُنُهُم كَٱلَّذِي يُغشَىٰ عَلَيهِ مِنَ ٱلمَوتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلخَوفُ سَلَقُوكُم بِأَلسِنَةٍ, حِدَادٍ,} [الأحزاب: 19] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحادّ القوي في الأمن، وفي الحرب أجبن شيء\"[36].
30- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والبخل ونسيان الله - تعالى -: قال الله - تعالى -: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى - منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين، ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كان هؤلاء {يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم} أي: عن الإنفاق في سبيل الله{نَسُوا اللَّهَ} أي: نسوا ذكر الله {فَنَسِيَهُم} أي: عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله - تعالى -: {وَقِيلَ ٱليَومَ نَنسَاكُم كَمَا نَسِيتُم لِقَاء يَومِكُم هَـٰذَا}. {إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} أي: الخارجون عن طريق الحق الداخلون في طريق الضلالة\"[37]. وقال ابن القيم: \"هم جنس بعضه يشبه بعضا، يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه، ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه، كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه، وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه، فاسمعوا أيها المؤمنون: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ}\"[38].
31- الفرح بالتخلف وكره الجهاد والتواصي بالتخلف عنه: قال الله - تعالى -: {فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقعَدِهِم خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرًّا لَو كَانُوا يَفقَهُونَ} [التوبة: 81]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وفرحوا بقعودهم بعد خروجه، {وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا} معه {بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا} أي: بعضهم لبعض {لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ}º وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر عند طيب الظلال والثمارº فلهذا قالوا: لا تنفروا في الحرّ، قال الله - تعالى -لرسوله - صلى الله عليه وسلم - {قُل} لهم {نَارُ جَهَنَّمَ} التي تصيرون إليها بمخالفتكم {أَشَدٌّ حَرًّا} مما فررتم منه من الحر، بل أشدّ حرّا من النار\"[39].
32- التخذيل والتثبيط والإرجاف: قال الله - تعالى -: {وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا وَإِذ قَالَت طَائِفَةٌ مِنهُم يَا أَهلَ يَثرِبَ لا مُقَامَ لَكُم فَارجِعُوا وَيَستَأذِنُ فَرِيقٌ مِنهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ, إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} [الأحزاب: 12-13].
33- البطء عن المؤمنين: قال الله - تعالى -: {وَإِنَّ مِنكُم لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ فَإِن أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَالَ قَد أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَعَهُم شَهِيدًا} [النساء: 72]. قال الطبري: \"وهذا نعت من الله - تعالى -ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: {وَإِنَّ مِنكُم} أيها المؤمنون، يعني: من عدادكم وقومكم، ومن يتشبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم وملتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم، وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم، {فَإِن أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ} يقول: فإن أصابتكم هزيمة أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم {قَالَ قَد أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذ لَم أَكُن مَعَهُم شَهِيدًا} فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسرّه تخلّفه عنكم شماتةً بكمº لأنه من أهل الشكّ في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب وفي وعيده، فهو غير راج ثوابا، ولا خائف عقابا\"[40].
34- لا ينفعهم القرآن بل يزيدهم رجسًا إلى رجسهم: قال الله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقُولُ أَيٌّكُم زَادَتهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتهُم إِيمَانًا وَهُم يَستَبشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجسًا إِلَى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ} [التوبة: 124-125].
35 - العودة إلى ما نهوا عنه والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول: قال الله - تعالى -: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنهُ وَيَتَنَاجَونَ بِالإثمِ وَالعُدوَانِ وَمَعصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوكَ بِمَا لَم يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِم لَولا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسبُهُم جَهَنَّمُ يَصلَونَهَا فَبِئسَ المَصِيرُ} [المجادلة: 8].
36- الاستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة: قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن يَقُولُ ائذَن لِي وَلا تَفتِنِّي أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ} [التوبة: 49]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: ومن المنافقين من يقول لك يا محمد: {ائذَن لِي} في القعود {وَلا تَفتِنِّي} بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم، قال الله - تعالى -: {أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا} أي: قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا\"[41].
37- اتخاذ الأعذار عند التخلف: قال الله - تعالى -: {يَعتَذِرُونَ إِلَيكُم إِذَا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِرُوا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّهُ مِن أَخبَارِكُم وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} [التوبة: 94]. قال ابن كثير: \"أخبر - تعالى - عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم {قُل لا تَعتَذِرُوا لَن نُؤمِنَ لَكُم} أي: لن نصدقكم، {قَد نَبَّأَنَا اللَّهُ مِن أَخبَارِكُم} أي: قد أعلمنا الله أحوالكم، {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ} أي: سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا، {ثُمَّ تُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} أي: فيخبركم بأعمالكم، خيرها وشرها، ويجزيكم عليها\"[42].
38- الاستخفاء من الناس: قال الله - تعالى -: {يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَستَخفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108]. قال ابن كثير: \"هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناسº لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بهاº لأنه مطّلع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: {وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطًا} تهديد لهم ووعيد\"[43].
39- يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: قال الله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [النور: 19].
40- الفرح بما يصيب المؤمنين من ضراء والاستياء بما يمكّن الله لهم: قال الله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لا يَألُونَكُم خَبَالاً وَدٌّوا مَا عَنِتٌّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ هَا أَنتُم أُولاءِ تُحِبٌّونَهُم وَلا يُحِبٌّونَكُم وَتُؤمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُم قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا عَضٌّوا عَلَيكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيظِ قُل مُوتُوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصٌّدُورِ إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118-120]. قال ابن كثير: \"يقول- تبارك وتعالى -ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي: يطلعونهم على سرائرهم، وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي: يسعون في مخالفتهم، وما يضرّهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودّون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشقّ عليهم\"[44]. وقال ابن القيم: \"إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمّهم، وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم، وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم، ولا يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون، {إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَولَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ ٱلمُؤمِنُونَ} [التوبة: 50، 51]\"[45]. وقال الله - تعالى -: {إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ} [التوبة: 50]. قال ابن كثير: \"يعلم- تبارك وتعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعداوة هؤلاء لهº لأنه مهما أصابه من حسنة أي: فتح ونصر وظفر على الأعداء مما يسرّه ويسرّ أصحابه ساءهم ذلك، {وَإِن تُصِبكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَد أَخَذنَا أَمرَنَا مِن قَبلُ} أي: قد احترزنا من متابعته من قبل هذا {وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحُونَ}\"[46].
41- إذا اؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر: قال الله - تعالى -: {وَمِنهُم مَن عَاهَدَ اللَّهَ لَئِن آتَانَا مِن فَضلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِن فَضلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضُونَ فَأَعقَبَهُم نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِم إِلَى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة: 75-77]. قال ابن كثير: \"يقول - تعالى -: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله، وليكوننّ من الصالحين، فما وفَّى بما قال، ولا صدق فيما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقوا الله - عز وجل - يوم القيامة، عياذا الله من ذلك\"[47]. وقال الله - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ} [البقرة: 8]. قال ابن القيم: \"لبسوا ثياب أهل الإيمان، على قلوب أهل الزيغ والخسران والغل والكفران، فالظواهر ظواهر الأنصار، والبواطن قد تحيزت إلى الكفار، فألسنتهم ألسنة المسالمين، وقلوبهم قلوب المحاربين، ويقولون: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ}\"[48]. وقال الله - تعالى -: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ} [البقرة: 9]. قال ابن القيم: \"رأس مالهم الخديعة والمكر، وبضاعتهم الكذب والخثر، وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون، وهم بينهم آمنون، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُم وَمَا يَشعُرُونَ}\"[49]. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))[50]. قال النووي: \"هذا الحديث مما عدّه جماعة من العلماء مشكِلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدّق الذي ليس فيه شك... فإن إخوة يوسف - صلى الله عليه وسلم - جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كلّه، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله - تعالى -إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار: إن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلّق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حقّ من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلّدين في الدرك الأسفل من النار. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كان منافقا خالصا)) معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد