بسم الله الرحمن الرحيم
يستدل الصوفية على جواز طلب المدد والغوث من الأموات، بحديث أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: كنت عند عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فخدرت رجلُه، فقلتُ له: يا أبا عبد الرحمن ما لرجلك. ؟ قال: اجتمع عصبها من ها هنا. قلت: ادع أحب الناس إليك. قال: يا محمد. فانبسطت.
رواه ابن السني في \"عمل اليوم والليلة\" رقم: (167ـ 168ـ 169ـ171). وابن الجعد في مسنده: رقم: (2539) وابن منيع في الطبقات الكبرى: (4ـ154)
وهذا الحديث إسناده ضعيف وفيه علل كثيرة:
منها: أن مدار الحديث على أبي إسحاق السبيعي، وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع ممن فوقه.
ومنها: أن أبا إسحاق قد اختلط، ومما يدل على تخليطه في هذا الحديث أنه رواه تارة عن أبي سعيد وتارة عن عبد الرحمن بن سعد، وتارة عن الهيثم بن حبيش، وهذا اضطراب يرد به الحديث.
وأمثل ما روي من أسانيده، على تدليس أبي إسحاق السبيعي فيه، ما رواه البخاري في \"الأدب المفرد\" (964) قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر، فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك فقال: محمد.
وهذه الرواية أصح ما روي، وأفادت فوائد:
الأولى: قول ابن عمر: محمد، بدون حرف النداء، والشائع عند العرب- كما سيأتي- استعمال يا النداء في تذكر الحبيب ليكون أكثر استحضاراً في ذهن الخادرة رجله، فتنبسط. وابن عمر عدل عن الاستعمال الشائع إلى غيره لما في الشائع من المحذور.
الثانية: أن تذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أحب الناس إليه هو الحق، لأنه لا يؤمن أحد حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. بل ومن نفسه التي بين جنبيه. وهذا ما نعقد عليه قلوبنا، بهداية ربنا.
الثالثة: أن سفيان من الحفاظ الأثبات، فنقله خبر أبي إسحاق بهذا اللفظ يدل على أنه هو المحفوظ، وسواه غلط مردود.
يقول الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - في كتابه (هذه مفاهيمنا): غاية ما ذكرته أن فيه ذكرا للمحبوب، لا طلب حاجة منه أو به أن يزال ما به، ولا أن يكون واسطة لإزالة خدر الرجل، وليس فيه توسلٌ، وإلا لكان لازماً أن من ذكر محبوبه فقد استغاث به وتوسل به في إزالة شدته، وهذا من أبطل الباطل، وأمحل المحال.
فما قوله إذا ذكر الكافرُ حبيبه فزال خدَرُ رجله وانتشرت بعد قيد وخدور؟
أفيكون توسل به؟! ويكون من يزيل الأمراض والأخدار - سبحانه وتعالى - قد قبل هذه الوسيلة؟!
وهذا الدواء التجريبي للخدر كان معروفاً عند الجاهليين قبل الإسلام جُرَّب فنفع وليس فيه إلا ذكر المحبوب، وقيل في تفسير ذلك: إن ذكره لمحبوبه يجعل الحرارة الغريزية تتحرك في بدنه، فيجري الدم في عروقه، فتتحرك أعصاب الرجل، فيذهب الخدر.
وجاءت الأشعار بهذا كثيرا في الجاهلية والإسلام:
فمنها: قول الشاعر:
صبٌّ محبٌّ إذا ما رِجلُه خَدَرت *** نادى (كُبَيشَةَ) حتى يذهب الخَدَر
وقولُ الآخر:
على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امذِ لُها *** مقيماً بها حتى أُجيلَكِ في فكري
وقال كُثَيَّر:
إذا مَذَلَت رجلي ذكرتُكِ اشتفي *** بدعواك من مَذلٍ, بها فيهون
وقال جميلُ بثينةَ:
وأنتِ لعَينِي قُرَّةٌ حين نَلتَقِي *** وذِكرُكِ يَشفِيني إذا خَدَرت رجلي
وقالت امرأة:
إذا خدرت رجلي دعوتُ ابنَ مُصعبٍ, *** فإن قلتُ: عبدَ اللهِ أجلَى فتورَها
وقال الموصلي:
واللهِ ما خَدَرَت رجلي وما عَثَرَت *** إلا ذكرتُكِ حتى يَذهبَ الخدَرُ
وقال الوليد بن يزيد:
أثيبي هائماً كَلِفاً مُعَنَّى *** إذا خَدَرت له رجلٌ دَعاكِ
وغير ذلك من الأشعار، أفيقال: إن هؤلاء توسلوا بمن يحبونه، من نساءٍ, وغلمان، وأجيب سؤلهم، وقبلت وسيلتهم؟ اهـ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد