بسم الله الرحمن الرحيم
كم تتشوق النفوس إلى بلوغ شهر رمضان، وتلهج بالدعاء والتضرع إلى الله أن يبلغنا هذا الشهر الكريم حتى إن السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان وستة أشهر أن يتقبله منهم. والسؤال: لماذا رمضان؟
إن المقلب ناظره في الكتاب الكريم والسنة النبوية يجد أن الله بحكمته يفضل بعض مخلوقاته على بعض، وجعل فضيلة شهر رمضان ظاهرة على سائر الشهورº فقال – سبحانه -: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن)º بل فضل – سبحانه - بعض أيامه على بعض فقال – سبحانه -: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقال: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)، فهذا التفضيل وهذا الاصطفاء الإلهي لم يكن إلا لحكمة ظهر لنا بعضها وقد يخفى علينا بعضها، وحينما يقلب المرء ناظره في السٌّنة النبوية تظهر له بعض أسرار الحكمة التي تدعو إلى التلهف والشغف لبلوغ شهر رمضانº ففي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -\"إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين\"[رواه البخاري وزاد الترمذي\"وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة\"]، وعند أحمد من حديث أبي هريرة قال. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشر أصحابه:\"قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم\"فلا تعجب بعد ذلك أن تتطلع النفوس لإدراك مثل هذا الشهر الكريم الذي يبشر الرسول به ويصفه بالآتي:
1-أنه شهر مبارك.
2- تفتح فيه أبواب الجنات.
3-تغلق فيه أبواب جهنم.
4-تسلسل فيه الشياطين.
5-ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
6-لله عتقاء من النار كل ليلة.
7-فيه ليلة خير من ألف شهر.
8-استجابة الدعاءº فإن للصائم دعوة مستجابة.
فمن هذا الذي لا يتمنى أن يدرك مثل هذه الفضائل.
إن الجو المادي الذي تعيشه النفوس فأصبحت لا تحس إلا بالمحسوسات فقط، وأصبحت العملية لديهم في هذه الحياة عملية حسابية بحتة سببت كثيراً من القسوة للقلوب والغفلة عن الله - جل وعلا -، ولننظر بنفس النظرة بالنسبة لشهر رمضان لنجد أن العملية الحسابية تكون في صف من سارع إلى تلقيه بالإقبال على الله والتوبة والندم، وكيف لا يكون ذلك والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:\"... ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر\"[رواه مسلم]، وكلنا قد غشي من الذنوب ما الله به عليم، وقد مَنَّ الكريم بستر منه وكرم ونسأله العفو والمغفرة.
ومتابعة لما سبقº فإن المتأمل في أحوال رمضان وفضله يرى لزاماً على كل إنسان أن يستغل كل ثانية من ثوانيه في أمور شتى من العبادات المتنوعة، وهنا وقفات:
1-أن أفضل العبادات في رمضان هي ما جاء النص عليها مثل: القيام وتلاوة القرآن والصدقة.
2-أنه لا ينبغي حصر صور العبادة والإحسان فيما سبقº بل يجب توسيع الدائرة، حيث إن كل عمل صالح يقرب إلى الذل والانكسار لله وكمال المحبة له فهو عبادة، فالطبيب في عيادته، والجراح في غرفة عملياته، والمهندس في معمله أو طريقة أو مكتبه، والجندي في ميدانه، والمعلم في مدرسته..
وهكذا في صنوف عدة من أنواع العمل إذا استصحب فيها الاحتساب، وهو طلب الأجر من الله مع تحقيق عدم التفريط في عبادات أخرى إلا من أجل مصلحة أعظمº فله أجر مثل أولئك أو أعظم.
3-أن القيام في رمضان له فضائل عديدةº منها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:\"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه\"، فلا أقل من الحرص والمواظبة في هذا الشهر الكريم.
4-عليك بالجود والنفقة والحرص على تفطير صائم، وقد تيسر ذلك كثيراً في هذه الأزمنة، فابذل الفضل من مالك، وجُد بالخير وتذكر دوماً (وما تنفقوا من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً)، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:\"كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس\"[رواه أحمد]، وتذكر\"رب درهم سبق مائة ألف درهم\".
5-قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله في رمضان، وقد كان جبريل ينزل كل ليلة يراجع القرآن مع النبي، وفي السنة الأخيرة راجعه مرتين، وصور الصحابة والسلف في قراءة القرآن في رمضان أكبر من أن توصف، حتى إن أحدهم كان يختم القرآن كل ليلة، وإذا دخلت العشر ختم القرآن مرتين كل ليلة، وصدق الله (ولقد يسرنا القرآن للذكر)، فأين نحن من هؤلاء؟!.
6- الدعاء له أوقات إجابة وخصوصاً في رمضان حين الفطر وفي جوف الليل، وتذكر أن للصائم دعوة مستجابةº فأكثر من الابتهال والتضرع.
7-الاعتكاف سُنّة مهجورة، وشرفها في انقطاعك عن الخلائق لغرض الاتصال بالخالق، فهي وظيفة شريفة فخذ نصيبك منها، ولا تكن من الغافلين.
وبعد أيها المطّلع على هذه الأسطر: لا بد أن تعلم أن وعد الله صدقº فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد، أنت تدعوه فتقول: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد)، ومما وعدنا على رسله أن من صام رمضان وقام رمضان إيماناً واحتساباً، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباًº غفر له ما تقدم من ذنبه، فهذه ثلاث فرص، كلها تغفر لك ما تقدم من ذنبك إن عملت بها محتسباً الثواب، أي من غير تسخط ولا شكوى مع الإيمان الجازم باستحقاق الرب لهذه العبودية، والإيمان الجازم بالأجر المترتب عليهاº فإنه يتحقق لك ذلك وهذا وعد صدق، فجد واجتهد وثابر وصابر، ولا تغب شمس اليوم الأخير من رمضان إلا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنوبك، فعندها تعلم لماذا رمضان؟.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد